خفايا وأسرار الحملة التي شنتها الحركة الشعبية لنهب مواطني جنوب كردفان
هل بدايات لإبادة عرقية أم تمويل لحرب بالجنوب؟؟
مئوية سلطان الفور أم حاكم السودان المستقل
حديث (السبت)
يوسف عبد المنان
تصاعدت حدة عمليات استهداف المواطنين من قبل الحركة الشعبية في ولاية جنوب كردفان (جبال النوبة) خلال الأسبوع المنصرم، حيث نفذت ثلاث عمليات نهب وقتل.. استهدفت الرحل البقارة.. والمزارعين من النوبة (تقلي) في ذات الوقت وفي يوم (الثلاثاء) كان حادثاً للنهب لسيارة تنقل مواطنين بين مدينة الرشاد وأبو جبيهة، إلا أن السلطات لأول مرة تحقق انتصاراً بالقبض على الجناة وبحوزتهم المنهوبات من المواطنين.. فلماذا تصاعدت العمليات التي تقوم بها الحركة الشعبية في مناخ وقف إطلاق النار والهدنة التي أعلنها البؤس والشقاء في دولة فاشلة.. ويقول والي جنوب كردفان الجنرال د.”عيسى آدم أبكر” وهو ضابط معلومات ومحلل أكثر منه سياسي منابر وساحات كلام، إن معلومات رصدتها الأجهزة المختصة في جنوب كردفان قبل فترة من قرار اتخذته الحركة الشعبية الأم بفرض أتاوات مالية وعينية على قطاع الشمال، وكذلك ربط من القوات المقاتلة للحرب بجانب “سلفاكير”.. وتمويل العمليات العسكرية. وقال الجنرال “أبكر” إن الربط المقرر يبلغ (5) آلاف رأس من الأبقار و(3) آلاف رأس من الماعز والضأن، إضافة إلى مشاركة عناصر قطاع الشمال في القتال إلى جانب حكومة الجنوب.. وأكد الوالي د.”عيسى أبكر” أن هجمات المتمردين على مناطق الرعاة لن تتوقف حتى يتم جمع هذا العدد.. إلا أن الوالي أكد على قدرة الحكومة على حماية مواطنيها من عناصر التمرد التي احترفت السلب والنهب.. وفي يوم (الأربعاء) الماضي هاجمت الحركة قطاعاً للرعاة بمنطقة ويرني ونهبت (900) رأس من ثروة السودان.. وأثارت مذبحة الحجيرات واغتيال الأطفال الرعاة ردود أفعال واسعة في الداخل.. وتعالت النيران الغاضبة خاصة من المجروحين من الجريمة.. وفي الأزمات والمحن تستبين حكمة القيادات وارتباطها بقواعدها.. وقد تداعت قيادات أبناء جنوب كردفان بكل مكوناتهم لإدانة سلوك الحركة الشعبية ونهجها الإجرامي.. باعتبار أن التمرد استهدف نهب (5) آلاف رأس من الأبقار لتقديمها للجنوبيين ثمناً لاستضافة قيادات التمرد في “جوبا”.. ودعم دولة الجنوب للحرب في المنطقتين وداخل الحركة الشعبية تيارات متعددة بعضها عنصري إقصائي، وقد رفعت الحركة الشعبية في أيامها الأولى شعار (البقاري يسير والجلابي يطير).
واستثمرت في التناقضات المجتمعية.. وفي المظالم التي لحقت بإنسان المنطقة وتورطت الحركة في مذابح عرقية عديدة ومذبحة الحجيرات الأخيرة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة.. ومن قبل تورطت الحركة وتلطخت أياديها بالدماء في قردود أم ردمي.. ومذبحة كادقلي في 6/6/.. ومذبحة حجير الدوم التي ذبح فيها الأبرياء كالشياه.. وبالأمس القريب مقتل اثنين من الأطفال في بجعابة والسجل المخذي لانتهاكات الحركة لحقوق الإنسان لا يمكن الدفاع عنه. وتقول الأخبار إن قيادياً كبيراً في الحركة الشعبية “كوكو الجاز” من القوة التي نفذت عملية النهب والمقدر عددها بـ(200) متمرد.. وتم ترحيل الأبقار المنهوبة إلى داخل حدود دولة الجنوب.. والتيارات العنصرية في الحركة الشعبية هي من يسعى لتوجيه ضربات للمجتمع ونسيجه وبعث نبرات عرب ونوبة حتى تستثمر الحركة في هذا المناخ، وهي تدعي لنفسها الدفاع عن النوبة مع أن النوبة أول ضحايا التمرد والأكثر تضرراً منه منذ أن نبتت هذه الشجرة الفاسدة في جسد البلاد، وحاولت الحركة الشعبية في مناخ الأزمة الحالي تبرئة نفسها من جريمة العصر في الحجيرات وأصدرت بياناً.. تنصلت فيه عن مسؤوليتها عن القتل والسحل وطالبت المجتمع الدولي بالتحقيق في الأحداث. ومن غرائب الأشياء وعجائب السياسة أن يمتطي حزب البعث العربي الاشتراكي سرج التمرد وتخذله الشجاعة في الإشارة للمسؤولين عن قتل الرعاة، وحزب البعث أصدر بياناً ادعى فيه تحمل مليشيات قال إنها تابعة للمؤتمر الوطني المسؤولية في اغتيال الرعاة.. وحزب البعث تاريخياً وقف مناهضاً لسلوك الحركة وأدان كل أفعالها البربرية وسلوكياتها في القتل واستهداف المواطنين. ورفض الراحل “بدر الدين مدثر” و”محمد عثمان أبو رأس” و”السنهوري” انضمام حزب البعث للتجمع الوطني الديمقراطي في مؤتمر “أسمرا” للقرارات المصيرية 1995م، بسبب وجود الحركة الشعبية، واليوم يقف حزب البعث على الأقل في جنوب كردفان إلى جانب إدعاءات الحركة الشعبية.. ويبرئ خنجر القاتل ويشنق جثة المقتول.. وفي ذات الوقت تغيرت نبرة الحركة الشعبية وأتباعها وآلياتها الإعلامية في الداخل بالحديث عن التعايش والسلام وقبول الآخر!!
السؤال من هو الآخر؟؟ الإجابة الآخر هو الحركة الشعبية وأية دعوة لقبول الحركة في الوقت الراهن يجد الرفض، وينبغي التصدي له حتى تتوقف عمليات النهب والسلب التي تقوم بها الحركة للوفاء بالتزام قادتها بما قرره القادة الجنوبيون.
الحملة الإعلامية
لأول مرة استطاعت الحملة الإعلامية واسعة النطاق التي قام بها مجتمع جنوب كردفان والشعب السوداني الذي أبدى تعاطفه الشديد مع الضحايا وأسرهم تجريد الحركة من إدعاءاتها التي ترددها في كل حين.. وأرغمت الحركة حتى وطأت الضغوط على إصدار قرار بتكوين لجنة تحقيق الغرض منها امتصاص غضب الرأي العام.. و(تشتيت الكرة) كما يقولون وتخفيف حجم الإدانة الداخلية التي تترتب عليها إدانة خارجية في الأيام القادمة، خاصة وأن الحملة الإعلامية والسياسية قادها بعض السياسيين الوطنيين من خارج دائرة المؤتمر الوطني، كالأستاذ “عبد الجليل الباشا” الوزير السابق والقيادي في حزب الأمة المعارض والأستاذ “مأمون عبد الله قيدوم” القيادي في حزب المؤتمر الشعبي.. و”يعقوب علي جبريل” القيادي في حزب الأمة.. ومن المؤتمر الوطني أثبت الدكتور “علي موسى تاور” أن اختياره في منصب وزير الدولة أقل مما يستحق ويمثل الوزير “علي موسى تاور” تياراً شبابياً قريباً من قاعدته.. ولعب دوراً رئيسياً في الحملة الإعلامية والسياسية ولأول مرة يشكل المؤتمر الوطني وجوداً مستقلاً عن الحكومة في أحداث الحجيرات، حيث قاد رئيس دائرة كردفان والنيل الأبيض في المؤتمر الوطني “حسب الله صالح” وفداً ترأسه شرفياً د.”كبشور كوكو قمبيل” رئيس الشورى، ولكن كان لـ”حسب الله صالح” ودائرة جنوب كردفان الفضل في الرحلة لمناطق الأحداث.. وتمت محاصرة تيارات التطرف الاثني في ساعات الغضب.. وأثبت مجتمع كردفان تماسكاً شديداً.. لم تضرب الأحداث وحدة المواطنين رغم أن الحركة سعت من خلال جيوب التطرف لبذر وغرس سكين العنصرية في خاصرة الشعب.. وجدت الحركة نفسها في موضع أصدرت قرار تكوين لجنة التحقيق التي لن تصل إلى شيء وقد ضمت اللجنة بعض أبناء القبائل العربية من الدفاع الشعبي الذي شعر بعض قادته السابقين بالظلم، فاختار بعضهم الانضمام للحركة التي اتخذتهم واجهات تجميلية فقط.. وأخذت بعض عناصر الحركة الشعبية في الداخل تتحدث عن (اتفاق الملح) الذي وقعه بعض أبناء القبائل العربية في ثمانينيات القرن الماضي مع الراحل “يوسف كوة”.. الذي أطر لما يعرف بأسواق (السمبك).. إلا أن الحركة لا تستطيع مهما حاولت نفي استهدافها لقطعان ماشية عرب الحوازمة.. وهو استهداف للثروة الحيوانية لتمويل حرب الجنوب، وفي سبيل هذا الهدف لن تميز الحركة بين أبقار يمتلكها “حماد البقاري” و”كوكو” النوباوي.. والنوبة أول من أفقرتهم الحركة الشعبية بنهب ثرواتهم وقتل رموزهم وبالتالي الحركة لا تمثل النوبة ولا إدانة سلوك الحركة والمطالبة برد الاعتداء هو استهداف أو تحرش عنصري.. وبعض منسوبي الحركة ومجايليها وأتباعها إذا قرأت ما يكتبون يشنون حرباً على الذين يدافعون عن الضحايا ويتم التسويق هذه الأيام لدعاوى تبريرية لسلوك الحركة، والبعض يزرف دموع التماسيح على التعايش السلمي كأن المقصود بالتعايش أن يصفح الناس عن سلوك الحركة ويرتضون بقتل الأطفال ونهب الثروات.. وفي ذات الوقت فإن القوات الحكومية قد حققت نصراً كبيراً بالقبض على الجناة الذين هاجموا حافلة للركاب وسلبوا المواطنين مدخراتهم بالقرب من أبو جبيهة.. وهؤلاء المجرمون من القبائل العربية المستفيدون من مناخات التمرد في ممارسة النهب والقتل.. وقد بلغهم سيف الدولة وينبغي محاكمتهم علناً ليكونوا عبرة لغيرهم.
مئوية سلطان السودان
من الأفضل أن لا يصنف سلطان الفور الجديد “أحمد حسين أيوب علي دينار” سياسياً.. وتخسر البلاد شخصية يمكن أن تلعب دوراً قومياً وتقف في الحياد إزاء الصراعات التي تنشب خاصة في إقليم دارفور الذي فقدت فيه الإدارة الأهلية دورها.. وضعفت ووهنت حينما أصبح زعماء العشائر إما ناشطين تنظيميين في الحزب الحاكم، أو محرضين على التمرد والحرب وقلوبهم مع الحركات المسلحة.. وفي الأسبوع قبل الماضي احتفلت مدينة الفاشر بل كل ولايات دارفور بمئوية السلطان “علي دينار” الذي وقف مناهضاً للاستعمار الإنجليزي
واختار الولاء للدولة العثمانية.. ونسج وشائج العقيدة مع حكام استانبول.. حيث سقطت سلطنة السودان أو سلطنة دارفور لتلك الأسباب.. وجمع النائب “حسبو محمد عبد الرحمن” ولاة دارفور الخمسة في الفاشر.. وتعهد بتعظيم سيرة السلطان “علي دينار” الذي كان واسع الأفق.. عميق الرؤيا جمع شتات قبائل دارفور من مختلف ألوانهم وسحناتهم ومشاربهم وأشركهم في مجلس وزراء قومي التكوين.. لذلك نهضت دولة الفور وسلطنتهم.. ولكن الإنجليز بعد قهرهم للحكم الوطني الأول وهزيمة المهدية في كرري وأم دبيكرات شنوا حرباً ضارية على سلطنة الفور.. وعلى أحفاد المجاهد “علي دينار” وعمدوا لتنفيذ سياسة تمزيق الكيانات الكبيرة.. وحرب ناعمة على قبيلة الفور التي وحدت أهل الإقليم.. وسارت الحكومة المتعاقبة على منهج الإنجليز.. لذلك تم تكوين الإدارة الأهلية بعيداً عن أسرة السلطان “علي دينار” التي تمتد جذورها ومصاهراتها مع كل قبائل السودان.. الشيء الذي جعل منها عنصر توحيد لأهل البلاد.. وحينما وطأت الأزمة الأخيرة إقليم دارفور بحثت الدولة عن شخصية مثل السلطان “علي دينار” لتعبر بالإقليم أزمته ولم تجدها.. واليوم يقف على قيادة سلطنة الفور شاب يملك ثروة مالية كبيرة وتاريخاً أسرياً يؤهله للعب دور قومي.. يجمع أهل دارفور وفق المشتركات.. ويساهم بفكره.. ومرجعيته ورمزيته في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء.. ولن يتأتى للسلطان “أحمد حسين أيوب علي دينار” ذلك إلا بالوقوف بعيداً عن الصراعات الحزبية.. والنأي بنفسه عن الولاءات الضيقة والانتماءات الصغيرة، والرجل لا تنقصه المقدرات ولا المبادرات، ولكن حتى يلتف حوله أهل دارفور فثمة حاجة للاقتراب أكثر من المنطقة وأهلها.. وليت المؤتمر الوطني خصص مقاعد للشخصيات القومية ضمن المقاعد التي أضيفت للبرلمان بمشروعية الحوار الوطني والاتفاق السياسي.. ولأن زعيم الفور “أحمد حسين علي دينار” إذا حمل بطاقة أي حزب يخسر أهله وعشيرته ويفقد القدرة على جمع الناس.. وتوحيدهم وقد شبع المؤتمر الوطني من قادة الإدارة الأهلية الذين في جيوبهم بطاقات انتماء له.. ولكنهم عاجزون عن مشكلات مجتمعهم.. فأيهما أجدى للمؤتمر الوطني ولكل أحزاب زعيم قبلي متفق عليه وسط عشيرته أم سياسي يتحدث في المنابر، ولكنه عاجز عن توحيد الناس وحل مشكلاتهم اليومية.