رائدة الأعمال الإنسانية والطوعية، السعودية " سلافة بترجي"، في حوار مع (المجهر)
بدأت العمل الطوعي وأنا في الثالثة عشرة من عمري ووالدي هو قدوتي
حجم استثماراتنا في مجال خدمة التعليم أضعاف المجالات الأخرى.. وهذه هي الأسباب
حضرت السودان لتدشين شركة “دروب الوقفية” المحدودة لخدمات التعليم
هي زوجة وأم لأربعة أطفال، كما أنها معلمة وناشطة فاعلة في منظمات المجتمع المدني، وتعتبر من السيدات السعوديات، والعربيات اللاتي ملكن زمام المبادرة في مجال ريادة الأعمال والعمل الطوعي في العالم العربي، ليرتبط اسم “سلاف بترجي” خلال العشرين عاماً، الأخيرة، بالكثير من المشاريع الإنسانية والأنشطة في مجال التعليم والتعلم، واكتشاف الموهوبين، وفي مجال (الذكاء العاطفي والوجداني).
(المجهر) التقت بها خلال زيارتها للبلاد من أجل تدشين انطلاقة “شركة “دروب الوقفية” المحدودة، فكان هذا الحوار.
حوار – ميعاد مبارك
– أولاً عرِّفينا من هي الأستاذة “سلافة بترجي”؟.
– لديَّ أسرة مكوَّنة من ثلاث بنات وولد، الكبيرة عمرها (21) سنة، والولد الصغير عمره (13) سنة، تخصصت في دراسات الطفولة ورياض الأطفال، وكنت شغوفة بتعليم الأطفال، بعدها تدرجت في وظيفتي معلمة، ولكن كما أحب أن أقول، فصلي ليس الفصل ذو الجدران الأربعة، ولكن فصلي العالم، ولم أكن يوماً معلمة أكاديمية، ولكن دائماً معلمة لمهارات الإنسان، وتدرَّبت وتدرَّجت وحصلت على تدريب في اتجاهات مختلفة، منها القيادة وتعليمها للأطفال، والإنسان مع العمر يكبر وتكبر معه الأشياء التي يريد التأثير فيها، بعدها دخلت إلى مجال التدريب وحصلت على ماجستير في “تصميم المناهج والتقييم” من جامعة “فينكس” في الولايات المتحدة الأمريكية، وبدأت في مجال الذكاء العاطفي وتخصصت أكثر في مجال التعليم لكي أقدم الخدمات سواء تدريب المعلمين والمعلومات والورش والأنشطة لأطفال مرحلة الأساس والثانوية والجامعية عن طريق المؤسسات التعليمية ومراكز الأنشطة والخدمات.
– متى بدأتِ العمل التطوعي؟.
– بدأت بمجال العمل التطوعي عندما كان عمري (13) سنة، في المرحلة المتوسطة بالتحديد، حيث كانت نشأتنا في بيت العمل التطوعي، فيه جزء من حياتنا اليومية، والدي الدكتور “عادل بترجي” ووالدتي الأستاذة “سعاد عطار” كانا حريصين بأن يكون لنا دور في خدمة المجتمع، هما كانا قدوة لنا، بريادتهما في هذا المجال منذ أن كنا أطفالاً، وبالتالي نشأنا على رؤية النموذج والقدوة أمامنا. وأذكر أول عمل تطوعي قمت به كان معلمة أنشطة لأطفال في المرحلة العمرية ما بين (4-5) سنوات، وكان في الإجازة، في ذاك الصيف، اكتشفت أنني أحب تجربة التعليم.
– العمل الطوعي في العالم العربي مرتبط بالعاطفة أكثر من المنطق، أين نحن من العالم في هذا المجال الآن؟.
– مفهوم العمل الطوعي سامٍ وجميل و يناسبنا كشعوب عربية، لأننا نحب أن ندَّعي أننا شعوب عاطفية، ولكن في نفس الوقت هنالك جهات مختلفة حاولت تنظيمه وجعله عملاً مؤسسياً أكثر، وهذه الجهات يجب أن تدعم وتوضع لها سياسات من الدول التي تعمل فيها، بحيث تدعم هذه المبادرات وهذه الطاقة الهائلة، لأن الفئة العمرية التي تهتم بمجال العمل التطوعي هي فئات الشباب، وهذه فئة مليئة بالطاقة، وإذا ما تم توجيه هذه الطاقة وتقنينها يمكن أن يحدث إهدار، وطبعاً في السنوات الأخيرة مع كل التغييرات التي حدثت في العالم العربي الحس الخدمي، ارتفع عند العرب والمسلمين.
– العمل الطوعي عادة مربوط بالإغاثة والمساعدات الإنسانية. لاحظنا أن مؤسستكم تولي اهتماماً كبيراً بالتعليم، ما هي فلسفتكم في اختيار التعليم؟.
– بداية..الإيمان بالتعليم كأداة تمكين وتغيير، قيمة مغروسة في عائلة “البترجي”، جدي وجدتي منذ صغرنا غرسا فينا وفي آبائنا، لأن التعليم هو الذي يمكِّن الإنسان، والإنسان المتعلم لن يحتاج، والمثل الصيني، يقول:(علمني كيف اصطاد، ولا تعطيني سمكة)، وهذا هو ما نبني عليه مجال عملنا، سواءً أكان مجتمعياً أو إنسانياً، ومؤكد، في ظل الظروف الراهنة هناك احتياجات للإغاثة الصحية، مثل: مساعدة الأيتام والأرامل، وهذه أشياء لا بد منها، ولكن مرة أخرى، التعليم أهم، لذلك كان حجم الاستثمار في مجال خدمة التعليم أضعاف المجالات الأخرى، وهذا هو الأساس الذي بنيت عليه شركة “دروب الوقفية” السودان، أو “دروب الوقفية” السعودية، التي سجلناها الأسبوع المنصرم.
– التعليم بمفهومه القديم صار من الماضي، هنالك أساليب ومناهج جديدة ومبتكرة حول العالم، أين التعليم في العالم العربي من ذلك؟.
– أنا أحب أن استخدم كلمة (تعلُم) ولا أحب أن اقتصر على كلمة (تعليم)، لأن التعليم مرتبط في أذهان الناس بالجوانب الأكاديمية والعلوم والرياضيات وباللغات، والجزء الذي نركز عليه، والذي تتميز به منحنا الدراسية والأنشطة والبرامج الأخرى التي نقدمها في هذا المجال، هي المهارات، وخصوصاً مهارات القرن الواحد وعشرين، نحن الآن في عصر المهارات، والعالم كله ينادي بأهمية التدريب، وتمكين هذه المهارات حتى يكون الشباب والشابات جاهزين لسوق العمل، في كل دولة حول العالم، وحتى يكونوا طاقة منجزة، وليس عائقاً، ما عاد العلم وحده يكفي، صارت المهارات ضرورية.. مهارات التواصل وحل المشكلات والتفكير النقدي والتواصل مع الغير، ومهارات المبادرة وريادة الأعمال، كل هذه المهارات صارت أساسية، والدراسات التي تمت في سوق العمل أثبتت أن الإنسان الناجح لديه مهارات الذكاء العاطفي، ومن أجل تربية قيادات تنفع بلدها في المستقبل، يجب أن نمكنهم من مجال الذكاء العاطفي، وهذا مجال حديث، بدأنا فيه، بحيث نمكِّن من خلاله خدماتنا التعليمية، مهارات الذكاء العاطفي.
– متى بدأت علاقتك بالسودان؟.
– قبل قرابة العشرين سنة، بدأت مع بدايات والدي الدكتور “عادل بترجي” هنا، وهو قدوتي التي احتذي بها وأتعلم منها، ومن هنا بدأت علاقتي بالسودان وأفريقيا.
– هل زرتِ بلاداً أفريقية أخرى؟
– السودان فقط، ولكن “دروب الوقفية” السودان ومنظمة “العون الإنساني والتنمية”، “دروب الوقفية” السعودية لها مجالات مختلفة.
– لديكم أعمال في كينيا؟.
– نعم، بدأنا منحاً دراسية، ومنحنا الدراسية تركز على أصحاب القدرات العقلية المرتفعة، ومن خلال عملية الاختيار، أيضاً، نقوم بتقييم للذكاء العاطفي، بحيث نختار الذكي الفطن، والذكي الحكيم من خلال تقييمات علمية تساعدنا على استشفاف هذه القدرات وقياسها، وفعلاً كانت أول دفعة من منح طلابنا في كينيا لـ(6) طلاب و(3) طالبات، ونحن فخورون جداً بهم.
– تتحدثين بشغف كبير عن (الذكاء الوجداني) عرِّفينا به أكثر؟.
– الذكاء الوجداني، علم لا أستطيع أن أقول جديد على العالم، ولكن هو جزء من تكويننا كبشر بطريقة قوية وإيجابية، يبرز في قدرتنا على التأثير والمبادرة والذكاء العاطفي هو نسخة أخرى لمفهوم القيادة، وهذا المسمى موجود في العالم منذ (20) سنة، ونحن أحضرناه للعالم العربي قبل (5) سنوات، وبصورة رسمية في 2015م، حيث وقعت “دروب الوقفية” شراكة حصرية مع منظمة عالمية لها أدوات مختلفة فأحضرنا الأدوات وترجمناها للغة العربية، وولَّفناها للعالم العربي، وأصبحت متوفرة للأطفال والبالغين في الدول العربية وبدأنا في السعودية والسودان.
– ما هو سبب زيارتكم للخرطوم؟.
– زيارتنا الحالية للخرطوم لها (3) أسباب أساسية، أولها حضور احتفال تدشين “دروب الوقفية” السودان، والسبب الثاني، تقديم ورشة عمل في الذكاء العاطفي، للإدارة التنفيذية لـ”دروب” السودان، وزيارة بعض طلاب منح “دروب”، لنتأكد أننا نخدمهم بالطريقة التي ترضي الله.
– كم يبلغ عدد طلاب منح دروب؟.
– حوالي (174) طالباً وطالبة، في مراحل دراسية مختلفة، بين الأساس والثانوي، والآن باب التقديم مفتوح، ومنذ أسبوع، وهذه دعوة لأي ولي أمر، أو معلم لديهم طالب يستشعرون فيه الموهبة يقدم لابنه للمنحة.
– ما هي كيفية التقديم؟.
– التقديم للمنحة عن طريق رابط موقع دروب الخير (Droob SA.com) السعودية، يدخلوا على الأنموذج، ويقوموا بتعبئة استمارة التقديم، وآلية الترشيح للاختيار في المنحة تمر بعدة مراحل تجرى للطلاب خلالها اختبارات مربوطة بالذكاء العقلي، ومن ثم يتم ترشيح فئة، ويتم التقديم على اختبارات مرتبطة بالإبداع والجوانب الأكاديمية، ونحن حريصون على معرفة الوضع الاقتصادي للأسرة، لأننا نستهدف الأسر التي لا تستطيع تحمل تكاليف تقديم تجربة علمية فريدة لأبنائها.
– كيف وجدتِ المرأة السودانية؟.
– إنسانة كريمة في ألفاظها واستقبالها وفي عطائها ووجودها في المجتمع، و أعجبت بها، وعندما أسأل عن تجربتي في السودان أقول إنها مبهرة، إذا كان في الكرم السوداني أو الاحترافية في العمل، والمرأة السودانية قوية، والصورة عندها واضحة.
– أين المرأة السعودية الآن..باعتبارك ناشطة في ريادة الأعمال؟.
– المرأة السعودية انتقلت في فترة بسيطة، من لعبها أنموذج أدوار محدودة في مجالات معينة، كالطب والتعليم إلى أدوار أكثر تحدياً، مجالات مفتوحة لا تنتهي، وأثبتت نفسها وأبهرت المجتمع المحلي والعالمي.
– باعتبارك ناشطة في مجال ريادة الأعمال، ما هي التحديات التي تواجه المرأة في هذا المجال؟.
– أول شيء، لأننا نسميها امرأة، ولو أننا أزحنا الاسم وأسميناها إنساناً وقيَّمنا الشخصية وأداءها ومسؤولياتها، ولم نظهر أنها امرأة، نجد أن الأداء واحد، إذا كان الإنسان رجلاً أو امرأة، وبسبب تسمية المرأة، ينظر لها بصورة مختلفة، وهذا شيء يحزنني كثيراً، المرأة أعطاها الله القدرة على قيادة أدوار مختلفة، وتستطيع أن تكون أماً وزوجة وتدير مشاريع . يجب أن يكون هناك إيمان بالمرأة وقدراتها، ونعطيها فرصتها، وضروري أن يكون بجانبها الرجل الذي يدعمها حتى تواجه تحديات المجتمع، والفئات التي لا تؤمن بقدراتها، أو لا تظهر امتنانها لإنجازاتها.
– هنالك تسميات تطلق مثل تمكين المرأة، ألا تمثل هذه التسميات تميُّزاً ضد المرأة؟.
– أنا لا أجده تميُّزاً، ولكنه تسليط الضوء على فرد في المجتمع أو على فئة، وممكن نعمل منتديات لتمكين الرجل. لماذا لا؟.
– إذا تكلمنا بواقعية في مجال التعليم والعمل، أين المرأة العربية الآن؟.
– لم تصل بعد، ودخلت في هذه النقاشات مع سيدات من دول مختلفة، من أمريكا وبريطانيا، خلال حضوري لملتقيات عالمية، حتى هن يقلن إن المرأة لم تأخذ حقها في مجتمعها، فمعيار التمكين يختلف حسب المجتمع، وحسب فهم الإنسان للكلمة، ويجب ألا نعتمد على التمكين الخارجي، (أنا امرأة أمكِّن نفسي).
– مفاهيم الوصاية والولاية، وضعت في ذهنية المرأة العربية اعتقاداً راسخاً بعدم القدرة على القيام بموازنة بين البيت والعمل؟.
– وهل يوازن الرجل بين المنزل والعمل؟ وكما قلت لكِ إننا لو أزحنا كلمة امرأة من أمام اسمها، وتعاملنا معها إنساناً ستتضح الصورة، والسؤال: هل يحقق الرجل مفهوم التوازن ما بين العمل والمنزل؟ الفرق أنها أدوار مختلفة. ومفهوم التوازن مفهوم شخصي.
– أحياناً مفهوم التنافس مع الرجل يشتت المرأة عن أهدافها، هل تسعين للتسابق مع الرجل، أو تسعين لتحقيق أهدافك؟.
– أريد أن أصل إلى هدفي سواءً كنت أتنافس مع امرأة أخرى أو مع رجل، هذا هو الصحيح، وكذلك أنافس نفسي، وهذا المفهوم مشابه لمفهوم المساواة والعدل، أنا لا أريد مساواة، أنا أريد عدلاً.
– كيف وجدتِ الطفل السوداني؟.
– علاقتي بالطفل السوداني كانت محدودة بزيارتي لمدارس “القبس”، وورشة عمل قدمتها مع دكتور “عادل”، لنخبة من طلاب مدرسة “القبس”، وفي علاقتي البسيطة مع طلاب المنح، وأنا أحب الأطفال بصفة عامة، وأنظر لهم بعين مختلفة، وانبهر بذكائهم وتعبيراتهم المختلفة، وبأسئلتهم التي فيها تحدٍ لي كبالغ، ووجدت في الطفل السوداني، أكثر مما وجدت في أطفال آخرين، ودائماً افتخر بأن طلاب منحنا في السودان،هم من أميز الطلاب، وأكثر ذكاءً وشغفاً وحباً للتعلم، وأكثر امتناناً بحصولهم على فرصة التعليم الجيد، وهذا هو الذي سيصنع فرقاً بينهم وبين غيرهم في المستقبل.
– كم مرة زرتِ السودان؟.
– (3) مرات، وزرتها كثيراً من خلال قصص والدي وقصص الناس والسودانيين، معرفتي بالسودان وغيره من الدول غير محدود بالوجود الجسدي
– هل تذوقتِ الوجبات السودانية؟.
– في زيارتي السابقة حضرت عقد قران وتذوقت وجبات جميلة.
– كلمة أخيرة
– شكراً لأنكم منحتمونا الفرصة لإيصال صوتنا للقراء.