من يتحمل مسؤولية ضياع روح معلمة مدرسة الثورة بانهيار مرحاض قديم؟!
(المجهر) تورد التفاصيل المحزنة من قلب الحدث
إدارة التعليم بكرري تتبرأ.. ونواب الخرطوم يحاصرون الوزير في استدعاء عاجل!!
بيان غاضب من المعلمين.. والوزارة تشكل لجنة للتحقيق في الملابسات وأوجه القصور
تحقيق ـ هبة محمود
لم تكن حادثة وفاة معلمة الأجيال الأستاذة “رقية محمد صلاح” داخل بئر مرحاض قديمة انهارت بها أول أمس بإحدى المدارس بحي الثورة ،الحارة (13)، حادثة عادية، لأن ملابسات الإهمال تطغى على ما حدث، وملامح الدهشة المشوبة بالحزن، ترتسم عندما تعلم أن المدرسة ليست في منطقة نائية أو أطراف الخرطوم، بل هي في قلب أم درمان الكبرى.
فكثيراً ما تعالت الأصوات هنا وهناك، وتنادت بضرورة مراجعة البيئة المدرسية بولاية الخرطوم، وصيانة الفصول والمراحيض دورياً، وتزداد المخاوف- عادة – بحلول فصل الخريف الذي كثيراً ما أغلقت مدارس الولاية، أبوابها على إثره، وتعطلت الدراسة خوفاً من انهيار الفصول على رؤوس التلاميذ. وبالرغم من تأكيدات وزارة التربية والتعليم باكتمال الإجراءات والترتيبات اللازمة لبداية الموسم الدراسي، إلا أن حادثة موت الأستاذة والمربية “رقية “، عليها رحمة الله ، أمس الأول إثر سقوطها داخل مرحاض مدرسة “بثينة بنت كعب” الأساسية بالحارة (13) بمحلية كرري، جاءت منافية لتأكيدات الصيانة، واكتمال الإجراءات، مخلفة وراءها عدداً من المخاوف والتساؤلات حول حقيقة بيئتنا المدرسية ،وعمليات الصيانة الدورية بها والجهة المسؤولة عن كل ذلك؟ وما هي حقيقة مراحيض مدرسة الثورة الـ(13) التي لم تتم صيانتها منذ قرابة الأربعين عاماً ، حسب اعتراف أحد مسؤولي التعليم بالمنطقة.. وما هو الإجراء الذي تم بشأنها؟ وما هي دفوعات وزير التربية والتعليم بولاية الخرطوم في المسألة المستعجلة التي حاصره بها مجلس تشريعي الخرطوم أمس؟ وغيرها من الأسئلة التي تشكل حولها الرأي العام، وهو يتابع التفاصيل الحزينة للمأساة ، حملتنا لتسجيل زيارة ميدانية إلى مكان الحدث، والى منزل الشهيدة بالثورة.
ربما جاءت الصور عبر وسائل التواصل الاجتماعي أخف ألماً من التي وقفنا عليها بأنفسنا، عندما توجهنا لمكان الحادث، (ظهيرة أمس) ونفوسنا يعتريها الألم الكبير، ومخيلتنا ترسم كيفية السقوط المؤلم، للمؤلم للمعلمة ، وهي تخطو نحو نهاية حياتها دون أن تدري.
المشهد بدا عصياً عليناً جداً، فكيف بالذين شاهدوه ،ووقفوا عليه لحظتها، وكيف بالذين عاشروها، وفي لحظات افتقدوها.. خفير المدرسة أكد لنا أن هذه المراحيض لم تحمل أياً من معالم الانهيار، كما أكد أن اثنتين من زميلات الفقيدة سبقتاها في الدخول، بلحظات، لافتًا إلى أنه تمت إقامة مراحيض جديدة لتخفف العبء، وما لحظناه أثناء طوافنا بالمدرسة أن المراحيض القديمة تعد الأكثر استعمالاً من الجديدة ، التي امتلأت فتحاتها بأكياس (الشيبس) والقارورات، وتكاد أن تكون شبه مهجورة رغم حداثتها.
بعض أبناء المنطقة ، الذين وقفوا على الحدث أكدوا لنا صعوبته ، وتباطؤ أفراد الدفاع المدني في الحضور، ووصولهم بعد ساعتين من وقوع الحادث، ما سبب أزمة نفسية لأسرتها، وحاولنا بعد تقديم واجب العزاء التحدث إلى ابنها، لكنه فضل عدم الإدلاء بأي شيء.
{ مسؤول التعليم: لم توجد إشارة للانهيار تستدعي الصيانة
مدير المنطقة التعليمية بالمحلية الأستاذ “أبو القاسم محمد أحمد”، أكد لـ(المجهر) أنه تم بناء مراحيض جديدة بالمدرسة قبل ثلاثة أعوام ، لمواجهة الأعداد المتزايدة من الطالبات، عقب توسعتها إلى نهرين دراسيين، لافتاً إلى أنه لم تكن هناك أية إشارة للانهيار، تستدعي عمل صيانة ومراجعة للمراحيض، سيما أنهم لم تأتهم إشارة بذلك، مشيراً إلى أنه من الصعب جداً إجراء أي صيانة، ما لم تكن هناك إشارات خارجية تستدعي ذلك.
ودافع محدثي، عن التردي البيئي للمدرسة قاطعاً بأن المظهر العام مقبول ولا يوحي بذلك، وقال: (نحن نبني المدارس لأجيال قادمة، بمواصفات تجعلها أكثر أمناً)، واستدرك: (أنا عندي مدارس في مدينة الفتح ،يستخدمها المواطنون ملجأ لهم لكثرة أمنها، لكن عموماً بناء المراحيض بالطريقة الموروثة ، لدينا تعد خطرة جداً، والآن تم تكوين لجنة لمراجعة جميع حمامات مدارس الولاية ، والتحقيق في أسباب انهيار هذه المراحيض.
{ بيان غاضب من المعلمين يحمل الحكومة المسؤولية
حالة من الغضب والاستياء اعترت قبيلة المعلمين التي خرج بيانها (أمس) محمّلاً الدولة كامل المسؤولية في موت الفقيدة عليها رحمة الله، “مطالباً برحيل طاقم الوزارة، الذي- حسب البيان- حدثت في عهده كوارث كفيلة بأن ترمي به بعيداً”. ودعا البيان المعلمين ” لرص الصفوف لتعديل ما أسماه الوضع المائل”.
المعلمون أكدوا عبر بيانهم أن الصورة التي لقيت بها زميلتهم حتفها تنم عن مدى الإهمال والتسفيه ، حسب البيان ،الذي يتعرض له التعليم في ظل الوضع الذي انتقل من مرحلة إهمال التعليم إلى مرحلة استهدافه، لدرجة الكارثة، وقال الأستاذ “يس” عضو نقابة المعلمين إنه لا بد من مراجعة البيئة المدرسية لجميع مدارس الولاية، وقال: (نتمنى أن يكون هذا الحادث بمثابة إنذار).
{ انتقادات وسخط وسط نواب برلمانيين
إلى ذلك، استنكر نواب تشريعي الخرطوم حادثة موت الأستاذة “رقية” ، مطالبين بضرورة المحاسبة للحد من وقوع حوادث شبيهة. وأكد النائب “سر الختم موسى” حدوث انهيارات في مدرسة “أبو الريش”، الأمر الذي استدعى إغلاقها ، حفاظاً على أرواح التلاميذ، مشيراً إلى عدم توفر الرقابة الكافية على مقاولي البناء من قبل الوزارة أو المحلية. فيما طالبت النائب “عواطف طيب الأسماء” ،بضرورة استبدال المراحيض التقليدية بالسايفونات حتى تليق تلك المنافع بولاية الخرطوم، أما النائب “حافظ” فقد استنكر تأخر مجيء قوات الدفاع المدني، متسائلاً عن وجود معلمة قيادية في الدرجة الثانية ضمن كوادر معلمي الأساس، وهو الأمر الذي عده مدير المنطقة التعليمية بمحلية كرري الأستاذ “أبو القاسم” ، عادياً وفق السياسة التعليمية، التي تجعل مدير مدرسة الأساس، ومعلميها من الدرجة الثانية والأولى.
{ نواب تشريعي الخرطوم يسارعون لاستدعاء الوزير
مسألة مستعجلة دفعت بها رئيس لجنة التعليم بالمجلس التشريعي (أمس)، النائب “انتصار كوكو” ، لمعرفة أسباب الانهيار الذي حدث ، والاحتياطات المستقبلية التي وضعتها المحلية وما هي الجهود المبذولة لتدارك اثار الكارثة .
{ وزير التربية يعلن تحمّل المسؤولية
وزير التربية والتعليم د. “فرح مصطفي” أكد تحملهم المسؤولية كاملة، مع سلطات الولاية، مشيراً إلى تشكيلهم لجنة مشتركة للتحقيق ، لمعرفة أسباب الانهيار ومحاسبة المتسبب في القصور، إن كان هناك قصور، بحد تعبيره، وقال: (الانهيار حدث فجأة ،ولم يكن هناك ما يدل على أن هذا المرحاض، آيل للسقوط، خاصة أنه لم يظهر مدى تآكل الصبة والسيخ، الا عقب الانهيار)، وأضاف: (المدرسة بها أكثر من 700 تلميذة، لذلك تمت إقامة حمامات جديدة ، حوالي “خمس عيون” وخصصت دورة للمعلمات ، إلا أن قدر المعلمة جعلها تدخل هذا المرحاض).. وبخصوص الحمامات المنهارة، في الجانب الآخر، قال إنها من ست عيون، بطول حوالي (6) أمتار وعمق (40) متراً، ولم تبد عليها علامات انهيار، كما ذكرت، لذلك قمنا بالتحوطات التالية، المتمثلة في مواصلة الدراسة ، واستخدام دورتي مياه للمدرسة في الجزء المتبقي، إلى أن نكمل ما تبقى من العام الدراسي، على أن تتم الدراسة يوماً بعد يوم لتقليل الضغط ،خاصة أن هذه المدرسة تعد مركزاً، وقال: (الاتفاق شمل، أيضاً، بناء سور حول الحمامات تجنباً للمخاطر، كما تم الاتفاق مع سلطات محلية كرري على بناء حمامات جديدة ، حتى نلحق بالسنة الدراسية ومراجعة حمامات كل المدارس التي سقطت ، والتي لم تسقط ، عبر لجنة مشتركة)، وزاد: (جلسنا كذلك مع وزير المالية، وقمنا بتحديد المدارس التي ليست بها حمامات، الأساسية منها والثانوية، وشرعنا في تنفيذ ما اتفقنا عليه)، واستطرد قائلا ً: (نحن في الوزارة نؤكد أننا نتحمل المسؤولية كاملة مع سلطات المحلية ، على الرغم من أن قانون الحكم المحلي فصل وحدد المسؤوليات ،ما بين المركز والمحلية، لكننا نقول إن مسؤولية التعليم لا تتجزأ، وسنعمل على مراجعة المرافق التعليمية كافة ،في الأساس والثانوي، تجنباً لأي حادث آخر مشابه).