بعد ومسافة
قتل الرعاة. الجريمة والعقاب
مصطفى أبو العزائم
اليوم العاشر من فبراير الحالي، استحق أن يحمل اسم (الجمعة الحزينة) بعد الجريمة البشعة التي ارتكبتها مجموعة مسلحة وحاقدة من الحركة الشعبية قطاع الشمال بولاية جنوب كردفان، وذلك بمهاجمة الحركة الشعبية لقطعان الرعاة قبيل الفجر بمنطقة الحجيرات، وقتلهم لسبعة رعاة من شباب المنطقة، في مجزرة بشرية بشعة يندي لها جبين الشيطان نفسه، لأن الأسلوب الذي تم به ارتكاب الجريمة كان يدل على الخسة والنذالة والغدر، ليقوم الجناة بعد ذلك بنهب حوالي أربعمائة رأس من الماشية التابعة لأهل المنطقة من قبيلة الحوازمة، وقد فر المجرمون بما نهبوا إلى منطقة “ليما” الواقعة تحت سيطرة الحركة الشعبية شمال.
عند قراءتنا التحليلية للحادث لا بد من الوقوف أمام عدة نقاط، أولها عدم التزام الحركة الشعبية (شمال) بوقف إطلاق النار الذي أعلنته الحكومة على لسان السيد رئيس الجمهورية لمدة ستة أشهر، تأكيداً على نيتها في الاتفاق على سلام دائم، يعمل على وقف نزيف الدم، والتوجه نحو إعمار ما دمرته الحرب، والحفاظ على أرواح أبنائنا من الطرفين، خاصة أولئك الذين لا يحملون السلاح من المزارعين والرعاة والمدنيين.
النقطة الثانية التي تستوجب الوقوف عندها تكرار حوادث القتل والنهب بشكل مستمر، دون اعتراف من قيادة الحركة الشعبية بمسؤوليتها المباشرة أو غير المباشرة بتلك الجرائم، التي أضيف لها مؤخراً جريمة الاختطاف.. وهي جرائم تحدث بغتة وتستهدف المدنيين الآمنين دون غيرهم.
أما ثالثة النقاط التي يجب الوقوف عندها، فهي استغلال الحركة الشعبية (شمال) أو بعض منسوبيها لحالة وقف إطلاق النار ليعيثوا في الأرض فساداً، وجرائم لا تقف عند القتل والنهب والحرق والخطف، وإنما تتعدى ذلك إلى الاغتصاب، مع الحرص على قتل الضحايا لدفن آثار الجريمة.
نجد أنفسنا إذا ما أعدنا قراءة الأحداث وربطها مع النقاط التي أشرنا إليها آنفاً، نجد أن ذلك يقود إلى استنتاجات ربما كانت هي الأقرب للواقع، ففي حال قراءتنا لجرائم نهب الماشية، وقد حدث هذا أكثر من مرة خلال أسبوع واحد، لا بد لنا من أن نربط ذلك بضعف أو انعدام الإمداد الغذائي للحركة الشعبية شمال، وانقطاع ما كان يصل إليها من “جوبا”، لا إيماناً من “جوبا” ولا القيادات الحاكمة والمتحكمة هناك بقضية السلام وضرورة التوصل إليه، ولا إيماناً منها بمقدرات قطاع الشمال المادية والعسكرية في توفير احتياجات القوات في كل وقت، بل لانشغال حكام “جوبا”، بالحرب الأهلية التي كادت أن تعصف بنظام الحكم هناك، وبمواجهة الانشقاقات التي أخذت تضرب النظام، خاصة من قبل قياداته العسكرية، وإعلان عدد من القيادات هناك انضمامهم للمعارضة المسلحة في مواجهة الرئيس “سلفاكير” وحكم القبيلة الذي أسس له في دولة الجنوب.
قيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان في “جوبا” ربما قدرت عدم جدوى دعم قطاع الشمال بأي شكل من أشكال الدعم، خشية أن يذهب ما تقرره للقطاع إلى مجموعة أو جماعة أخرى متمردة على حكومة “سلفاكير” قبل أن يصل إلى الجهة المقصودة.. وهو ما أفقد قطاع الشمال الغذاء والصبر معاً، لذلك لجأ إلى ابتعاث مجموعة مسلحة منه لنهب الغذاء الحي لإعاشة جنود قطاع الشمال لأطول فترة ممكنة، لذلك تم الاتجاه إلى نهب الكميات الكبيرة من المواشي، وخطف الرعاة حتى يقوموا بالعناية بها، وتصفية من يرفض ذلك.
الحركة الشعبية (شمال) لا تريد نسبة هذه الجرائم لها، رغم أن حصيلة النهب تذهب نحو زرائبها وتجمعاتها في المناطق التي تسيطر عليها، وتزعم وفق قياداتها أنها تدين وتشجب مثل هذا السلوك وأنها ستبدأ في التحقيق الفوري.. وربما يطلق قادتها مثل هذه التصريحات في الوقت الذي تكون فيه بعض الأبقار قد ذبحت لتوفير وجبات اليوم.
وقف إطلاق النار المعلن من قبل الحكومة السودانية، نجد أنه قد تم استغلاله أسوأ استغلال من قبل الحركة الشعبية (قطاع الشمال) وقد ضمن قادتها التزام الحكومة بما تعهدت به، لكن هذا بالتأكيد سيدفع بالحكومة لاتخاذ خطوتين الأولى عسكرية بتوجه القوات المسلحة السودانية، نحو مسارح العدوان (الجبان) على المدنيين والآمنين لوقف هذه الفوضى، ثم خطوة ثانية سياسية تتمثل في فضح أفعال الحركة الشعبية المشينة على مستوى لجنة الوسطاء ومجلس السلم والأمن الأفريقي، ومجلس الأمن الدولي، مع الضغط على مساندي الحركة الشعبية (شمال) أو أولئك الذين يغضون الطرف عن ممارساتها وعدوانها، بأن يعتبروا الجيش الشعبي والحركة الشعبية شمال منظمة إرهابية تهدد أمن السودان.. والأمن الإقليمي.