مادة (التحلل) بين الأصل الفقهي وعيوب التطبيق
المستشار القانوني: أسامة صالح علي رحمة
أغفل الكثيرون من معارضي المادة (١٣) من قانون الثراء الحرام والمشبوه اقتفاء المشرِّع السوداني لأثر الفقه الإسلامي في التحلل، أسوة بغيره من المشرعين العرب، وسند القائلين بجواز التحلل شرعا قوله تعالى :- (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ).
واعتبر الكثير من الشُرَّاح أن قياس جرائم المال العام والمشبوه والربا من جرائم الفساد التي تضر بالمجتمع، ومن ثم جاء التحلل في حق من أتى طواعية واختياراً قبل علم ولي الأمر. ويرى القائلون بجواز التحلل من فقهاء القانون أن هذا المختلس ما كان معلوماً أمره، وأن هذه الجريمة ما كان أصلاً ستكتشف لولا إتيانه بالمال طواعية واختياراً، لذلك يرون أنه من الحكمة والمصلحة العامة تقنين التحلل في حق الأموال غير المعلومة للسلطات بدواعي مصلحة الجماعة. والمشرِّع السوداني وافق الفقه الإسلامي في ضرورة اشتراط التحلل قبل فتح الدعوى الجنائية، لأن الدولة بعد فتح الدعوى الجنائية لها من التشريعات ما تسترد به الأموال من قبض وحبس وحجز بالتفصيلات المنصوص عليها في القوانين الإجرائية، ولعل ما أثار الجدل واللغط حول فقه التحلل في بلادنا العيوب التي شابت التطبيق وتقاطعات السياسة والقانون بتطبيقه بعد علم السلطات بتبرير ضعف البينة في مواجهة المختلس، وبإدعاء آخرين بعدم وجود أصل للتحلل في الفقه الإسلامي بردات فعل التطبيق الخاطئ للنص ومبرراته.والفقه الإسلامي اختلف في مسألة رد المال الحرام أو المشبوه على قولين :- يرى الأول أن الربح يتبع رأس المال ولا يتبع الجهد المبذول إذا أخذ بغير إذن مالكه، وليس لأخذه منه شيء، وهذا قول أبي حنيفة وأحمد في ظاهر المذهب وابن حزم. أما الرأي الثاني فيرى أن الربح يتبع الجهد المبذول لا رأس المال، وعليه يكون الربح الناشئ من استثمار المال الحرام للأخذ وليس لرب المال، وبهذا الرأي قال المالكية والشافعية مستدلين بقوله صلى الله عليه وسلم (الخراج بالضمان) الذي رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه ابن القطان، وبهذا الرأي أخذ المشرِّع السوداني في الفقرة الثانية، من المادة (١٣) من قانون الثراء الحرام والمشبوه،
ولعل معيب هذا النص اعتبار تمام التحلل برد أصل المال موضوع الثراء الحرام أو المشبوه، حيث اقتصر التحلل على أصل المال فقط دون الربح!! وفي تقديري أن هذه الفقرة التي اعتورت القانون ينبغي تعديلها والتشدد فيها وفقاً لرأي الحنفية والحنابلة القائل بأن الربح يتبع رأس المال ولا يتبع الجهد المبذول، إذا أخذ بغير إذن مالكه، وبالتالي يتم التحلل برد المال الحرام أو المشبوه، وأرباحه دون انتقاص، وذلك استصحاباً للتضخم وقيمة العملة واستشراء وتفشي ظاهرة الاعتداء على المال العام بالسودان، كما ينبغي التقيد بالتطبيق الصحيح للنص بمراعاة وجوبية شرط رد المال الحرام أو المشبوه طوعاً واختياراً قبل فتح الدعوى الجنائية حتى لا يكون النص مطية لإفلات الجاني من العقوبة وإعانة لغيره على السرقة، لأنه لا معنى للتحلل بعد علم السلطات بالجريمة واكتشافها أو القبض على المختلس، لأن التحلل يكون شرعاً في حق من تاب طواعية واختياراً قبل أن يعرف، وصفة التحلل تنتفي شرعاً بعلم السلطات أو ولي الأمر.