"قطبي المهدي" في قراءة للأحداث السياسية لــ(المجهر)
موقف الحكومة في علاقاتها مع الجنوب سليم والحركة الشعبية خذلت “علي عثمان”
أتوقع انضمام “المهدي” للحوار.. والطريق أمام الحركات المسلحة أصبح مسدوداً
“ترمب” لن يتراجع عن قرارات سلفه “أوباما” ولهجته الخطابية مجرد مزايدة
حوار ـــ محمد جمال قندول
ثمة الكثير من المتغيرات السياسية التي توالت على الخرطوم مؤخراً، ما بين تحول مفاجئ للأفضل بعلاقاتها الخارجية، مروراً بالتغييرات التي نتجت جراء الحوار الوطني ومؤخراً رفع العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة على البلاد من قبل أمريكا في واحدة من أطول سلاسل الحصار الاقتصادي، هذا بجانب حال الحزب الحاكم المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية والعلاقات مع مصر، وكذلك العلاقة مع الجنوب وكيفية قراءة المشهد السياسي في ظل عودة “الصادق المهدي” وانتظار إعلان حكومة الوفاق الوطني وشغل منصب رئيس الوزراء والكثير من المحاور التي تثير التساؤلات وضعناها على طاولة القيادي الإسلامي الشهير وأحد أعمدة النظام في التسعينيات د. “قطبي المهدي”، خلال الحوار التالي، وكان حريصاً على الإجابة عنها بشفافية وموضوعية.. وفيما يلي نص الحوار..
{ بداية.. ماذا تقول عن عودة رئيس حزب الأمة القومي “الصادق المهدي” بعد غياب دام ثلاثة أعوام عن البلاد؟
ـــ هي عودة مهمة جداً بعد أن ترك نشاطه مع الحركات المسلحة ورجع للبلد، واختار في وقت سابق الانضمام إلى جبهة المعارضة الخارجية، والآن داخل البلاد يعلن بملء الفم أنه ضد العمل المسلح، وهذه نقطة تحول كبيرة ودعم لعملية الحوار والسلام حتى لو لم ينضم.. وأعتقد أن الإمام في الفترة التي قضاها بالخارج اقتنع بأن وجوده بالداخل أهم، خاصة في ظل التحولات الكثيرة على غرار عدم دعم المجتمع الدولي للمعارضة الخارجية ودعمه للحوار الداخلي، وهو في نظري قرأ ذلك قراءة صحيحة، خاصة وأن الطريق أصبح مسدوداً أمام العمل الخارجي.
{ هل تتوقع انضمامه إلى الحوار؟
ـــ أتوقع ذلك، فهو– “المهدي”- مؤمن بالحوار وشارك فيه منذ البداية، لكن يبدو أن الحوار لم يمض بالصورة التي توقعها، وبالتالي خرج.. ومجرد رجوعه الآن يعني أنه لم يعد يؤمن بالعمل المسلح، حتى لو بقي معارضاً، والمعارضة الخارجية ليس أمامها خيار آخر غير الحوار.. والأحزاب التي شاركت بالحوار أحزاب معارضة. وكونه معارضاً بالداخل أيضاً هو باب من أبواب المشاركة بالحوار.
{ كيف تقرأ حال الجبهة الثورية أو الحركات المسلحة في ظل المتغيرات التي طرأت على المعادلة السياسية مؤخراً؟
ـــ أعتقد أن الطريق أمامها أصبح مسدوداً لأنها أصلاً قامت على خدمة أجندة خارجية واستعانت بهذه الأجندة، ولم يكن لها أية قضية داخلية، وبالتالي مع تحول الموقف الخارجي إذا نشطت الحكومة في استغلال الفرص المتاحة يصبح دعم الجنوب لها غير وراد، وكذلك دعم أوروبا وأمريكا وإسرائيل، ويبقى الطريق أمامها مسدوداً، والناس في المناطق التي تنشأ بها هذه الحركات مجرد رهائن وغير داعمين، وبالتالي فقدوا الدعم الجماهيري بالداخل، وكذلك الدعم الخارجي.
{ كيف تنظر إلى الفترة التي انقضت حتى الآن من حكم “ترمب” لأمريكا؟
ــــ أعتقد أن كل الكلام الذي يقوله “ترمب” واللهجة الخطابية مجرد مزايدة على المواقف الأمريكية، وعلى المواقف العدائية المعروفة التي كانت أصلاً سارية بالمنطق، وبالتالي كثير من الأشياء التي يقولها لن تتحقق وستجد معارضة داخلية في أمريكا وستفشل وإن أصر. والمعارضة في أمريكا وأوروبا لسياساته أصبحت واضحة، لما اتخذه من إجراءات عدائية غير مسبوقة ولا تشرف أي أمريكي، وربما لا يجد تأييداً إلا في الدوائر الإسرائيلية.
{ هل بالإمكان أن يتراجع عن قرارات سلفه “أوباما” برفع العقوبات عن السودان؟
ـــ حسب التقارير الإعلامية، قال إنه لم يكن مقتنعاً حتى بالمقاطعة المفروضة على السودان، وأن توضع عقبات أمام المصالح الأمريكية بكل العالم. وحديثه أنه لا يريد أن يورط أمريكا في تدخلات وحروب لا مصلحة لها فيها كلها مؤشرات تصب في إطار أن رفع العقوبات لن يتعرض لأي تغيير من قبل الرئيس الأمريكي “ترمب”.
{ كيف تتوقع حكومة الوفاق الوطني المرتقب إعلانها في الشهر الجاري؟
ـــ دي واحدة من مخرجات الحوار وحولها اتفاق، لكن أعتقد أنه يجب الحرص على الأسماء التي ستضمن في المناصب بأن تكون على قدر عالٍ من الكفاءة والمعايير، خاصة وأن المحاصصات تأتي بحكومات ضعيفة والحكومة الجديدة ستستوعب تمثيلاً عريضاً.
{ منصب رئيس الوزراء كيف تنظر إليه خاصة مع إصرار (الوطني) على الظفر به باعتباره حزب الأغلبية؟
ـــ نتيجة للفشل والإحباطات أصبحنا نجرب ونشك في المسميات والهياكل، والمشكلة ليست في تعيين رئيس الوزراء من عدمه. لكن النظام المجرب حالياً هو أقرب للنظام الأمريكي، وهو ناجح في بلدان كثيرة في العالم، ولكننا فشلنا في تطبيقه.
{ إذن ما هي المشكلة في نظرك؟
ــ المشكلة هي عدم اعترافنا بضعفنا وفشلنا كسودانيين.. وبالتالي دائماً نلوم “السيستم”، والمطلوب من الحكومة الجديدة تطبيق جاد للسياسات ومحاربة الفساد ووضع الأجندة الوطنية بكل وضوح أمامها من إصلاح التعليم والاقتصاد والنظام الإداري وزيادة الإنتاج، وانتخاب الكفاءات الوطنية القادرة التي تخاطب المشاكل بدلاً عن التمثيل السياسي لإرضاء المجموعات.
{ من تتوقع رئيساً للوزراء؟
ـــ كل ما أعرفه أن المؤتمر الوطني حريص على ـن يكون المنصب من نصيبه، وبالتالي لا أستطيع تحديد شخص معين.
{ لماذا لا يكون شخصية قومية؟
ـــ بالإمكان.. وأعتقد أن الرئيس الآن توجهه قومي إلى حد كبير وإذا وجدت شخصية قومية برضا الجميع ستكون مناسبة إذا توفرت لديها الأمانة والكفاءة وإجادة التعامل مع جميع ألوان الطيف السياسي بمن في ذلك رئيس الجمهورية.
{ قراءتك للعلاقة مع الجنوب في ظل ما يجري من تحولات سياسية؟
ــــ العلاقة مع الجنوب موقف الحكومة تجاهها سليم، بأن لا تتدخل في شؤونه الداخلية وإن تدخلت يكون لمصلحة الدولة والشعب الجنوبي، وكنا من البداية حريصين أن الانفصال، وإن كنت ضده، يكون سياسياً، وتظل الروابط الاقتصادية والأمنية والاجتماعية في توافق تام. وهو الخط الذي يمضي إلى الأمام ويحتاج إلى تعزيز أكثر.
{ حتى الآن وبالرغم من وعوده المتكررة فإن الجنوب فعلياً لم يطرد الحركات المسلحة السودانية من داخل أراضيه.. ما رأيك؟
ـــ مشروع السودان الجديد كان قائماً على أن الحركة الشعبية يجب أن تستولي على كل السودان الجديد، وليس الانفصال، وتحويله إلى دولة غير عربية وغير إسلامية، كان ذلك هو الذي تدعو له الحركة وبالتالي في مرحلة ما شعروا أن الهدف يتحقق في المستقبل القريب والأفضل أن يفصلوا الجنوب، لان التعبئة كانت داخل قوات الحركة ضد الشمال وخضعوا لهذا وفصلوا الجنوب على أمل أن يكونوا قاعدة لتحرير الشمال، وبالتالي رفضوا أن يسحبوا قواتهم من الشمال، وظل “عرمان” ومجموعته يعملون لهذا الهدف من داخل الشمال، وما لم تتخل الحركة عن هذا الفهم وترضى بالجنوب سيظل التوتر قائماً بين الشمال والجنوب.
{ بعض المراقبين يحمل النائب الأول الأسبق “علي عثمان” مسؤولية انفصال الجنوب؟
ــ أعتقد أن اتفاقية “نيفاشا” عرضت على المكتب القيادي بالوطني وأجازها وأيضاً على المجلس الوطني، وعرضت على مجلس الوزراء وبالتالي لا يمكن تحميلها لشخص واحد. ونعم، “علي عثمان” كان له دور، لكن حقيقة خذله ناس الحركة الشعبية.. وكان الاتفاق أن يسعوا جميعا للوحدة، وموجود في نص الاتفاقية الخطأ الذي وقعت فيه الحكومة وهو عدم وجود ضمانات للوحدة في حين أن “جون قرنق” وضع كل الضمانات، وأصبح هنالك ضامنون من دول “إيقاد” والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية. ونحن للأسف اعتمدنا حينها على حسن النية، وبالتالي غدرت بنا الحركة الشعبية، واتجهت نحو الانفصال، والمسؤولية تتحملها كل هذه الجهات وحتى المعارضة نفسها.
{ ما تقييمك لعلاقات السودان ومصر في ظل بعض التوتر الذي ينشأ من وقت لآخر ويكون الإعلام المصري سبباً فيه؟
ـــ الإعلام يعبر عن مواقف وليس معزولاً عن الموقف المصري.. عموماً، صحيح نشأت علاقة تواصل بين الرئيسين وكما هو واضح الآن في اجتماعهما الأخير بأديس أبابا، لكن النظرة المصرية هي أن السودان جزء من مصر، وأن لا يعامل كدولة مستقلة، وفي الفترة الأخيرة استطاعت الدبلوماسية السودانية أن تتحقق تقدماً في العلاقات الخارجية دون المرور عبر القاهرة، واستاء المصريون وبدأ يظهر ذلك في الإعلام.. وأيضاً إذا ظلت هذه النظرة قائمة ستكون مشكلة، والكثير من المصريين لا يقبلون هذا، وقد تكون سمعت من قبل بمطالبة بعضهم بإعادة حكم السودان.
{ كيف تنظر إلى حال الحزب الحاكم (المؤتمر الوطني)؟
ـــ المؤتمر الوطني لا يزال بالنسبة لمواقفه المعلنة مواقف جيدة ووطنية وإسلامية، وفي التطبيق هو بعيد عن هذه المواقف، والناس يقدرون العقبات التي تواجه المؤتمر من سياسيات الدولة.. أعتقد أن الوطني يحتاج قدرات سياسية عالية حتى يستطيع حل مشاكل السودان والالتزام بمبادئه في نفس الوقت.
{ هنالك اتهام للحركة الإسلامية بأنها ابتعدت عن الناس؟
ـــ الحركة الإسلامية اسم كبير، وتوجد مجموعات كثيرة تعمل من أجل الإسلام بالسودان.. لكن الحركة التي تقصدها اختارت الحركة الإسلامية.. هذا التنظيم هو في حالة حيرة كاملة عن دوره في هذه المرحلة، ولا أرى له تأثيراً واضحاً، ولا أعتقد أن الحركة الإسلامية تلعب نفس الدور. هنالك بعض الجهود المخلصة التي يقوم بها الأمين العام الشيخ “الزبير”، لكن على المستوي العام لا ألمح لها تأثيراً. وأعتقد أنها في حالة من الارتباك عن دورها فيما يتعلق بدور الحكومة والمؤتمر الوطني. وفي نظري لم يستطيعوا تقسيم الأدوار بشكل جيد، خاصة وأن كل عضو بالحركة هو عضو بالوطني. وأحياناً يكون هنالك تداخل وتواكل في المهام. وهو ما يسبب بعض الارتباك والإحباط داخل عضوية الحركة مما أثر على عضويتها ونشاطها في الأحياء والقطاعات المختلفة.
{ هل تعتقد أن الحكومة قدمت تنازلات لرفع العقوبات الاقتصادية؟
ـــ لابد أن يكون هذا وارد. وإذا كنت تحاور دولة عظمى لابد أن يكون هنالك أخذ ورد وتنازل هنا وهناك.. وشيء طبيعي أن تكون هنالك تنازلات قُدمت.
{ ما بين الحين والآخر تخرج أحاديث وتتداول بكثافة عن تطبيع للعلاقات مع إسرائيل في مستقبل السنوات.. ما تعليقك؟
ـــ الأمريكان ظلوا ينادون بهذا لفترة طويلة. ولأني سابقاً كنت موجود بالدولة والخارجية والأمن الخارجي والمستشارية السياسية، كنت مطلعاً على كثير من جوانب الحوار الذي جرى بيننا وبين الأمريكان. وفي ندوة في مركز الإنتاج الإعلامي شرحت هذه الأشياء، وطلع الكلام في الصحف والإعلام مختلف عما ذكرته. لكن بصراحة المطلوبات الخمسة التي طرحها الأمريكان كلها تحصيل حاصل وأشياء لا قيمة لها إذا ما قورنت بالحصار الخانق الذي فرض على البلاد، وليس فيها قضايا.. وأمريكا تعلم تمام العلم أنه لا وجود لجيش الرب وأن السودان دولة متعاونة في العمل ضد الإرهاب.
{ هل تلمس للمعارضة دوراً أو تأثيراً على أرض الواقع؟
ـــ المعارضة بالفهم الديمقراطي لا توجد.. نعم، هنالك ناشطون مخربون في تقديري، لكن معارضة جادة وتعترف بالدولة وتقدم آراء إيجابية غير موجودة.
{ قوى “نداء السودان”؟
ــ هنالك بعض العناصر لا أتهمها بأي شيء، لكن لم ألحظ لديها شيء تقدمه، وليس لديها أطروحات لمواجهة ما تطرحه الحكومة والمؤتمر الوطني، ويحسب لها أنها وصلت حتى خارطة الطريق. وكنت أتوقع أن يخاطب الحوار الوطني أزمات تطحن الوطن والمواطن، وهذه الأزمات لم تجد لا من الحكومة ولا من المعارضة صدقاً أو إيجابيات حقيقية.
{ قوى الإجماع الوطني؟
ـــ دي انتهت.. وحتى “نداء السودان” خرج منها، وليس لها أي دور أو شيء تقدمه، تتحدث فقط عن إسقاط النظام ولا تشكل نفسها أصلاً كبديل، فهي مشغولة بعداءاتٍ مع الحكومة.