إلى متى يظل الاتحادي الأصل باهت الأداء؟
صلاح الباشا
من غرائب السياسة السودانية عبر تاريخها الطويل والممتد منذ العام 1945م أن الحزب الاتحادي بكل مسمياته عبر مسيرته خلال عقود طويلة من الزمان ثم تشتته إلى عدة أحزاب اتحادية.. إلى أن انتهى المطاف بجسم الحزب الكبير ليتخذ له اسماً بتعديل طفيف وهو الاتحادي الديمقراطي الأصل بزعامة السيد “محمد عثمان الميرغني”، الذي واجه معارضة مسؤولة وجادة وشرسة أيضاً ظلت تعارض فكرة أن يشترك الحزب في الحكومة، باعتبار أن المشاركة وبحجمها الضئيل والمتناهي في الصغر لن تضيف شيئاً للإنقاذ ولن تستطيع نقلها إلى مربع الديمقراطية التي ينادي بها الحزب طوال سنوات معارضته ورئاسته للتجمع الوطني الديمقراطي لعقدين من الزمان.
وكان من المتوقع أن يستفيد الحزب من نتائج عدم جدوى المشاركة الأولى.. ويعيد النظر في الأمر قبل الدخول في المشاركة الثانية التي أعقبت انتخابات العام 2015م.. وكان من الأجدى أن تبذل قيادة الحزب جهودها لقيام مؤتمراتها القاعدية حتى تتمكن من بعث الأمل في قواعدها وكوادرها المنتشرة في السودان الواسع من أجل خلق كيان قوى وفعال وواثق من نفسه من أجل بناء واستقرار الوطن مثلما حدث في العام 1954م، حين كان الاتحادي هو صمام أمان البلاد ,الذي حقق استقلالها مع رصيفه حزب الأمة في ذلك الزمان.
غير أن هذا التفكير لم يدر بخلد رئاسة اللجنة التي أوكل لها السيد رئيس الحزب الإشراف على قيام المؤتمر العام.. فاهتموا بمسألة المشاركة الجديدة بالحكم في العام 2015م ضاربين عرض الحائط بما أوكل لهم من مهام في بناء الحزب، واستعجلوا خطوات المشاركة الثانية، ما أدى إلى الزيادة في معدل تدمير حيوية الحزب، بل قرروا فصل معارضي فكرة المشاركة، فلم تجد قراراتهم تلك الدعم والتأييد من كوادر الحزب ولا من قواعده التي قاطعت الانتخابات تماماً.. وقد اهتموا أيضاً بإطلاق صفات غريبة ودخيلة على أدب السياسة السودانية ضد قيادات الاتحادي المحترمة جداً وذلك عبر الصحافة فازداد معدل الانفضاض من حول الحزب المختطف حينذاك، فتجمدت أوصاله حتى اللحظة، حيث يجري التفكير في إعادة بناء الحزب من جديد وفقاً لتفعيل قيام المؤتمرات لأن بلادنا تحتاج إلى وجود قوى الوسط العريض لحماية الوطن والعمل على استقراره والحفاظ على وجوده وموارده من رومانسيات المراهقة السياسية غير المسؤولة.
وما يزيد من حيرة جماهير هذا الحزب الذي كان عملاقاً وهو حزب الوسط العريض الذي يمثل السودان المتجدد المفاهيم، كيف للحزب أن يعيد بناء نفسه.. ولماذا ماتت فكرة قيام المؤتمر العام.. بل لماذا اتجهت قيادة الحزب تارة أخرى نحو فتح مفاوضات مع المؤتمر الوطني لخلق محاصصة جديدة في السلطة لن تعمل على حل مشكلة الحرب والسلام.. خاصة وأن السلام حُددت له خارطة طريق أفريقية بسند دولي يتناقش حولها المؤتمر الوطني مع قطاع الشمال ويسنده جهد الإمام “الصادق المهدي” باعتبار أنهم المدعومون من المجتمع الدولي.
لذلك.. يجب أن تفكر اللجنة التي قام السيد رئيس الاتحادي الأصل بتكوينها مؤخراً بتركيز جهودها لبناء الحزب بدلاً عن إضاعة الزمن في حوارات مع المؤتمر الوطني الذي بات لا يحترم إلا الكيانات السياسية القوية والمسلحة، باعتبار أن بقية أحزاب الشراكة لا تأثير لها ولا قدرات سياسية أو جماهيرية تسندها.
وقد كانت استقبالات الإمام “الصادق المهدي” عند عودته بالأمس القريب إلى الخرطوم قد أكدت ترابط حزبه وقوة شكيمته ووحدته برغم أن الإعلام الرسمي قد أدار ظهره لعودته. لذلك فمن الأفضل للحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل أن يعيد النظر كرتين إلى مسألة الالتفات لبناء الحزب وإقناع قيادته بالاستفادة من أخطاء الماضي العديدة.
فإلى متى يظل أداء هذا الحزب باهتاً.. وهو الحزب الذي كان يهز أركان البلاد في كل تحركاته الجماهيرية التي كان يقوم بها حتى وقت قريب قبل أن تضربه شراهة الشراكة في مقتل.. فلا هو حافظ على قوته ولا المؤتمر الوطني استفاد من شراكته.
فلم تعد الجماهير الاتحادية الصامدة تحفل بلجان لا تقترب من نبض الجماهير، ولا تلتحم وتتحسس رغبات شباب الحزب وحركته الطلابية التي ما انفكت تقود حركة النضال اليومي من أجل تحقيق مطلوبات الجماهير، وقد توحدت لجانها بعيداً عن قيادات الحزب الموسمية.. ولا تزال المعتقلات تحفل بأعداد من الناشطين الاتحاديين من عنصر الشباب.
فمن مصلحة الإنقاذ بعيدة المدى أن يكون هناك حزب وسط كالاتحادي الأصل يحفظ وحدة البلاد وأمنها واستقرارها.. ومن مصلحة الاتحادي الأصل أن يلمّ شمله ويبعد الإقصائيين عن طريق مسيرته وأن يكون الحزب صارماً في هذا الاتجاه وبلا مجاملة.