رأي

بعد ومسافة

العودة إلى سنار الجريمة!
مصطفى أبو العزائم

هناك أكثر من (سنار) فهناك (سنار المحطة) وهي المعروفة في خارطة السكة الحديد.. بـ(سنار التقاطع) وهناك (سنار المدينة) أو (سنار القديمة) التي نشأت على الضفة الغربية للنيل الأزرق، وتبعد عن خزان سنار حوالي تسعة كيلو مترات، تزيد أو تنقص قليلاً، وأحياؤها عديدة نحسب أنها تتجاوز العشرة، منها (حي السوق) و(حي العمال) و(الحلة التحت) وهو حي حمل أكثر من اسم مثل (فريق النص) أو (حي المدارس) وهناك أحياء أخرى، يعيش فيها الموظفون والعمال والمزارعون والحرفيون الذين جاءوا إليها من كل أنحاء السودان فأصبحوا يشكلون هجيناً متميزاً يقوم على قاعدة التنوع الإثني والعرقي ليشكل إنسان سنار الحالي، القائم على إرث عظيم لهذه المدينة العظيمة التي ظلت عاصمة للسلطنة الزرقاء منذ تأسيسها وحتى أفول نجمها تحت سنابك جيوش التركية السابقة في 1821م، وكانت ولا زالت، ونسأل الله أن تظل هذه المدينة العظيمة أحد أكبر المراكز التجارية في بلادنا، ونسأله تعالى أن تنتعش مجدداً بانتعاش سكك حديد السودان.
شاعرنا الكبير الراحل “محمد عبد الحي” – رحمه الله – له قصيدة خلَّدت وقد حملت اسم، “العودة إلى سنار” يقول في بعض أبياتها – إن أسعفتني الذاكرة – يقول:
سأعود اليوم، يا سنار..
حيث الرمز خيط
من بريق أسود بين الذرى والسفح والغابة والصحراء والثمر الناضج والجذر القديم.
وهي قصيدة جميلة ورائعة أضحت معلماً شعرياً للمدينة التي أنجبت الكثيرين من الرموز في مختلف مجالات الحياة، ومن بينهم الشيخ “فرح ود تكتوك” حلال المشبوك، والدكتور “محمد عبد الحي” و”نبيل غالي” و”أحمد الحاج المعزل” و”مصطفى ود المأمور” و”سامي الحاج” مصور الجزيرة الذي اعتقل في “غوانتنامو” “ومبارك الصادق” و”الشافعي شيخ إدريس” وغيرهم، وغيرهم.
مدينة بذلك الرواء والتميز والسيرة البهية فجعت قبل أيام قليلة بجريمة قتل بشعة، كانت صدمة لكل من أطلع على تفاصيلها، وقد راح ضحيتها الدكتور “مبارك آدم عربي” – رحمه الله – إثر تلقيه عدة طعنات وقطع في شرايين إحدى يديه مما جعل عملية إسعافه شبه مستحيلة، وأدت تلك الطعنات الغادرة إلى وفاته، ففقدنا طبيباً مختصاً في الجلدية والتناسلية، وفقدنا في ذات الوقت أستاذاً بكلية طب جامعة سنار، وسبب الجريمة، مثلما جاء في اعترافات المتهم، وتصريحات لمقربين من الطبيب القتيل، يعود إلى أن القاتل كان يعالج من ضعف جنسي مع عدم الإنجاب، وقد بدأ يتردد على الطبيب القتيل عدة مرات، ولكن لم يطرأ عليه أي تحسن، وإنه في آخر زيارة له قبل ارتكاب الجريمة وبعد إعطائه بعض العلاجات سأل المريض طبيبه، ماذا يفعل إذا لم تتحسن حالته، فكان رد الطبيب أن هذا هو آخر ما يمكن أن يعطى له، فكان أن لم تتحسن حالة المريض، فجاء يوم الحادث وسجل نفسه بالرقم (27) وعندما حان دوره، دخل لمقابلة الطبيب، وأغلق الباب وراءه لتقع الجريمة.
قرأت لأحد الأطباء وهو استشاري جراحة مسالك بولية، أنه يقابل يومياً أكثر من مريض يعاني من مشكلة إنجاب، أو من برود جنسي، أو سرعة في القذف، وأنه يجد دائماً صعوبة في إقناع الزوج بأن عدم الإنجاب ناتج عنه، وذلك لأن كثير من الرجال يعتبرون ذلك انتقاصاً لرجولته، ويرون أنهم طالما يمارسون حياتهم الزوجية بصورة طبيعية يرون أنهم قادرون على الإنجاب.
استهداف الأطباء أمر خطير، وسيقود إلى ما لا تحمد عقباه، وهو بداية لفتنة كبرى، لذلك علينا أن نقوم بمسؤولياتنا على أكمل وجه بالتوعية وضرورة الكشف والفحص المبكر قبل الزواج، حول القدرة على الإنجاب أو العكس، لأن الذي يحدث الآن من فحص هو للأمراض المعدية جنسياً، ولأمراض الوراثة فقط، وليس لأمراض الذكورة والعقم، علماً بأن المقدرة على الإنجاب هي جزء من الفحص العام، وفحص السائل المنوي للرجل لا يستغرق أكثر من خمس دقائق بقيمة لا تتجاوز الخمسين جنيهاً، حسبما علمت من بعض الأطباء والمختصين، وهذا إن تم سوف يحد من آلام كثيرة نفسية ومجتمعية قد تواجه الزوجين في مقبل أيامها، ولكن هذا لن يتم إلا بحملات مكثفة للتوعية من خلال الصحافة والإعلام والمنابر الدعوية في دور العبادة، ومن خلال المقررات في مراحل التعليم العام.
نعزي أنفسنا، ونعزي سنار وأهلها ونعزي كل أطباء السودان في هذا الفقد الكبير، ونسأل الله أن يتقبله القبول الحسن ويدخله فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية