الطريق إلى إسرائيل..(2-2)
المعاملة القاسية القائمة على التمييز العنصري أسوأ مايواجه المهاجرين
الدولة العبرية تعيد اللاجئين الى بلدانهم في مخالفة للقانون الدولي
تحقيق: رشان أوشي
ما سأرويه هنا.. ليست قصة خيالية، أو فيلم جاسوسية تبثه السينما، أو رواية أبطالها من نسج خيال الكاتب، ما سيتم عرضه، بكل قسوته، ومآسيه.. أمر واقع، معاش، وحقيقة كالشمس التي تشرق يومياً من المشرق وتغيب من المغيب، شباب سودانيون، في مقتبل العمر، عصفت بهم الحياة وأحلام رغد العيش إلى عبور الحد الفاصل في مخيلة كل شرق أوسطي وعربي، عبروا خط “بارليف”.. وصحراء سينا، متجهين إلى إسرائيل، نعم، إسرائيل الدولة العبرية، التي يحمل جواز السفر السوداني عبارة توضح ماهية التفكير والنظرة صوبها: “كل الأقطار ماعدا إسرائيل”.
أحلام بددتها المعاناة
يواجه المهاجرين إلى مدن إسرائيل أوضاع صعبة، خاصة في فترات هجرتهم الأولى، وأهم ما يواجههم هو المعاملة القاسية ذات التمييز العنصري خاصة في بعض المناطق التي يقطنها اليهود البيض، حيث تندر فرص عمل مناسبة أو معاملة جيدة، ويقيم المئات من هؤلاء المهاجرين في قرى طرفية، خاصة تلك التي تقع في مناطق عرب 1948م، حيث يحظون بشيء من المعاملة الجيدة، والتعاطف مع ظروف هجرتهم.
أعمال هامشية
نسبة للظروف الاقتصادية التي تعيشها الدولة العبرية، حيث تضيق فرص العمل بالمواطنين المحليين ناهيك عن المهاجرين، فإن القادمين لأرض الميعاد بحسب ما يصفها أهلها، يكدون في البحث عن فرص عمل لإعانتهم على الحياة في مقر إقامتهم الجديد، خاصة وأن القوانين الإسرائيلية لا تتسق مع القوانين الدولية الخاصة باللاجئين، والتي تقتضي توفير مبلغ شهري لإعانة اللاجئين، وتوفير فرص دراسة لهم، ولكن ما يحدث في إسرائيل خلاف ذلك، ففي أغلب الأحيان تضطر الدولة لإعادة اللاجئين إلى بلادهم في مخالفة صريحة للقوانين الدولية التي تمنع إعادة اللاجئين، بحسب إفادات “محمد أتيم النور”، الثلاثيني المقيم بتلابيب في إفاداته لـ(المجهر السياسي)، ويضيف:” رغم المعاملة القاسية التي تعرضنا لها في أيام هجرتنا الأولى، إلا أنها أفضل مما كنا نعانيه في بلادنا”، ويردف:” لم نستطع الحصول على فرص عمل في أيام هجرتنا الأولى، ولم يكن المتاح أمامنا سوى العمل في مجالات الزراعة والبناء والخدمات والأعمال المؤقتة”.
ويشاركه الحديث المهاجر ” عبدالله ريد”، خريج أحد أعرق الجامعات السودانية، كلية الهندسة المدنية، الذي ظل يحلم بالهجرة بعيداً عن السودان طيلة سنوات الدراسة، حيث حاول عدة مرات السفر إلى أوربا، ولكن لم يحالفه الحظ، حتى أقنعه قريبه الذي هاجر إلى إسرائيل عبر سيناء، وقرر “ريد” بعدها اللحاق به عسى ولعل تتحسن الظروف. يؤكد “ريد” بأن منطقته التي يعيش فيها وهي قرية تبعد (48) كيلو متراً، عن تلابيب، وحدها تأوي ما يقارب المائتين مهاجر سوداني، وأن عدد المهاجرين في السنوات الأخيرة بلغ نحو عشرة الآلاف مهاجر سوداني إلى إسرائيل.
ويمضي في حديثه:” الأجور تتفاوت بين عشرين دولاراً، إلى خمسين دولاراً، في اليوم، مقابل العمل لعشر ساعات يومياً، في الأعمال الشاقة، نقل مواد البناء، وفلاحة الأرض، والحصاد، ينفق منها المهاجر ما يكفي لقوته وسكنه، ويرسل البقية لعائلته التي تنتظره في السودان.
الجواسيس
نسبة للأوضاع الصعبة التي يعيشها المهاجرون في مدن إسرائيل وقراها، واستحالة العودة من جديد إلى موطنهم الأصلي، وصعوبة الهجرة إلى أوربا أو أمريكا من الدولة العبرية، وضيق فرص العمل، يضطر بعض المهاجرين للعمل لدى جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شاباك)، بحسب إفادات (أ.ع) الذي فضَّل حجب اسمه، في إفاداته لـ(لمجهر السياسي)، مضيفاً :” حالة من انعدام الثقة تسيطر على مستوى علاقات المهاجرين ببعضهم البعض، فالجميع يشكون في الجميع، تندر العلاقات الاجتماعية الحميمة كتلك التي نلاحظها بين السودانيين في المهجر، فانتشار روايات مثل التي تشير إلى استخدام الأمن الإسرائيلي لعدد من المهاجرين في جمع معلومات عن أنشطة رفاقهم، وتحركاتهم، وعلاقاتهم واتصالاتهم، أصبحت تثير الرعب لدى البقية، وبالتالي لا يتعامل المهاجر مع رفيقه بالثقة الكافية، ولذلك يندر التواصل بين السودانيين”.
مواقف رسمية
لم تغفل الدولة عن قضية هجرة السودانيين إلى إسرائيل، بل أصدر جهاز المغتربين إحصائية رسمية للمهاجرين، وكشف تقرير له بأن عدد السودانيين الذين هاجروا إلى إسرائيل بطريقة غير شرعية بلغ (10) آلاف شخص، ربعهم من دارفور وأغلبيتهم من وسط وشمال السودان، وأكد الأمين العام لجهاز تنظيم شؤون العاملين بالخارج، “كرار التهامي”، ارتفاع أعداد السودانيين المهاجرين بطريقة غير شرعية، وأغلبيتهم من الشباب، مشيراً إلى أن الجهاز سينشئ سجلاً إحصائياً للمهاجرين، وأشار “التهامي” إلى أن قانون “الاتجار بالبشر” يحتاج إلى التطبيق والحماية، مضيفاً: إن التقرير السنوي العالمي صنَّف السودان في الدرجة الثالثة، وأكد أن البلاد أصبحت معبراً ومصدراً للهجرة غير الشرعية، كاشفاً عن أن أكثر من ألف سوداني تسللوا إلى إسرائيل، وتمت إعادتهم إلى بلدهم سراً في الشهور الأخيرة، عن طريق دولة ثالثة دون علم الأمم المتحدة التي ترفض إعادة اللاجئين إلى بلدانهم، وتعتبره جريمة في حق المهاجرين الذين كانوا يقبعون في السجون.
عبرانيون
في ذات الوقت الذي ترفض فيه إسرائيل استقبال اللاجئين، وفقاً للأعراف الدولية، إلا أنها سعت إلى تجنيس بعضاً منهم، ومنحهم جوازات سفر إسرائيلية، وهو الأمر الذي استغربه كثير من المهاجرين، حيث قال وزير الداخلية الإسرائيلي آنذاك، “مئير شطريت” : إن إسرائيل منحت مئات اللاجئين السودانيين المقيمين حالياً داخل إسرائيل الجنسية الإسرائيلية وحق الإقامة الدائمة.
ونقلت صحيفة “هآرتس” عن الوزير “شطريت” قوله خلال حفل أقيم بمناسبة بداية الأعياد اليهودية إنه بحث الأمر مع رئيس الوزراء بهدف بلورة خطة تحدد عدد اللاجئين الذين سيحظون بالجنسية الإسرائيلية، وذلك بالتنسيق مع الأمم المتحدة، مؤكداً أن الداخلية الإسرائيلية قد بدأت بالعمل على فحص تفاصيل كل لاجئ من هؤلاء.
ضغوط
بينما قالت منظمة “هيومان رايتس ووتش”: إن الضغط الإسرائيلي أدى إلى إقناع المئات من السودانيين بمغادرة إسرائيل، وقالت منظمة الخط الساخن للعمال المهاجرين، وهي منظمة غير حكومية إسرائيلية، إنه إذا أعادت إسرائيل أي شخص إلى مكان تكون حياته أو حريته مهددة وفي خطر، فإن هذه الإعادة تعد مخالفة للقانون الدولي الذي يحظر الإعادة القسرية، حيثما يكون هناك خطر داهم. وتحتجز إسرائيل بحسب “هيومان رايتس ووتش” أكثر من ألفي مواطن من دول أفريقية في مركزي احتجاز قرب الحدود مع مصر، بينهم (600) سوداني. وقالت منظمة الخط الساخن للعمال المهاجرين إنها قابلت نحو ألف اريتري وسوداني، محتجزين في الشهور الأخيرة، ووثقت ترحيل المئات من المواطنين السودانيين المحتجزين منذ 11 ديسمبر، بعد أن رفضت السلطات تسجيل طلباتهم باللجوء، وهددت باحتجازهم ثلاث سنوات أو لأجل غير مسمى.