حوارات

الأمين العام لهيئة شؤون الأنصار الأستاذ "عبد المحمود أبو" في إفادات جريئة لـ (المجهر) (2-2)

الرجم  قضية جدلية بين الفقهاء قديماً وحديثاً ولا يمكن حسمها في حوار صحفي
بكل أسف ما قالته “ميركل” عن اختلاف المسلمين صحيح
هنالك انحراف في الفكر لأن رسالة الإسلام ليست عقوبات وتفجيرات وسفك الدماء
الحكومة اتبعت نهج المستعمر في التعامل مع الأئمة والدعاة ولم تدرجهم في السلم الوظيفي
حوار – وليد النور
{  مجلس الوزراء عدَّل مادة الرجم في القانون الجنائي إلى الشنق للزاني المحصن وأثارت جدلاً فقهياً في الأوساط القانونية.. هل مادة الرجم لم ترد في القرآن ولا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم؟.
نعم، هذه قضية جدلية، لا يمكن حسمها في حوار صحفي وهي قضية قديمة بين الفقهاء حول مشروعية الرجم، هل ورد في القرآن الكريم أم لم يرد لذلك؟ حدث خلاف بين الفقهاء قديماً وحديثاً الذين يعتبرون الرجم عقوبة حدية. ذكروا أن الرسول صلى الله عليه وسلم رجم “الغامدية” وبعده سيدنا “عمر بن الخطاب” رجم والذين لا يقرون بعقوبة الرجم، يقولون: إن مثل هذه العقوبة القاسية ينبغي أن ترد في نص محكم في القرآن الكريم أو حديث متواتر، لكن وروده في حديث آحاد يؤدي إلى ضعف الحجة، ثم حدث الخلاف، هل شكل الرجم الذي حدث باستعمال الحجارة هو مقصود بذاته أو مقصود لإزهاق النفس؟.
{ما هو الخلاف بين مجمع الفقه ووزارة العدل؟.
الخلاف الذي حدث بين مجمع الفقه ووزارة العدل، لأن الوزارة ترى أن المقصود هو فقط إزهاق النفس الإنسانية بأي وسيلة كانت، وموضوع الرجم ليس مقصوداً لذاته، المهم هي قضية جدلية في حاجة لبحث وحوار ونقاش ومقاربة حتى يتوصل الناس إلى حكم يحفظ للإسلام خصوصيته ويحفظ للمجتمع انضباطه .
{ عبارة نطقتها المستشارة الألمانية “ميركل” قالت: الصينيون لهم (180) إلهاً ورباً، أما المسلمين لهم آله واحد وكتاب واحد، ولكنهم يقتلون بعضهم القاتل يقول الله أكبر والمقتول يقول الله أكبر؟.
بكل أسف ما قالته “ميركل” عبارة صحيحة، مأخوذة من تصرفات بعض المسلمين اليوم، لأن هنالك انحراف في الفكر الإسلامي عند هؤلاء مع القرآن، بينما الرسول صلى الله عليه وسلم جاء بالرحمة، وأن الكفر قضية شخصية، حتى الجهاد لم يفرض لقتال الكفار من أجل عقيدتهم، لكن فرض من أجل رد العدوان والانحراف الذي حدث في عقيدة هؤلاء المتطرفين أنهم حوَّلوا دين الرحمة إلى دين قسوة، وحاولوا معاقبة الناس على عقائدهم في هذه الدنيا، مع أن الله هو الذي يتولى أمر هذه العقائد. القرآن تحدث عن أن المسلمين مطالبون بأن لا يسبوا مقدسات غير المسلمين، لأنها منحرفة.
{ هل هنالك أزمة في التعامل مع تفسير القرآن الكريم؟.
 هنالك أزمة، نحن في حاجة لإعادة قراءة القرآن، وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، بمنهج يبيِّن لنا ما هو الواجب الشرعي المطلوب منا القيام به؟، وما هي المقاصد الشرعية من هذه الرسالة الخاتمة؟ هي رسالة عدل ورحمة ومساواة وتكريم للإنسان، ليست رسالة عقوبات وتفجيرات وسفك دماء، هذه أبداً ليست مقاصد الدين. الأزمة هي أزمة انحراف في الفكر عند هؤلاء الذين يرفعون شعارات الجهاد والدولة الإسلامية في سبيل هذه الشعارات يزهقون أرواح المسلمين، مع أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان مكرماً، والرسول صلى الله عليه وسلم تحدث في أكثر من موقف أن حرمة الإنسان أعظم عند الله من حرمة الكعبة المشرفة، فهي أزمة فكر وسلوك تحتاج إلى إعادة النظر في قراءة هذا الدين حتى يتوصل هؤلاء المنحرفون إلى منهج صحيح يربط ما بين النصوص الشرعية والمقاصد وما بين رسالة الإنسان في هذه الحياة.
{ بعض أئمة المساجد يكفرون بعض المسلمين خاصة الطرق الصوفية ؟. 
نعم، بكل أسف المنهج الذي تتبعه هذه المجموعات هو الذي يؤدي إلى هذه النتائج، مع أن أطفالنا يعرفون أن قواعد الإسلام خمسة: الشهادة والصيام والصلاة والزكاة والحج. الإنسان الذي أقر بها مسلم بعد ذلك الاختلاف في التصورات والعقائد والمفاهيم لا تكفِّر الإنسان، ولكن بكل أسف كثير من الناس تشبعوا بأفكار فيها هذا القصور وهذا الانحراف، بالتالي حاولوا أن ينشروا هذه السموم في المجتمعات، والتكفير حكم شرعي لا يثبت إلا بأمر قضائي يعني من لديه اعتقاد أن فلاناً هذا كافر يرفع الدعوة ويأتي بالأدلة ويسمح للمتهم بشرح موقفه بعد ذلك يصدر الحكم، لكن مجرد الاختلاف في الرأي والاجتهاد لا يؤدي إلى الكفر، بل الرسول صلى الله عليه وسلم يحذَّر من رمى أخاه بالكفر، فقد باء به أحدهما. فقهاؤنا قديماً يعرفون أن الإمام “علي” قال: من قال كلمة تقبل الكفر من (99) وجه، وتقبل الإسلام من وجه واحد، أخذنا بها، فهؤلاء الذين يطلقون التكفير على الناس جزافاً في تقديري يفتقرون إلى القواعد الأصولية والمنهج الفقهي الصحيح ويفتقرون إلى المنهج الدعوي الذي يقوم على الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وهذا يتعارض تماماً مع مقاصد الشريعة ومنهج الرسول صلى الله عليه وسلم الذي جاء لينقذ الناس من الظلمات إلى النور وينشر الرحمة والتسامح بينهم.
{ هنالك من المسلمين من يرمي باللائمة على استخبارات الدول الغربية في انتشار الفكر التكفيري ؟.
هذه طبعاً عقلية المؤامرة، أي تصرف حتى لو داخل البيت وراءه يهودي، وهذه اعتقد عقلية غير صحيحة، ولكن أي إنسان يعرف المجتمعات الغربية ومناهجها هي ليست مشغولة، ولكن هنالك مؤسسات أو دوائر لديها مصلحة في الضرر الواقع على المسلمين، ولكن (90%) من الأخطاء التي وقعنا فيها من عند أنفسنا، (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُم) ، نحن في حاجة لنقد ذاتي يبيِّن أوجه القصور بداخلنا ولا نتهم الآخرين جزافاً، والآن أصبحت هنالك شماعة الشيطان، الإنسان يرتكب الخطأ متعمداً، ويقول: الشيطان أغواني الإنسان يتخذ سياسات خاطئة تؤدي إلى نتائج مدمرة، يقول إنها مؤامرة غربية، هذا غير صحيح، أنت مطالب أن تحاسب نفسك وتتبصر، والله سبحانه وتعالى  بيَّن في القرآن، لن ترضى عنك اليهود، هذا مفهوم، ولكن أنت مطالب ألا تقف عند هذا الحد وتقول كل ما أصابك هو مؤامرة من الدول الغربية.
{ يوجد حالياً آلاف المسلمين يعيشون في الغرب؟. 
والدول الغربية الآن، نحن نجد كثيراً من المسلمين يجدون قهراً في بلدانهم ويهربون ويجدون المأوى عند هذه الدول الغربية، بدافع إنساني بحت ليس هنالك أي سبب آخر يستقبلونهم ويهيئون لهم الظروف لممارسة حياتهم وشعائرهم بكل سهولة، لذلك يجب أن نترك نظرية المؤامرة هذه وأن نلتفت إلى النقد الذاتي حتى نستطيع أن نصحح مسيرتنا، وإلا سنكون في تراجع حتى نسقط في الهاوية.
{ كثير من العلماء يصفون ضنك  الحياة بسبب عدم طاعة الله؟.
طبعاً لو أخذنا هذا المقياس لكانت  الدول الغربية هي من أكثر الدول بؤساً في الحياة، هذا غير صحيح، أن هنالك سوء في إدارة الموارد في الدولة، النعم الموجودة في السودان، المياه الأراضي المسطحة الحيوانات خير كثير، ولكن الإدارة السيئة هي التي أدت إلى هذا، والقرآن أشار (وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ)، بدل أن نسخَّر جهودنا لدعم الزراعة من حيث المدخلات الزراعية ومن حيث تحسين بيئة الزراعة وإيجاد فرص للتصنيع الزراعي وتحويل هذه المواد الخام إلى مواد أخرى من حيث التسويق الخارجي، يعني هنالك مهام كثيرة يمكن أن تقوم بها الدولة في إدارة الاقتصادي، لكن للأسف سوء الإدارة هو الذي أدى لضنك العيش، وأصبحت  معظم الأموال بدلاً أن تنفق في إعلاء من كرامة الإنسان من حيث الصحة ومن حيث المأوى والتعليم معظم موارد البلاد تنفق من أجل المحافظة على كرسي الحكم، وهذا هو السبب ولو أخذ الناس الله بما كسبوا ما ترك عليها من دابة، الله بيَّن أنه لا يحاسب الناس في الدنيا على أخطائهم، ولكن الحساب في الآخرة، فلا نرجع البؤس الذي نعيشه والحياة لهذه النصوص المنتزعة، لأن نفس هؤلاء الناس عندما يصابون بمثل هذه الأشياء يقولون إنها امتحان لذلك ينبغي للإنسان أن يكون منصفاً وصادقاً وما يحدث الآن لبلداننا هو سوء تخطيط وعلينا أن نغيِّر ما بأنفسنا.
{ تعاني بعض مساجد الخرطوم من  ضعف الأئمة في الفقه لا سيما أن الأئمة غير مدرجين في الخدمة المدنية ولا يتقاضون أجراً كافياً؟.
بكل أسف الدولة السودانية تتبعت خطى الدولة الاستعمارية خطوة  بخطوة، بالتالي أهملت هذا الجانب المتعلق بالدعاة والأئمة وتركتهم للجان المساجد لتنفق عليهم، وهم ليس لديهم أي وصف وظيفي، ويعطون إعانات شكلية، الصحيح مهمة إمام المسجد والداعية لا تقل عن مهمة الجندي ولا القاضي ولا المعلم، نحن مجتمع محتاج إلى إشباع روحي ومادي وثقافي وفكري وصحة بدنية، هؤلاء الأئمة هم الذين يقومون بهذا الدور، والمجتمع يعطي الإمام كل جوارحه وحواسه، وعندما يخطب الإمام كل الناس يستمعون له بأدب، المطلوب أن الدولة تراجع سياساتها وتدخل هؤلاء الأئمة ضمن الموظفين في الدولة، لأنهم يقومون بدور كبير في إصلاح المجتمع، ولا يمكن أن يتركوا هكذا بدون تأهيل ودعوة وهم  في حاجة أولاً للتأهيل بصورة جيدة ،حتى يؤدوا رسالتهم بصورة تؤدي إلى إصلاح المجتمع، وفي نفس الوقت توفر لهم الدولة سبل المعيشة، ونحن نتحدث عن أننا دولة إسلامية، ومعروف أن من واجب الحاكم في الدولة الإسلامية حراسة الدين،  ولا تكون بالقانون، ولكن بهؤلاء الأئمة الذين يرشدون المجتمع.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية