وزير الموارد المائية الأسبق رئيس الجهاز الفني للموارد المائية بروفيسور "سيف الدين حمد" لـ(المجهر)
قانون المياه دخل حيز التنفيذ ويعتبر الآن المرجعية وقد أحدث طفرة بعد أن عالج بعض نقاط النزاع
السودان كان قد أجاز القانون ولكنه لم يوقع عليه وهو سارٍ ونحن ملزمون به
حصة السودان من مياه النيل تساوي الإيراد السنوي لنهر كولورادو في الولايات المتحدة والذي يبلغ دخله السنوي (1.4) تريليون دولار.
المياه لو أديرت بشكل جيد فإنها ستكون سبباً للتعاون أكثر من الحروب
حاورته برواندا – رقية أبو شوك
المياه … وحرب المياه يمكن أن تؤثر تأثيراً كبيراً على العمليات التنموية وأن تكون سبباً أساسياً في النزاع والحروب بين الدول، خاصة إذا كانت هنالك أطماع مائية والتي ربما تتطور لخلق الفتن وإشعال الحروب.
فالتنمية هي أساس للأمن والاستقرار وهي المحرك الرئيسي لإحداث التنمية … فالسودان حباه الله بكميات كبيرة من المياه عبر النيل وذلك بخلاف مياه الأودية التي تنتشر في الكثير من مناطق السودان … فحصة السودان التي تقدر بحوالي (20.5) مليار متر مكعب تساوي في الوقت نفسه الإيراد السنوي لنهر كلورادو في الولايات المتحدة الأمريكية والذي يبلغ دخله السنوي (1.4) تريليون دولار، من الكهرباء والسياحة والزراعة والنقل النهري، الأمر الذي يؤكد أن السودان لم يستفد الاستفادة القصوى من المياه.
(المجهر) انتهزت فرصة مشاركة وزير الموارد المائية الأسبق رئيس الجهاز الفني للموارد المائية بروفيسور “سيف الدين حمد” كمشارك رئيسي في الدورة التدريبية التي أقامتها دول مبادرة حوض النيل للصحفيين بالعاصمة الرواندية “كيغالي”، والتي قدم خلالها محاضرة بعنوان (حوض النيل…الفرص والتحديات) … انتهزت الفرصة وأجرت معه حواراً تناول خلاله تأثير المياه على التنمية وإمكانية استفادة السودان من المياه، وكيف يمكن أن تكون المياه سبباً للتعاون بين دول الحوض وتأثير السياسات الدولية على المياه إلى جانب موضوعات أخرى….
فماذا قال ؟؟؟
{بروفيسور “سيف” هل يمكن أن تؤثر حرب المياه على التنمية؟
-طبعاً أي حرب تؤثر على التنمية، لأن الدولة غير المستقرة لا تستطيع عمل تنمية وهذه مثل (البيضة والحجر)، فالدولة لا تكون آمنة إذا لم تكن بها تنمية فـ”ماكنامارا” الذي كان وزيراً للدفاع الأمريكي أيام “ايزنهاور” في الخمسينيات، وأصبح رئيساً للبنك الدولي وهو مختص في الأمن. فقد سألوه ذات مرة عن ماذا يعني مفهوم الأمن؟؟ فقال: (الأمن ليس القوة العسكرية وإن كان يتضمنها.. ولكن الأمن هو التنمية ولا يمكن أن تظل الدولة آمنة بدون تنمية) .. وأنا شخصياً أضفت لهذه المقولة أن التنمية تعتمد على المياه وهذا يربط لنا الأمن بالمياه لأن أية تنمية حتى تُحقق طفرة اقتصادية لابد أن تكون المياه هي الجزء الأساسي فيها .. ففي العام 2013م اتفق الخبراء في الأسبوع العالمي للمياه في “ستوكهولم” أن المياه ليست قطاعاً، وإنما هي رابط يربط كل القطاعات.
{ من ناحية فنية هل تعتقد أن المياه السودانية كافية لإحداث تنمية؟
-نعم، السودان لديه إمكانيات كبيرة في المياه وحصتنا من النيل هي 20.5 مليار وهي تساوي الإيراد السنوي لنهر كولورادو في الولايات المتحدة والدخل السنوي لهذا النهر 1.4 تريليون دولار في السنة، نحن قبل أشهر كنا في أمريكا وُأخبرنا أن دخل هذه النهر 1.4 تريليون أي ما يعادل 1400 مليار دولار .. نحن أيضاً لدينا (120) وادياً كبيراً و(350) وادياً صغيراً …فهذه الأودية خارج النيل بالإضافة إلى المياه الجوفية المشتركة مع (6) من دول الجوار وأخرى غير مشتركة، الموارد موجودة ولكنها لا تقدم البلد وإنما يقدمها البشر … فالبشر هم الذين يحققون التنمية، لذلك يفترض أن تقاس الحكومات بالتنمية البشرية وبكادر يقود الدولة ويستفيد من الموارد.
{ هنالك قراءات جديدة تحذر من أن السودان سيكون بلداً غير صالح للحياة بسبب التصحر والحروب؟
-أعتقد أن السودانيين من أفضل البشر في العالم ولكن كيف يمكن استغلال هذه القوة البشرية، فتوظيف البشر هو علم قائم بذاته، ومن الأهمية معرفة كيف توظف الخبرات في كل مؤسسة، بمعنى أن يكون الشخص المناسب في المكان المناسب، إدارة الموارد البشرية علم كبير جداً.
{ يعني موضوع القراءات غير صحيح؟
-نعم ليس صحيحاً.
{دعنا نسألك عن مدى تأثير السياسات الدولية على المياه؟
-طبعاً، قانون المياه دخل حيز التنفيذ في أغسطس 2014 هو أساساً كان تقنيناً للقانون العرفي وأفتكر أن هذا هو القانون الوحيد الآن الذي دخل حيز التنفيذ ومعترف به دولياً، وحكمت به محكمة العدل الدولية وتم على ضوئه تعديل بروتوكول دول السادك (دول أفريقيا الجنوبية) و(الإطار المؤسسي والقانوني لدول حوض النيل) و(اتفاقية نهر الميكونغ )، وتمت الاستفادة منه في بعض الأنهر العالمية ويعتبر الآن المرجعية ويسري على كل الدول المصادقة عليه أو الأخرى، وأنا شخصياً أعتقد أنه أحدث نقلة كبيرة وعالج بعض نقاط النزاع وفصلها تفصيلاً جيداً، حيث يمكن أن تتم معالجة موضوع البيئة والاتفاقيات القائمة والمحور الأساسي للقانون هو الاستغلال المنصف والمعقول، وأيضاً هو تشجيع للتعاون وللأسف أن السودان كان أجاز القانون ولكن لظروفه السياسية لم يُوقّع ولم يصادق عليه. وعلى كل حال هو قانون سارٍ ونحن ملزمون به.
{ كيف تقيِّم التعاون بين دول مبادرة حوض النيل؟
– كل التعاون الذي تم في حوض النيل من مشروع الهايدروميت (67 19-92 19ومشروع التيكونايل من (1992 ـ 1998م)، ومبادرة حوض النيل من 1999 إلى الآن ورئاستها في يوغندا بمدينة “عنتبي”.
فالمبادرة لديها أذرعان قسمت لحوضين حسب التقسيم الجغرافي، هنالك جزء وهو المنابع من الهضبة الإثيوبية أطلق عليه النيل الشرقي ويضم السودان ومصر وإثيوبيا وجنوب السودان، والحوض الجنوبي أو الاستوائي ورئاسته في “كيجالي” بدولة رواندا ويضم كل الدول الباقية كلها بالإضافة إلى السودان ومصر وإثيوبيا وجنوب السودان، ونحن في السودان نتأثر بالحوضين.
{ هل هنالك لجان مشتركة بين دول المبادرة؟
-المبادرة تتكون من اللجنة الفنية الاستشارية وتضم عضوين من كل لجنة وهنالك اللجنة الوزارية ممثل فيها وزير الموارد المائية من كل دولة، بعد ذلك هنالك نقاط الاتصال للمبادرة وكل مشروع به لجان مشتركة مثلاً السوباط هو مشترك بين إثيوبيا والسودان.
{ بالنسبة لقناة جونقلي ما جدواها واحتمال إنشاء المشروع وما أثر ذلك على مياه النيل؟
-أنا أقول لك: الفكرة من قناة جونقلي أساساً أن المياه تخرج من بحيرة فكتوريا وبها 23 نهراً جميعها (تصب) في بحيرة فكتوريا منها الكاجيرا… هذه الأنهر تمد البحيرة بـ (18) مليار و(نص) وتسقط في بحيرة فكتوريا 100 مليار من الأمطار تتبخر منها (94.5)، الباقي مضاف إلى 18,5 تساوي 23.5 مليار فهذه تخرج من بحيرة فكتوريا ثم تأتي إلى بحيرة كيوجا …فالروافد تأتي بـ 3 مليارات والتبخر 4 مليارات، ما يعني أن النهر يفقد ملياراً في بحيرة كيوجا تأتي بعدها بحيرة البرت وهي في الحدود بين الكنغو ويوغندا، الروافد تأتي بـ6.4 وتتبخر 2.4 يعني إضافة 4 تصبح 26.5، بعد ذلك تضاف إليها 8 مليارات من ألبرت وحتى نمولي.
ونحن الآن نتحدث عن 34 ملياراً هذه تدخل جنوب السودان و19 ملياراً تضيع بين منقلا وهي شمال جوبا وبين ملكال، الفكرة كانت أن يستخرج 4 -5 مليارات على الأقل تقلل الغرق في الجنوب بحيث يكون هناك مسار من بور يذهب إلى ملكال، وهذه تحمل 4-5 مليارات فمعظم الأراضي الزراعية بالجنوب غرقانة ولا يستطيعون زراعتها بمعنى لا يستطيعون الزراعة ولا يستطيعون إحداث تنمية .. هذه هي الفكرة من قناة جونقلي والتي بها فائدة مشتركة للثلاث دول جنوب السودان، السودان ومصر.
نحن حسب اتفاقية 59 19 أية مياه نتقاسمها مناصفة بيننا وقبل هذا بدأ المشروع في79 19وتوقف في83 19بسبب الحرب، تم حفر 270 كيلو من 360 وتوقف بسبب الحرب.
{ هل هنالك احتمال لقيامها ؟
-طبعاً تعقد موضوع المستنقعات بسبب اتفاقية رامشار وموضوع البيئة ولم يكن يأخذ حيزاً والآن أصبح موضوع البيئة يأخذ حيزاً كبيراً.
ثانياً: التعقيدات الموجودة في الجنوب بسبب الظروف السياسية والاجتماعية ونحن قررنا ألا نسعى في هذا الموضوع إلا بطلب من دولة جنوب السودان، لأنهم هم المستفيدون الأوائل من قيام قناة جونقلي، لأن قيامها سيؤدي إلى إحداث تنمية به كإقامة المدارس والكباري والمستشفيات وخلافه.
{ ما هي استفادة السودان من مشروع جونقلي؟
-السودان يستفيد من 2 -2.5 مليار وحسب الاتفاقية أن تُقسم المياه التي تتوفر بسبب القناة مناصفة والتكلفة مناصفة مثلاً لو وفرنا من 4-6 مليارات متراً مكعباً يكون نصيب مصر من 2-3 ونحن أيضاً من 2-3 لكن نحن نفكر مستقبلاً (وهذا هو تفكيري الشخصي)، أن ندخل الجنوب في هذه القسمة بتوسيعها، بحيث يأخذ السودان ثلثاً والجنوب ثلثاً ومصر ثلثاً، فهذه يمكن أن توفر مياهاً لجنوب السودان للمئة عام القادمة إذا قمنا بتوزيع القناة لتستوعب 7.5- 9 مليار متراً مكعباً.
{ ما طبيعة الخلاف بين كينيا وإثيوبيا بسبب قيام سد على نهر أومي ؟
-كان هنالك نهر اسمه (أومي جبي) … هذا النهر ينبع من إثيوبيا ويصب في كينيا في بحيرة تركانا وهو تقريباً ثلث النيل الأزرق وإيراده 16.6 ملياراً، إثيوبيا لديها خطة لعمل خمسة سدود والآن عملوا ثلاثة سدود، السد الأول أومي جبي ويولد 184 ميقاواط والثاني يولد 420 ميقاواط والثالث يولد 1870 ميقاواط، والشركة التي شيدته هي ساليني الايطالية وهي نفس الشركة التي تعمل الآن في سد النهضة، وهو أعلى من سد النهضة بـ 100 متر بمعنى أن ارتفاعه (243) متراً والآن بدأ التوليد فيه،
فبحيرة تركانا تعتبر بحيرة مشتركة بين الدولتين، وهنالك جهات عالمية أثبتت أن هذه السدود لن تؤثر على كينيا والآن هذا الموضوع تم حسمه وكينيا قامت بشراء (550) ميقاواط من الكهرباء.
{ هل صحيح أنه يهدد إقليم تركانا؟
-لا لا طبعاً هذا الإقليم حدث فيه نزاع وذهبوا به إلى محاكم دولية وقالت لا يوجد ضرر.
{ هنالك توقعات بأن الحرب القادمة هي حرب مياه إلى أي مدى تجاوزنا هذا ؟
-أنا شخصياً أعتقد أن المياه سبب للتعاون أكثر من الحروب وهذا يعتمد على إدارتها لو أديرت بفهم جيد، يمكن أن يتحول موضوع النزاع إلى تعاون والمياه منحة ربانية وموضوع للتكامل وليس للشقاق.
{ بما أنك خبير مائي هل تعتقد أن التعاون الآن مرض؟
-نحن دائماً نسعى لأن يكون التعاون أفضل وأعتقد أنه حصلت طفرة كبيرة في التعاون مقارنة بالتسعينيات ومبادرة حوض النيل جاءت برؤية متقدمة في العالم، اقتسام المنافع بدلاً من اقتسام المياه واستطاعت إزالة فتيل النزاع الأساسي، حيث كانت دول الحوض تطالب بحصص من المياه ،والآن لا أحد يتحدث عن حصص . وأعتقد هذا تحول كبير في الأفكار من النزاع إلى التفاهم والتفاكر في كيفية الاستفادة من المياه في الطاقة والزراعة والملاحة والسياحة وخلافه، وكل الحديث كان عن الاستفادة من المياه ونطمع أن يزداد هذا التعاون ويصبح شاملاً.
الآن وجود مصر خارج نطاق التعاون وهي المستفيدة الأكبر من مياه النيل أثر على مسيرة التعاون، وهنالك أضرار وقعت على مصر ولدول حوض النيل بسبب تجميد مصر للتعاون .
{ هل تعتقد أن هنالك رضاء تام عن تقاسم المنافع بدلاً من اقتسام المياه ؟
-بالضبط أعتقد هنالك رضاء تام عن موضوع تقاسم المنافع الذي تم الاتفاق عليه وأفتكر هذا تحول كبير وطفرة في الفهم المشترك لموضوع التعاون، وكل الفترات من الخمسينيات إلى التسعينيات كان الناس يتحدثون عن كيفية اقتسام المياه، الآن لا يوجد حديث عن موضوع اقتسام المياه أعتقد هنالك رضاء وهنالك قاعدة صلبة للتعاون وهذه تساعد مستقبلاً في موضوع دفع التعاون لتحقيق المصلحة المشتركة .
{ ما هو تقييمك للورشة التي نفذت للصحفيين؟
-أنا أعتقد أن هذه الورشة كانت متميزة جداً بحيث أنها عالجت مجموعة من المواضيع المهمة وهذا مهم جداً من بينها تم الشرح بالتفصيل لموضوع هيدرولوجية نهر النيل، وطبعاً معظم الكتابات التي نشرت في الصحف في السابق عن موضوع تحليل كميات المياه وأثرها في كل دولة والأمطار والإطماء والنهر والتبخر وكل الأشياء المتعلقة بهيدرولوجية المياه كانت غير دقيقة، وأعتقد تم شرح كافٍ من المحاضرين وتعرضوا للنواحي الفنية الخاصة بنهر النيل وروافده وهو يحتوي على عدة روافد مشتركة بين الدول، وقد قمنا خلال أيام الدورة التدريبية بزيارة لنهر كاجيرا وهذا النهر مشترك بين أربع دول ويعتبر أكبر نهر في بحيرة فكتوريا وهو مشترك بين رواندا وبورندي وتنزانيا ويوغندا، المحور الآخر تم التركيز في النقاش على موضوع التعاون وتم التفصيل ولم يتم التركيز فقط على التعاون في نهر النيل بل على عدة أنهر دولية من ناحية قانونية وفنية ودبلوماسية، وأيضاً تم التعرض لما يمكن أن يحدث في حالة عدم التعاون وأعتقد في اليومين الأولين دار الحديث عن هذا الأمر، وكان هناك توضيح بصورة دقيقة عن الفرص المتاحة للتعاون والمخاطر الموجودة في النيل والفرص المتاحة فيه وهذه تحدثت عنها بالتفصيل والمخاطر التي يمكن أن تحدث في حالة عدم التعاون. الموضوع الثالث تم أيضاً الحديث عن كيفية نقل هذه الأخبار الفنية والتعاونية بصورة دقيقة، وأعتقد كان هناك حوار جاد من الإخوة الصحفيين ومن الأشياء المهمة تلاقح الأفكار بين الأشخاص، وكانت هنالك حوارات جانبية بين المهندسين والخبراء والإعلاميين وبين نقاط الاتصال، وهذه أفتكرها مهمة جداً.