العلاقة الغامضة بين الخرطوم والرئيس المصري محمد مرسي!
اللوحة الرمادية على بساط النظام الإخواني في مصر وحكومة البشير ذات الطابع الإسلامي، تتراءى أمام الناظر كطيف شاحب في الفضاء يكسر الأحلام الوردية، التي كانت تراهن على قيام علاقة على درجة عالية من التجانس والتنسيق المشترك بين نظامي الأيديولوجية الواحدة في الخرطوم والقاهرة بعد فوز حزب الحرية والعدالة في الانتخابات الرئاسية المصرية الأخيرة.
كان المأمول على جدول الحسابات الطبيعية، أن يهرع الرئيس المصري الجديد محمد مرسي على جناح السرعة للتفاكر مع الخرطوم حول الهموم الثنائية والقضايا الوجدانية، وبذات القدر توقع البعض قيام حراك كثيف من قبل حكومة البشير صوب القاهرة، مدفوعاً بالعشم والرجاء والتفاؤل والمودة المرتقبة حيال إخوان الطريق! غير أن مشهد التباعد والحذر بين الطرفين كان هائماً على الأجواء.. لم تكن هنالك إشارات أزمة على السطح، وأيضاً لم يلح قدر من الحميمية المتوقعة!!
فالعلاقة بين الخرطوم وحكومة الرئيس المصري محمد مرسي في الظرف الراهن تجسد انكسار الضوء على سطح جبل مظلم، حين يكون المشهد عصياً على التحديق والتدقيق من زاوية الإدراك المحسوس والرؤية الشفافة! فما الذي جرى؟ ولماذا هذا الغموض والمربعات السحرية بين الخرطوم والرئيس محمد مرسي؟
في الإطار، هنالك تحديات كثيرة تواجه الحكم الإخواني في مصر حيث توجد الأزمة الاقتصادية الطاحنة، فضلاً عن قضية التوافق أمام الكماشة الأمريكية ومسألة المواءمة الواقعية لاتفاقية كامب ديفيد والملف الإسرائيلي، وأيضاً شكل التعامل في وجه الخيار الصعب في المجال الاجتماعي والاقتصادي مثل السياحة والسينما والملف القبطي!! وكيف تتفهم السلطة الجديدة مسألة الموروثات المصرية العريقة المجافية للتعصب الديني الدوغمائي!
وفي السياق، توجد مشاكل وتحديات مماثلة أمام حكومة البشير، فالنظام يحارب على جبهات عديدة في الداخل، وما زال الغرب وأمريكا ينظران إلى السلطة الحاكمة في الخرطوم على أنها تساند الإرهاب وتقتل المدنيين الأبرياء، بل رئيس الجمهورية مطلوب أمام العدالة الدولية، علاوة على الأوضاع الحياتية المزرية والاحتقان الواسع مع المعارضة!
ومن هنا، قد تكون التحديات والخطوب المشتركة من عوامل الجفاء والتباعد بين نظامي البشير ومرسي، في حين هنالك من يعتقد بأن تلك المعطيات كان يتوجب أن تكون من أسباب التلاحم بين الخرطوم والقاهرة بدلاً عن الصورة المقلوبة!
على الصعيد نفسه، قد تكون هنالك أرتال من الهواجس والظنون والآراء السالبة المتبادلة بين الطرفين، فالشاهد على ذمة بعض المراقبين أن الرئيس مرسي يعتقد بأن تجربة الحكم في السودان مليئة بالعديد من الأخطاء والمثالب والتجاوزات، وأن النظام لم يتطور بالشكل اللائق أمام طوفان الألفية الثالثة وعصر اكتشافات الفضاء!! في حين هنالك من يرى أن نظام البشير لديه العديد من الملاحظات على الحكم الإخواني في مصر، فهو يتخوف من إمكانية انزلاق الرئيس مرسي في المستقبل نحو التجربة التركية، خصوصاً في ظل وجود المجلس العسكري في المسرح السياسي المصري!! بل ترى الخرطوم أن الملف الأمني في مصر بعيد عن السلطة الإخوانية، وهي لا تحبذ ذلك.. بل من المآخذ الأساسية على حكومة الرئيس مرسي، تتوقع الخرطوم قيام صفقة سياسية في المستقبل بين الحكومة المصرية وأمريكا، قد يكون ضمن أبعادها التأثير السالب على برنامج الخرطوم حيال التفاهمات مع إدارة الرئيس أوباما!
في ثنايا الصورة المقطعية، ظلت قبضة المخابرات المصرية تدير ملف العلاقات بين الخرطوم والقاهرة منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وحتى الآن!
كان دور المخابرات المصرية في الخرطوم سياسياً واجتماعياً ومعلوماتياً.. كان في أذهان السودانيين القنصل حاتم باشات الذي لبس العمامة السودانية وانداح في عالم الفنون والشعر وراهن على البعد الشعبي حتى سار على دربه القنصل محمد فوزي.
ولا يستطيع أي مراقب إنكار مساهمة القنصل أيمن علي بديع في ترضية الخواطر بين الشماليين والجنوبيين قبل الانفصال.
في هذا الظرف الحساس، يوجد القنصل معتز مصطفى ونائبه محمد عبد المحسن وأمامهما تحديات صعبة! فالعلاقة بين الخرطوم والقاهرة الآن يكسوها الغموض والهواجس، لكن التوقعات واردة على كل الاحتمالات!!
الصلة الأزلية بين مصر والسودان تمر بمنعطف دقيق على إيقاع فريد، مشدود بحبل المصالح والتوازن والنكهة العصرية!!