حول العصيان.. نجح أم لا ؟!
من يقول ويكتب مؤكداً أن (العصيان المدني) نجح، بلا شك ينطلق من موقف سياسي معارض للنظام، وموقف عاطفي ينطوي على مشاعر غبن وغل تجاه الحاكمين وفعالهم، أما الذين يؤكدون فشل العصيان (مائة بالمائة) فإنهم من عينة (كلو تمام سيادتك).. وهؤلاء أشار إليهم الرئيس ” البشير ” ذات مرة، قائلاً: (ما عايزين الجماعة بتاعين كلو تمام سيادتك).. أو كما قال.
بالطبع الاعتصام لم ينجح لسبب بسيط جداً، هو أنه لم تنقطع خدمة واحدة من الخدمات الأساسية أو غير الأساسية التي ظل يتلقاها المواطن ويعتمد عليها في تفاصيل حياته اليومية قبل الاعتصام.
هل انقطعت الكهرباء عن البيوت ومواقع العمل والخدمات ؟ الإجابة : لم تنقطع.
هل انقطعت خدمات المياه ؟
لم تنقطع.
هل توقفت المواصلات ؟
لا.. لم تتوقف.. بالعكس الحافلات خلال اليومين الماضيين كانت تصطف بالمئات في المواقف ولا تجد كثيرين لتحملهم كما هو المعتاد، وهذا تأكيد على أن الاعتصام كان محدوداً بانقطاع الآلاف عن الخروج من بيوتهم، وهذه حقيقة لابد من تأكيدها.. لتأكيد الشفافية في التقييم والتحليل، ولكنهم في ذات الوقت غير مؤثرين على المواقع الحيوية ومفاتيح الخدمات في الدولة.
ظللت أكتب كثيراً عقب عطلات الأعياد وانقضاء شهر رمضان المعظم متسائلاً: أين يذهب مئات الآلاف من المواطنين الذين كانوا يزحمون شوارع وكباري الخرطوم قبل عيدي الفطر والأضحية، ثم أين يختفي الناس في نهارات (ثلاثين) يوماً من شهر رمضان، ليظهروا فقط ليلاً في شارع النيل؟.
وكنت وما زلت متعجباً أن كل الخدمات تظل مستمرة وبإيقاع أسرع في غياب الذين كانوا يسدون الطرقات والمنافذ.. هل كانوا جميعاً بلا عمل.. أو يمتهنون أعمالاً هامشية.. ربما..!!
لكن الحقيقة أننا كنا مرتاحين من الزحام !! وقد عبَّر عن ذلك ذلك أحد نشطاء ” الواتساب” بعد انقضاء عطلة عيد الأضحية الماضي بيومين أو ثلاثة وهو يصوِّر شارع الجامعة بكاميرا الموبايل، ويردد : (يا جماعة دا شارع الجامعة.. فاااااضي.. مافي زول.. دا وزارة كدا.. مافي زول ..شايفين هنا مافي زول .. عليكم الله يا ناس الأقاليم ما تجونا راجعين.. خليكم هناك .. قلتوا ناس الخرطوم مقطعين ولحم رأس .. طيب خلونا في خرطومنا دي.. نحنا لحم راس ..راضين ..عليكم الله ما تجوا)!!.
المشهد خلال يومي الاعتصام كان أقرب في بعض مناطق الخرطوم وشوارعها إلى فترة ما (بعد العيدين).. لكنه لا يرقى لهدوء نهارات رمضان القائظة.
المهم الاعتصام نجح بنسبة لا تتجاوز في حساباتي (20-30%)، ولكن لسوء حظ المعارضة أنه محصور في قطاعات غير مؤثرة في دولاب الدولة بقطاعيها الحكومي والخاص، و يتركز في أوساط الشباب وغالبيتهم من غير العاملين لا في الحكومة ولا في الشركات الخاصة.. وهنا تتضح آثار نظرية (التمكين) التي عمل بها الإسلاميون طيلة الـ (27) عاماً الماضية .
لكن الحالة في مجملها ليست مدعاة للارتياح والطمأنينة بالنسبة للمؤتمر الوطني الحاكم وأجهزته، فمجرد اصطفاف الآلاف و اتفاقهم على تنفيذ فعل (سلمي) في يوم محدد والاستجابة له، و لو بالغياب عن التسكع في مواقف المواصلات، فهو مؤشر على أن الأمور ليست (تمام التمام).. ولا حاجة.
غضب الشعب من زيادات الأسعار في كل شيء، وتبرمه من منهج استسهال اتخاذ مثل هذه الإجراءات دون إحساس بالعامة، لا يحتاج لدراسات استقصائية لتأكيده.