أين حلفاء الوطني؟!
تتحالف القوى السياسية وتتآزر من أجل المشاركة في السراء والضراء.. وتقاسم الحلو والمر.. وحصد النتائج فشلاً أو نجاحاً.. لكن تحالفات المؤتمر الوطني مع أصدقائه مريبة وعجيبة وغريبة.. تحالفات مع منشقين من أحزابهم الأصلية، وتحالفات مع مسلحين وضعوا البندقية والقضية وركبوا سرج السلطة وأفاضت عليهم بنعيمها وجناتها، وركبوا الفارهات، وسكنوا العمارات، وحصدوا الدولارات، ولم يدفع أي منهم ثمن تلك الجنة مواقف داعمة للسلطة وتضحيات حينما تدلهم الخطوب وتفترق الدروب وتتشابك الخيوط.
جاءت أحداث دخول “خليل إبراهيم” للعاصمة الوطنية أم درمان وصمت الحلفاء والشركاء، وقفت الحركة الشعبية، وحينها كانت هي الشريك الأكبر، إلى جانب الجاني، وتركت المجني عليه.. ولم يخف الشريك الآخر “مني أركو مناوي” فرحته بدخول د. “خليل” أم درمان.. وحده الإمام “الصادق المهدي” أدان الفعل بشجاعة ودفع ثمن موقفه ذلك، ولم يحفظ المؤتمر الوطني لـ”الصادق المهدي” موقفين، الأول من غزوة “خليل” والثاني من الجنائية. لذلك بدا “الصادق” حينما زج به في السجن (يائساً) حزيناً آسفاً.. مع أن السياسة لا تعرف الركون إلى غضب النفس والانتصار للذات.
وحينما خرج الشارع في أحداث “سبتمبر” التي حركتها القرارات الاقتصادية الصعبة، هرب الحزب الاتحادي الديمقراطي بقيادة “الميرغني” من ميدان المواجهة ولم يعد السيد “محمد عثمان” حتى اليوم.. ومارست بقية القوى السياسية (فضيلة) الصمت والترقب والحذر وانتظار ما تسفر عنه التظاهرات، إن هي أطاحت بالنظام بحثوا لهم عن مواقع في القطار القادم، وإن فشلت فالامتيازات (باقية) والتحالفات قائمة وعائدات السلطة مضمونة.. والاستثناء الوحيد لحلفاء المؤتمر الوطني هو الدكتور “أحمد بلال عثمان” الذي ظل ثابتاً على مواقفه، داعماً لنظام هو جزء منه، معبراً بلسان مبين عن حكومة هو ناطق رسمي باسمها، يقف دائماً أمام المؤتمر الوطني وليس (خلفه) مما أكسبه احترام حتى المعارضين الذين (يصبون) على رأسه اللعنات عشية وضحى.
أمس كان الموقف والمشهد يتكرر بذات السمات والمواقف.. حرب إسفيرية لشباب المعارضة وشباب الـ(فيسبوك) والـ(واتساب)، خرجوا إلى فضاء واسع ومفتوح يحرضون على العصيان المدني لإسقاط النظام أو إرغامه على إلغاء القرارات الاقتصادية الأخيرة.
تصدى لشباب الإضراب شباب المؤتمر الوطني وحدهم في الساحات الإعلامية والفضاء الإلكتروني، وشكل حلفاء المؤتمر الوطني غياباً كاملاً.. حتى حلفاء الحوار، باستثناء المؤتمر الشعبي، اختاروا الصمت والسكون والوقوف إلى جانب المعارضة.
إذا سألت عن الحزب الاتحادي الديمقراطي بقيادة “الميرغني” لوجدت وزراء الحزب قد تواروا عن الأنظار، وشبابهم يقف إلى صف المعارضة بعيداً عن حكومة هم جزء منها.. وإذا سألت عن أنصار السنّة لن تجد شبابهم في ساحات الدفاع عن حكومة منحتهم كل شيء. وكذا حال جماعة الإخوان المسلمين.. والأحزاب الجهوية من التحرير والعدالة القومي بزعامة “السيسي” إلى التحرير والعدالة بقيادة “أبو قردة” الذي وضعته أحداث الحقل الطبي في الواجهة، من إضراب الأطباء إلى مشكلات الدواء.. و”أبو قردة” الوزير كان حاضراً لكن حزبه غائب.. ولم نسمع صوتاً لشباب الحركة الشعبية، بل الحركات الشعبية، من تيار السلام إلى أصحاب القضية الحقيقيين وآخرين من دونهم.. بل أين حزب العدالة د. “بشارة أرو”؟ وكيف حال “فضل السيد شعيب”؟ وحتى “تراجي مصطفى” خفت صوتها، ولم نسمع لها تسجيلات مناهضة للعصيان المدني بحسبانها من القادمين للسلطة في قادم الأيام والمواعيد.
فشل العصيان المدني بفضل وعي الشعب وجهد شباب المؤتمر الوطني وجبهة دفاعه الإلكترونية.. لكن غياب الحلفاء عن معركة المصير الواحد كما تقول أدبيات حزب البعث العربي الاشتراكي- رحمة الله عليه- لم يشارك فيها حلفاء الوطني من جامعي الغنائم والهاربين من ساحات العزائم.. فهل يعيد الوطني حسابات تحالفاته السياسية، خاصة وأن قادم السنوات قد يشهد ما هو أسوأ من الحاضر؟!