رأي

دم من الحرقة على زلزال الدواء!!

بقلم – عادل عبده
الدكتور “ياسر ميرغني عبد الرحمن” صاحب الشفافية بالوراثة أطلق صيحة بالصوت العالي قائلاً: على المكتب التنفيذي لاتحاد الصيادلة تقديم استقالته فوراً بناءً على فشلهم في التعبير عن وجهة نظرهم حول أزمة الدواء المستفحلة التي صارت كابوساً خطيراً على المواطنين.. إنها لغة واضحة المعالم من زميل في المهنة يحث بني جلدته في السلك الصيدلاني بتحمل المسؤولية الوطنية والانحياز التام لقضايا الحزانى والمساكين من المرضى الذين صاروا الآن تحت نيران الموت البطيء، جراء طاحونة الغلاء المخيفة في أسعار الدواء بعد أن شعر بتقاعسهم وغياب دورهم المرتجى في هذه القضية العصيبة!!
أزمة الدواء على المواطن المكدود قضية كارثية من نوع مختلف لا تعرف الأيديولوجيا والسيناريوهات المبسترة لأنها تدق في جوف حياة الإنسان وتتوكأ على ركائز جريان الحياة، فالمرء يستطيع أن يقلص عدد وجباته من ثلاثٍ إلى اثنتين بل يمكن أن يكتفي بوجبة واحدة وأكواب من المياه بل يصل إلى مستوى التهام عجورة  أو جزرة وكوب شاي خال من السكر لكنه لا يستطيع الاستغناء عن الدواء أو تقليص جرعاته.. فكيف يقاوم أوجاع الصدر وارتفاع الكوليسترول ومستلزمات الرضع بل كيف يتحصن من غدر السكري والضغط إذا تعذر عليه شراء تلك الأدوية في ظل الارتفاع الجنوني في أسعارها.. الحكومة بكل قساوة رفعت دعم الدولار عن الدواء فكانت الزيادة بأكثر من (300%)، بينما وقف اتحاد الصيادلة على الرصيف كأن الأمر لا يعنيه، وبعض الصيدليات قررت إغلاقاً جزئياً على محلاتها في خطوة لا تغني ولا تسمن من جوع، فالحصيلة مزيد من الضياع والحصار والغبن والاستهداف الغليظ على المرضى من المواطنين الذين وجدوا أنفسهم على مضرب عاصفة هوجاء ورياح عاتية لا تحمل في ثناياها الرحمة والعاطفة الإنسانية.
أبشع ما في أزمة زلزال الدواء شيء جديد لم يخطر على البال لأول مرة يتمثل في عدم الشعور بالطمأنينة من وجود سلعة الدواء في ظل الأزمة الكارثية الحالية، حيث لا يوجد من يرحم ومن لا يسأل عن حال المريض الذي لا يجد العلاج لنفسه وأولاده، بل حتى دواء التأمين القائم على تركيز الأسعار لا ينجو من طوفان الغلاء، فالإشكالية كبيرة لا تحتمل الاستثناءات والطبطبة على الكتف حيث صار الطريق محفوفاً بالمخاطر والمطبات والأشواك.
الإنسان يمكن أن يكون سعيداً إذا كان يرتعد من البرد والجوع لكنه لا يكون سعيداً إذا لم يجد البلسم الذي يساعده على الشفاء وضمان وجوده في الحياة.. هكذا تحول السياسات الغليظة المواطنين إلى مخلوقات خائفة لا ترتجي سوى البقاء، ففي ألمانيا المهزومة قبل مشروع مارشال كان كل شيء يزداد في السوق ما عدا الدواء! وفي أكثر الدول فقراً يأخذ الدواء أوضاعاً استثنائية تحجب عنه طاحونة الغلاء الفاحش.. هل هنالك لوحة مؤلمة أكثر من عجز اتحاد الصيادلة في إيجاد الحلول الناجعة لكارثة الدواء حتى الآن؟ ماذا يريد اتحاد الصيادلة؟ وفي ماذا يفكر؟ وما هي قدراته في التقاط القفاز؟
مشاعر جياشة أخرجت دماً من الحرقة على زلزال الدواء وهي مشاعر ضرورية لرسم الألم والغضب والكمد.. بل حين يذهب المواطن المريض إلى الصيدلية ويجد تلك الأسعار الخرافية للدواء فإنه يبتلع ريقه ويشتكي لله.. والشكوى لغير الله مذلة.. يا لها من فظاعة حين يضحي المواطن بالجوع مقابل الدواء لكنه يفاجأ بأنه بعيد المنال!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية