شباب الوطني
اختار شباب حزب المؤتمر الوطني استباق التطورات السياسية القادمة بدخول البلاد مرحلة تعددية جديدة تسود فيها سلطة القانون.. ويبعد فم الحزب الحاكم عن ثدي الدولة، ويصبح المؤتمر الوطني معتمداً على نفسه في موارده وتسيير نشاطه مثل أحزاب المعارضة في وضعها الراهن.. فكر شباب حزب المؤتمر الوطني وقدروا استقبال التطورات القادمة بالاستعداد لها نفسياً وحركياً وسياسياً هم يشدون الرحال إلى مناطق الضعف السياسي الظاهر كجنوب كردفان حيث الحرب تلقي بظلالها على الحياة.. والصراع الحقيقي بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية حول كسب ولاء المواطنين.. للحركة الشعبية أدبياتها وطرق مخاطبة القاعدة، وللمؤتمر الوطني منهج قديم وآخر جديد كشف عنه أمين شباب المؤتمر الوطني “عصام محمد عبد الله” أمس الأول.
من حيث المكان، فإن جنوب كردفان من المناطق التي يواجه فيها المؤتمر الوطني تحدياً حقيقياً ومنافسة شرسة مع الحركة الشعبية التي حصلت في آخر انتخابات جرت بمشاركتها على إجمالي أصوات ناخبين يفوق ما حصل عليه المؤتمر الوطني، ولولا شخصية مولانا “أحمد هارون” لتفوق عليه “عبد العزيز الحلو” في ظل تركيبة مغايرة لواقع اليوم، باعتبار أن غرب كردفان كانت جزءاً من الولاية الحالية.. ربما لهذا التقدير أو لتقديرات أخرى أسفر شباب المؤتمر الوطني عن وجه جديد، وثقة في النفس وخروج من المبنى الجميل بارد الهواء في حي الصحافة وتحفه مئات السيارات الفارهة، كأنه معرض لكبرى شركات بيع وشراء السيارات.
خرج أمين الشباب “عصام محمد عبد الله” وقيادات أمانته من الشباب والشابات إلى كادوقلي البعيدة بالبر وعبر البصات لا الطائرات التي تجوب السماء وتقصر المسافات، وانتشر قادة مستقبل المؤتمر الوطني في مدن الدلنج، العباسية، هبيلا، أبو جبيهة والرشاد في حركة دؤوبة يعقد الندوات واللقاءات والتدريب، والأنشطة الثقافية التي جمعت آلاف الشباب في كادوقلي يوم (السبت) ليلاً، حينما تغنت مطربات (أغاني وأغاني)، وأخذ الشباب يتراقصون زهواً وفرحاً في لحظات طرب (أنستهم) مرارة الواقع، وقتامة صورة وطنهم في مخيلة كل منهم.
سهرت كادوقلي على أنغام أغاني (ما بصدقكم) لـ”عثمان حسين” و(حبيب الروح)، وأخذت النشوة الشباب في ملعب مدينة كادوقلي القديم حتى الساعة الواحدة صباحاً، بلا شرطة نظام عام.. ولا قانون يحدد لإنسان تلك المنطقة ساعات الفرح.. ربما لأن كل ساعاته حزن ودموع.. وهم وغم.
من حيث الخطاب السياسي، تحدث “عصام محمد عبد الله” وهو شاب دون الأربعين من العمر بثقة في نفسه وهو يقول عبارة جريئة، بل يتخلى عن هتافات ظل يرددها قادة حزب المؤتمر الوطني في اللقاءات السياسية وحشودهم التعبوية.. بل حتى في الانتخابات الطلابية بالجامعات، وهي من العبارات العنيفة التي تغذي مخيلة الطلاب والشباب بلون الدم ورائحة الموت، قال “عصام”: (لن نطلب اليوم أن تراق منهم دماء.. أو تراق منا.. دماء.. أو تراق كل الدماء، ولكن نقول لكم فلنبنِ وطناً للسلام والمحبة.. والتوافق والحوار).. وبذلك، على مستوى الأقوال، ينتقل حزب المؤتمر الوطني عملياً من مرحلة لأخرى.. ويطوي صفحة الأمس ويفتح أبواب المستقبل لممارسة جديدة.. إذا كان شباب المؤتمر الوطني يتقدمون على بقية قطاعات الحزب، فإن المستقبل المشرق والأمل كبير في قادم الأيام.
شباب الوطني حينما يخرجون إلى ساحات العطاء الجماهيري، ينبغي أن تكون هذه الخطوة حافزاً لشباب الاتحادي الديمقراطي والأمة والشعبي للتنافس الحر، والكسب بعرق الجبين وخدمة الضراع بعيداً عن آليات الدولة. وقد قال د.”عيسى آدم أبكر” والي جنوب كردفان: (نشاط شباب المؤتمر الوطني تكفلوا به وحدهم، ولم تدفع الولاية جنيهاً واحداً.. إلا ضيافة مساعد الرئيس لبضع ساعات فقط).