تحقيقات

موسم العودة للعلاج البلدي.. انزعاج وسط المواطنين من الارتفاع الجنوني لأسعار الدواء

جولة لـ(المجهر) تكشف عن عدم رضا الصيدلانيين.. وتراجع محدود في الإضراب الجزئي   
تقرير  ـ هبة محمود
بإنسانية تجاوزت قرارات رفع الدعم الأخيرة عن الدواء (إكسير الحياة) لم يستجب أغلب الصيدليات بولاية الخرطوم لدعوات الإضراب الجزئي الذي نفذه بعض منها يوم أمس (السبت) احتجاجاً على ارتفاع قيمة الدواء الذي يتنافى والظروف الاقتصادية للمواطن، في ظل رفع الدعومات الأخيرة التي كثيراً ما أرهقته، فتأكيدات من استطلعتهم (المجهر) من الصيدلانيين وأصحاب الصيدليات خلال جولتها، جاءت مؤكدة أن (أرواح المواطنين) خطوط حمراء يستحيل التلاعب بها وإن كان ذلك يتقاطع ومصالحهم الخاصة، سيما أن منهم- أي الصيادلة- من ذهب إلى أن هذا الارتفاع في الأسعار سيؤثر على القطاع ككل، فيما قطع بعضهم بتراكم الأدوية وتكدسها على الأرفف ولجوء المواطنين إلى التداوي بـ(العلاج البلدي والأعشاب)، أما البقية الباقية فترى ضرورة البيع بالسعر القديم سيما للأدوية المنقذة للحياة مما يسبب لهم خسائر يخفف وقعها إنسانيتهم تجاه المواطنين.
(المجهر) تلمست معاناة الصيدلانيين والمواطنين معاً، عبر جولة طافت بها عدداً من الصيدليات، ووقفت أيضاً على الصيدليات المضربة عبر السطور التالية..
{ صيدلاني: إضرابنا وقفة تضامنية مع المواطنين
لم يكن قطاع الصيدلانيين كغيره من القطاعات الأخرى، فرحاً بتلك الزيادات الكبيرة التي طرأت على أسعار الأدوية، بل على العكس تماماً فمشاعرهم اختلطت بين الحيرة والألم حيال قضيتم والمواطنين على حد سواء، ليصبحوا بين حجري رحى، تنفيذ الإضراب وإنقاذ المواطنين، فـ”محمد خالد” (طبيب صيدلاني) بصيدلية الأملاك بحري، بدا أكثر حزناً وهو يؤكد لـ(المجهر) أن الزيادة في الأسعار أكثر بكثير من المتوقع بالنسبة لهم وللمواطنين الذين تفاوتت درجة قابليتهم للأمر، فمنهم من تقبله مرغماً ومنهم من اتخذ من الشجار والتذمر وسيلة للتعبير عن رفضه.
وفي السياق أشار محدثي إلى أن الإضراب يعدّ وقفة تضامنية مع المواطنين إلا أنه عاد وبرر عدم استجابتهم له ـ أي الإضراب ـ  لدواعٍ إنسانية سيما أن مقر الصيدلية يقع بشارع الحوادث بحري. ولفت  “محمد” إلى أنهم بدأوا عملهم بالتسعيرة الجديدة التي وردتهم من مجلس الصيادلة يوم (أمس).
وبحيرة ارتسمت على قسماتها سارعت “وصال أحمد” (صيدلانية) صيدلية الشهيدة (بحري) بالقول: (الزيادة نزلت والصيدليات فقيرة إلى بعض الأدوية، والصيدلة عامل إنساني، ولا عرافين نحسبها كيف، فمن ناحية مادية نحن ما خسرانين، لكن من ناحية إنسانية المواطن يعدّ أهم)، وأضافت: (هناك شركات نفذت الزيادة بنسبة 60% وبعضها بنسبة 100% والبعض الآخر 97% والمواطن يواجه كل هذا، فعقار الأزمة “syiupacort” وصل سعره لمبلغ 700 جنيه بدلاً عن 301 جنيه وحقن الهرمون ارتفعت إلى 160 جنيه بدلاً عن 102 جنيه).
{ البيع بالسعر القديم
ودعا “أحمد حسن” (صيدلاني) بصيدلية (الحكمة) بحري، إلى ضرورة الوقفة القوية من قبل اتحاد الصيادلة الذي كان يتوجب عليه أن يندد بالأسعار التي تفوق قدرات المواطنين المالية، مشيراً إلى أن هذه الزيادات لا تنعكس سلباً على المواطنين فحسب بل يكتوي بنارها أصحاب الصيدليات أيضاً بعد أن تتكدس الأدوية على الأرفف، وقال: (الزيادة كانت مفاجئة بالنسبة للمواطنين وغالبيتهم لن يستطيع الإيفاء بمبلغ الدواء مما قد يؤدي إلى الوفاة أو اللجوء إلى العلاجات البلدية على حسب الحالة)، وأضاف: (الأدوية المنقذة للحياة باهظة الثمن وأنا حتى الآن أضطر لبيعها بالسعر القديم تقديراً لظروف المرضى).
{ تحذير من ركود في قطاع الصيدلة
(أنا مع الإضراب لكن إنسانياً ما بنقدر نقفل).. هكذا ابتدر “مؤيد علي” (صيدلاني) بصيدلية (المودة) الخرطوم حديثه لـ(المجهر)، لافتاً إلى أنهم يتعاملون مع أصحاب الأمراض النفسية وهو علاج طويل الأمد، ومن الممكن أن يتضرر المرضى بمسألة الإضراب مما يحتم عليهم بدء العلاج من البداية، مؤكداً أن ارتفاع الأسعار بشكله الكبير هذا من شأنه أن يؤدي إلى ركود في قطاع الصيدلة لعجز المواطنين عن شراء احتياجاتهم من الدواء، وقال: (من الممكن رفع الدعم عن أي قطاع مهما كان، لكن أن يتم رفع الدعم عن القطاع الصحي فهنا تكمن المشكلة لأن الأمر حينها يتعلق بأرواح الناس).
وتؤكد “سعاد بلة” (طبيبة صيدلانية) بصيدلية (د. رانيا) الخرطوم السخط الذي يعبر عنه المواطنون رغم معرفتهم التامة بالزيادات غير المتوقعة بالنسبة لهم، مشيرة إلى أنهم ـ أي المواطنين ـ سيكتفون بحاجتهم الماسة للدواء في الوقت الذي سيتوقف فيه عمل الشركات التي تبيع بأسعار باهظة).
{ المواطنون يسخطون
 الكثير من علامات الذهول وقلة الحيلة ارتسمت على وجوه المواطنين حال استفسارنا لهم حول أسعار الدواء عقب رفع الدعم مؤخراً، ليعتري إجاباتهم ألم وتكسوها خيبات، سيما أنهم أمام خيارين أحلاهما مر فإما إنقاذ مريضهم وإما فقده، وحسب “علاء الدين” (مواطن) فإن أرواح (البني آدمين) تأتي في المقام الأول، و(غصباً) عنك ستشتري بحد تعبيره، مؤكداً لـ(المجهر) أنه ما من مواطن أياً كان سيتقبل هذه الأسعار، لكن ما من خيار. فيما يناشد المواطن “إسماعيل إبراهيم” الدولة بمراعاة ظروف المواطنين والنظر إلى إمكانياتهم سيما أنها محدودة.
بعبارة مقتضبة رفض الإفصاح بأكثر منها بادر المواطن “يوسف علي سعيد” بالقول: (في ناس بتموت والزيادة غير مجدية)!
وبنبرة يكسوها الخوف قال المواطن “محمد عمر” لـ (المجهر): (أنا بشتري علاج القلب في الشهر بـ250 وأحياناً 270 جنيهاً الآن ما معروف ح يكون بي كم)، وأضاف: (نحن نعاني من سعر الدواء نتمنى من الدولة مراعاة ظروف المواطنين). واكتفت المواطنة “أميرة محمد أحمد” بالتعليق على ارتفاع أسعار الدواء بالقول (أنا اشتريت بالسعر الجديد وما بقول غير لا إله إلا الله).
{ (أوقفنا صرف الوصفات عشانك يا مواطن) شعار الإضراب
يشار إلى أن عدداً من الصيدليات نفذت يوم أمس إضراباً جزئياً دعت إليه بدءاً من الساعة (9) صباحاً وحتى (5) مساءً تعبيراً قاطعاً ورافضاً لزيادة أسعار الدواء، وجاء الإعلان تحت شعار (أوقفنا صرف الوصفات عشانك يا مواطن).. (عشان رافضين الزيادات المهولة في سعر الدواء، عشان رافضين حقن غسيل الكلى من 40 جنيه تبقى 1120 جنيه، عشان رافضين بخاخ الأزمة الأحمر يبقى بـ718 جنيه، عشان رافضين حقنة المضاد الحيوي تبقى بـ450 جنيه، عشان رافضين شراب المضاد الحيوي يبقى بـ187 جنيه، عشان رافضين ده كلو قفلنا).    

  

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية