فرض حظر السلاح على جوبا.. بين رفض روسيا وخيارات أمريكا المتعددة
إحلال السلام في جنوب السودان
غاية يسعى لها الجميع.. ولكن!
تقرير – يوسف بشير
قدمت الولايات المتحدة (الجمعة)، مقترحاً لمجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة، يقضي بفرض حظر للسلاح على جنوب السودان، وعقوبات إضافية على طرفي الصراع، بيد أن روسيا، أحد أعضاء مجلس الأمن الدائمين، رفضت المقترح. وفيما فُضلت المعارضة المسلحة بزعامة “رياك مشار” الصمت، أشاد مسؤولو حكومة جوبا بموقف روسيا، وأبدوا رفضهم للمقترح الأمريكي، باعتبار أنه لا يشكل حلاً.
تشير معظم التوقعات، إلى أن المقترح يمكن أن يشكِّل ضغطا على طرفي النزاع، ومن ثم الإسهام في توصلهما إلى اتفاق، إذا مارس المجتمع الدولي، خاصة الإدارة الأمريكية، مزيداً من الضغوط عليهما. وهذا ما تنشده الخرطوم، التي لم تكف عن مساعيها لإحلال السلام في الدولة الوليدة. وتكاد أن تكون الدولة الوحيدة، المتأثرة باقتتال الجنوبيين. فإن حدث سلام، فسيعود حوالي مليون لاجئ موجودين في بقاعها، إلى بلادهم، التي سوف تتفرغ قليلاً لتنفيذ اتفاقياتها مع السودان، وأولها ترسيم الحدود، ومن ثم تشديد الحراسة عليها. إضافة لحل معضلة أبيي، وغيرها.
(المجهر) في سياق التقرير التالي، تحاول تحليل المقترح الأمريكي، ومدى تأثيره على الخرطوم وجوبا.
*تجدد الأزمة الجنوبية
غالباً، بعد رفض روسيا لمسودة المقترح، غضت الإدارة الأمريكية الطرف عنه، ولكنها في ذات الوقت، بعثت رسالة لكل الدول، بعدم بيع سلاح لأطراف النزاع المسلح، كما يقول “إستيفن لوال”، مع أنه، بمقدور أمريكا فرض عقوبات أحادية، خاصة بعد التقرير الذي قدمه مبعوث الأمم المتحدة الخاص لمنع الإبادة الجماعية “أداما ديانغ”، الأسبوع المنصرم، وقد أكد فيه إمكانية حدوث إبادة جماعية في الجنوب، وقال، قبل مطالبته مجلس الأمن باتخاذ تدابير فورية، إنه شاهد الكراهية العرقية، واستهداف المدنيين. الأمر الذي يمكن أن يتطور إلى إبادة جماعية، إذا لم يتم فعل شيء الآن.
وبالعودة إلى جوبا، فبعد انفصالها من الخرطوم، في العام الأول، للعقد الثاني، من القرن الألفين. منت مواطنيها بجنة، يقطفون ثمارها قريباً، ولكن التنافس السياسي، بين “سلفا كير ميارديت”، المنحدر من قبيلة الدينكا، و”رياك مشار”، المنتمي لقبيلة النوير، أدى إلى اندلاع حرب أهلية، في العام الثالث من انفصال الجنوب. أشار فيها أغلب المراقبين إلى إنها اتخذت منحى عرقيا. مما دفع مجلس الأمن، في مارس 2015م، الى إنشاء نظام عقوبات محددة الهدف، قضت بإدراج ستة من كبار العسكريين، على قائمة سوداء، بمعدل ثلاثة من طرفي الصراع، وذلك بتجميد أصولهم وحظر سفرهم. وبكثرة الضغوط، وقع الطرفان، في أغسطس الماضي، على اتفاقية سلام في أديس أبابا، وصُفت بالهشة. بيد أن الاقتتال تواصل مجدداً، رغماً عن وجود نحو (13) ألف جندي من الأمم المتحدة، التي نشرتهم منذ انفصال جوبا. وفي يوليو، هذا العام، لم يجد “مشار” خياراً أمامه سوى الفرار.
*فائدة متوقعة
يجب أن ننظر للمقترح بإيجابية، وببعد إستراتيجي، تلك أولى كلمات الخبير السياسي والأمني، اللواء معاش د.”محمد الأمين عباس”، وتابع في حديثه لـ(المجهر)، أنه، أيّ المقترح، يمكن أن يدفع طرفي النزاع لتوقيع اتفاق، فالأمريكان حريصون على وحدة الجنوب، فإن حدث فيه سلام، ستكون الخرطوم مستفيدة من جعل المنطقة آمنة، فبالتالي يقل تدفق اللاجئين إلى أراضيها. إضافة إلى زيادة التبادل التجاري الإقليمي، وبإمكان جوبا استخدام ميناء بورتسودان لصادراتها ووارداتها، مما يعني استفادة السودان مالياً.
ولوَّح إلى أن رفض جوبا للعقوبات وحظر السلاح، غير مجدٍ، وقال: إن المقترح، حتى بعد رفض روسيا له، ذو قيمة متمثلة في أنه يتضمن رسالة من أمريكا بأنها تريد هدوء الجنوب.
*تحذير.. وسؤال
“إستيفن لوال”، رئيس الهيئة القومية لدعم السلام، في جنوب السودان، قال إنه بعد رفض روسيا،فإن بإمكان أمريكا تبني قرارات أحادية، من بينها التدخل العسكري في بلاده، أسوة بما فعلت في العراق. ومضي يعزز حديثه بأن فوز الجمهوري “رونالد ترامب”، برئاسة أمريكا، سيكون له انعكاس على مستوى الساحة العسكرية في الجنوب، وربما يعصف بكل التوقعات. في وقت عاب على إدارة “بارك أوباما”، عدم تدخلها الواضح، بيد إنه عاد وقال : إن حزب الأخير يتعامل مع الجنوب بنوع من المرونة. ومضي في تصريحه لـ (المجهر)، وقال: إن العقوبات عملية ضغط على طرفي الصراع ليرضخا، ولكنه قطع بأن أيّ عملية سلام، تأتي نتيجة ضغوط، لن تكون دائمة، بدليل اتفاق أغسطس، التي اعتبارها وُلدت ميتة.
وربط عدم تأثر الخرطوم، بالمقترح الأمريكي، باعتبارها دولة متمكنة، تدرك جيداً، ماذا عليها أن تفعل حتى لا تتأثر سلبياً. ووضح في حسبانها أن عملية التدخل العسكري، يمكن أن تفضي إلى إنشاء قواعد عسكرية في أرض بلاده، مما يعني أن فضاء السودان سيكون مكشوفاً للدول الغربية الطامعة في الشمال والجنوب معاً.
قطعاً، العقوبات لا فائدة منها سوى تعميق الأزمة الجنوبية، على حد قول لـ”إستيفن”، الذي رجع، وقال: إن فائدتها الوحيدة هي عدم حصول الطرفين على السلاح، إذ إن المقترح الأمريكي رسالة واضحة منها للدول بعدم بيع سلاح لطرفي النزاع. وحول رفض حكومة جوبا للعقوبات، أشار إلى إن رفضها يدل على عدم تعاونها مع المجتمع الدولي، الذي قال إنه بدأ يتحرك لتضييق الخناق على الحكومة والمعارضة المسلحة، على حد سواء. وتساءل في ختام حديثه ، أين الشعب الجنوبي في مخيلة المجتمع الدولي؟.