رأي

بعد.. ومسافة

والله إنها لحكومة ظالمة.. (!)
مصطفى أبو العزائم
وأبرز وجوه الظلم تظهر جلية واضحة في طريقة تعامل الحكومة ممثلة في وزارة المالية، وتعامل مخططي السياسة الاقتصادية في بلادنا، مع قضايا المعاشيين، وكثير من هذه الشريحة المهملة إما كانت إحالتهم إلى المعاش عن طريق الصالح العام، أو بإلغاء الوظيفة، وهي سياسات رعناء ظالمة تشبه تلك التي طبقها الثوريون والشيوعيون عقب الإطاحة بحكم الرئيس الفريق “إبراهيم عبود” (1958 – 1964) كأول مذبحة تطال الخدمة العامة والمدنية في ما عُرف بـ(التطهير)، حتى أن أغنيات ذلك الزمان كانت تحرض على الظلم البيّن، وتدعو من خلال بث الهتافات في وسط الأناشيد الوطنية، مثل (التطهير واجب وطني).. ثم تكررت المأساة عقب الإطاحة بحكم الرئيس المشير “جعفر محمد نميري” (1969 – 1985م) عندما علت أصوات جديدة في حناجر قديمة تدعو بدعوى الجاهلية وتطالب بتطهير الخدمة المدنية والعامة من (السدنة) و(كنس آثار مايو) مما أفقدنا كوادر مؤهلة ومدربة ذات خبرات تراكمية عظيمة لا علاقة لها بالسياسة، وربما كانت المذبحة الذي شهدها جهاز الأمن القومي واحدة من تلك السياسات الخرقاء، التي أخذت تجرنا وتجر بلادنا إلى الوراء عاماً بعد عام.
حزنتُ وحزن غيري عشرات الآلاف، وهم يطالعون إعلانات الاتحاد العام لمعاشيي الخدمة المدنية بالسودان في صحف الأسبوع الماضي، وهي تخاطب منسوبي الاتحاد ببيان عنونته بـ(إلى جماهير المعاشيين الأوفياء.. إلى الصابرين المحتسبين) أوضحت فيه ما قامت به من خطوات لمعالجة الآثار السالبة الناتجة عن رفع الدعم وتحرير أسعار السلع، مشيرة إلى زيادة مرتبات العاملين في الخدمة العامة، وقد أشارت تلك الإعلانات إلى أن اتحاد المعاشيين خاطب وزير المالية بتاريخ (24) أكتوبر الماضي حول رفع الدعم وأكد له أن المبلغ المقترح لزيادة المعاشات ضئيل وضعيف، ثم خاطب الاتحاد في نفس اليوم رئيس الهيئة التشريعية مطالباً بالوقوف مع شريحة المعاشيين لزيادة المبلغ المقترح لهم في الميزانية مع مخاطبة وزيرة الرعاية والضمان الاجتماعي في ذات التاريخ للسعي وراء الزيادة وهي الوحيدة التي استجابت، وبادرت بمقترح لعقد اجتماع يضم رئيس اتحاد معاشيي الخدمة المدنية ورئيس اتحاد معاشيي التأمينات الاجتماعية ومديرة الصندوق القومي للمعاشات ومديرة الصندوق القومي للتأمينات الاجتماعية، وتم الاجتماع بالفعل في السادس من نوفمبر الحالي، وتم دفع المقترح بالزيادات إلى الوزيرة في اليوم التالي، وقد تضمن عدة ركائز تتمثل في زيادة المبلغ المخصص للمعاشيين حتى يواكب الزيادات التي طرأت على الأسعار، مع مقترح بسريان منحة العيدين بنفس الفئات التي تمت بالنسبة للعمال، وهي مرتب شهر عن عيد الفطر ومرتب شهرين عن عيد الأضحى.
كما تضمن ركائز المقترح المرفوع لوزيرة الرعاية والضمان الاجتماعي زيادة مال الإسناد الاجتماعي والذي يساهم في دعم رسوم الطلاب من أبناء المعاشيين، ويساهم أيضاً في تكاليف العلاج، وتم تكوين لجنة لدراسة المقترح المتكامل داخل مجلس إدارة الضمان الاجتماعي.
يصرخ المعاشيون بأن كل الزيادات التي حصل عليها غيرهم كانت مقنعة وحازت رضا الأغلبية، لكنهم كانوا خارج دائرة اهتمام الدولة ووزارة المالية، رغم أنهم يستحقون ذلك وأكثر.
نضيف صوتنا لصوت هذه الفئة المهمشة التي أفنت حياتها وقدمت خلاصة جهدها وخبرتها من أجل الوطن لتجد أنها بعد كل ذلك العطاء، خارج دوائر الاهتمام، رغم أن ظلماً كبيراً كان قد وقع على كثير من عضويتها من الذين أحيلوا للصالح العام لإفساح المجال لإدخال آخرين ضمن سياسة التمكين البغيضة، أو أحيلوا إلى الصالح العام بإلغاء الوظيفة بتطبيق سياسات الخصخصة.
نطالب الحكومة، بل نطالب السيد رئيس الجمهورية شخصياً ونائبيه أن يتدخلوا لنصرة هذه الفئة المظلومة لأنهم ومن معهم مسؤولون أمام الله عنهم، إذ كيف يعقل أن تكون مستحقات المعاشي الشهرية أقل من الحد الأدنى للأجور.
لا حول ولا قوة إلا بالله، ولا عزاء للضعفاء في بلاد تلغي تاريخ البذل العظيم الذي قدمه المعاشيون الذين لا يمكنهم أن يهددوا بالإضراب، فكيف يضرب من هو بلا عمل ولا وظيفة.. ولا وجيع.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية