تقارير

الذكرى الثامنة والخمسون لانقلاب (17) نوفمبر

هل كان “عبدالله خليل” مظلوماً وماذا قالوا عنه؟
الخرطوم – وليد النور
اليوم يصادف الذكرى الثامنة والخمسون لأول انقلاب عسكري على السلطة المنتخبة في السودان في العام  1958م، الذي قاده الفريق “إبراهيم عبود” بتدبير وزير الدفاع في وقتها، عبد الله خليل، وعلى الرغم من أن الانقلاب عده كثيرون عبارة عن تسليم للسلطة من قبل سكرتير حزب الأمة “عبدالله خليل” بمباركة من السيدين “عبد الرحمن المهدي” و”علي الميرغني”  اللذان سرعان ما انقلبا إلى المعارضة بعد العام الأول للانقلاب، بيد أن الفريق “عبود” اعتمد على المؤسسة العسكرية في الجهاز التنفيذي للدولة، وكان جل وزرائه من الجنرالات، عدا وزير الخارجية “أحمد خير” المنشق من الحزب الوطني الاتحادي، وأول قرار اتخذه “عبدالله خليل” بعد استلامه للسلطة حل البرلمان، وعطَّل الدستور وأوقف نشاط الأحزاب السياسية، بيد أنه منح صلاحيات وسلطات أعلى للمجالس المحلية، وانتهج سياسات ضيَّقت الخناق على الأحزاب والسياسيين.
ويقول مقربون منه: إن التهديدات التي كانت تواجه السودان لا يوجد من يصدها، إلا القوات المسلحة، وعندما رفض الجيش الرجوع إلى الثكنات، طالب أن تكون هناك مقاومة مسلحة لاستعادة الحكم، ولكنه رضخ لرأي الأغلبية الذين طالبوا بالنضال الوطني، وكان أول من اعتقل ونقل مع الزعماء السياسيين إلى ناكشوط، ولو كان متآمراً لما اعتقل وصودرت ممتلكاته. 
وبحسب خبراء فإن السيد “عبد الله خليل” كان صائباً في اتخاذ القرار السليم.. وكل ما يقال خلاف ذلك ليس صحيحاً، فلو كان الإمام “عبد الرحمن” ومولانا “علي الميرغني” يؤيدانه تأييداً كاملاً، لحسب أن هنالك اتفاقاً واعترافاً بالانقلاب، ولكنه اتخذ سياسات ضاعفت قضية جنوب السودان بمحاولته أسلمة وإدخال اللغة العربية في الجنوب حتى أطاحت به ثورة شعبية في أكتوبر من العام 1964م . وكان قد استجاب للضغط الجماهيري وتنازل عن السلطة، وتوفي في العام 1983م. 
ويقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين البروفيسور “حسن إسماعيل الساعوري” في حديثه لـ (المجهر): إن الانقلاب في بدايته حظي بمباركة السيدين “عبد الرحمن المهدي” و”علي الميرغني”، وتم تشكيل أول وزارة من العسكر، عدا منصب وزير الخارجية الذي عيَّن فيه القيادي المنشق من الحزب الوطني الاتحادي “أحمد خير” ولم يتم اشتراك سياسيين معروفين سواءً أكانوا يمثلون أحزابهم أو شخصياتهم. وأضاف الساعوري، إنه بعد السنة الأولى تحوَّل السيدان إلى المعارضة العلنية، خاصة عقب توقيع اتفاقية المياه في العام 1959م، ثم بعد ذلك تعاقب في الوزارات عدد من المدنيين حتى قيام ثورة أكتوبر من العام 1964م. وهناك أيضاً بعض الحقائق الموثقة التي كتبت في الصحف، لاسيما جريدة (الرأي العام) التي نشرت، أن جميع جنود قوة دفاع السودان شوهدوا مساء ذلك اليوم وهم في حالة استعداد قصوى، كُتب هذا الخبر في الصفحة الأولى من العدد الذي وزع في صباح يوم 17 نوفمبر. كما أن بعض القيادات التي لم تبلغ رسمياً بالانقلاب حاولت مقاومته أول الأمر، ولكن بعد الاتصال بها وتنويرها بطبيعة الانقلاب، رضخت للأمر وضمت صفوفها للانقلابيين. ومن المدونات عن يوم 17 نوفمبر، هو الاستهجان الذي قابل به الوزير “مأمون حسين شريف” للقوة العسكرية التي أرسلت لتسليمه خطاب التنحي، واستهجن التصرف الفظ الذي عومل به، وقبل أن يفض الخطاب علق بصوت مرتفع قائلاً:” ده شيتن ما يا هو!!”.ورغم كل ما كتب عن انقلاب 17 نوفمبر1958م، الذي عطَّل المسار الديمقراطي في السودان، ولذلك فإن معرفة الجهات التي شاركت في تنفيذه والكشف عن دوافعها وعلاقاتها يساعد على تمليك الشعب السوداني بعض الحقائق الخفية عن أحداث مهمة شكَّلت التاريخ الحديث للسودان، كما يضيف قدراً كبيراً من المعارف إلى تجارب كل الذين يعملون الآن في وضع اللبنات ويؤسسون إلى بناء سودان ديمقراطي جديد متعدد الثقافات والأعراق. ورغم زعم الكثيرين أن هناك اتفاقاً مسبقاً ومدبراً مع حزب الأمة، وأن “عبدالله خليل” أجرى اتصالات براعي الحزب السيد “عبد الرحمن المهدي” والسيد “علي الميرغني” مما جعلهما يؤيدان الانقلاب في بدايته. ولكن رغم التأييد فإن الرئيس “عبود” لم ينعم بالراحة والاستقرار في حكمه، فوقعت عدة حوادث وانقلابات ضده، كان أشهرها انقلاب المقدم “علي حامد”، وانتهت محاولة الانقلاب بإعدامات طالت البكباشي “علي حامد”، اليوزباشي “عبد الحميد عبد الماجد”، البكباشي “يعقوب كبيدة”، الصاغ “عبد البديع علي كرار” واليوزباشي “الصادق محمد الحسن”.
ويضيف ابنه الدكتور “أمير عبد الله خليل” في تصريحات صحفية، إن والده كان يتمتع بعلاقات متميزة مع كل الأحزاب وزعمائها، فضلاً عن الجيرة التي تربطهم مع الزعيم “إسماعيل الأزهري” و”عبد الخالق محجوب”.  كانوا إما يشربون القهوة أو الشاي صباحاً أو مساءً مع بعض.. كانوا يتعاركون صباحاً ويتسامرون مساءً، ولا يفسد الخلاف للود قضية.. وكان على علاقة متميزة مع مولانا “علي الميرغني”. 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية