بعد.. ومسافة
يا صوتها لما سرى..
مصطفى أبو العزائم
يوم (الاثنين) القادم ينعقد ملتقى الإعلاميات النسوي تحت شعار (إعلاميات للوطن)، وهو ملتقى يشرفه السيد رئيس الجمهورية المشير “عمر حسن أحمد البشير” رئيس حزب المؤتمر الوطني، ويرعاه نائبه في الحزب المهندس “إبراهيم محمود حامد” إذ أن الجهة المنظمة لهذا الملتقى هي أمانة شؤون المرأة في الحزب الحاكم.
نشطت دائرة الإعلام ووحدة الإعلام الإلكتروني، نشطتا معاً في الترويج لهذا الملتقى، على اعتبار أنه يتمدد خارج إطار الحزب ليضم كل سودانية ولجت هذا العالم الفسيح، واتخذت لنفسها مكاناً في دنيا الإعلام، لا من حيث جاذبيته أو سحره، وما يضيف من ألق للذين التحقوا به، بل من باب آخر باب السطوة الإيجابية والتأثير المجتمعي الواسع، بعد أن أحدث الوعي نقلة كبيرة في دور المرأة ليصبح أكثر إيجابية وتفاعلاً في مجتمعها، فمنذ أن نادى المنادي بـ(يا أم ضفاير قودي الرسن) انداحت دوائر النور تفج الظلمات موجة، موجة، وسط مقاومة لم تصمد كثيراً أمام رغبة أسر استنارت، فدفعت ببناتها إلى المدارس، فالجامعات لاحقاً.. وقد أسهمت الفنون والأشعار في ذلك كثيراً، أما بالحث على التعليم، أو بالدعوة إلى التغيير، منذ غناء الأوائل بـ(يا أم ضفاير قودي الرسن)، أو مثلما قال الراحل “إسماعيل عبد المعين” وشدا بـ(يلّا يلّا يا أم رسا.. يلّا يلّا المدرسة).
تعليم المرأة رسمياً في السودان بدأ عام 1907م، ولعب الراحل “بابكر بدري” دوراً كبيراً في هذا الجانب، وحملت أسرته هذه الأمانة من بعده، حملها ابنه الراحل المقيم بروفيسور “يوسف بدري” الذي أنشأ إلى جانب مؤسسات الأحفاد التعليمية الضخمة، وأنشأ جامعة مختصة بتعليم البنات، هي جامعة الأحفاد للبنات، وقد حمل الراية بعده ابنه البروفيسور “قاسم بدري” الذي يرعى غرس آبائه ويرويه بالعلم والمعرفة والخبرات، رغم أن قبول أول دفعة للطالبات السودانيات في جامعة الخرطوم كان عام 1930م.
طريق المرأة السودانية لم يكن مفروشاً بالورود والرياحين، لكن وعي القيادات المجتمعية والسياسية قاد إلى أن يعترف المجتمع بحقها في العلم والتعليم، وفي تأسيس جمعية تعبِّر عن تطلعات المرأة السودانية في العام 1943م، تم تأسيس نادٍ نسائي عام 1947م، حمل اسم رابطة الفتيات المثقفات، وتأسيس أول اتحاد نسائي سوداني عام 1952م.. وقد شهد العام الذي يليه تخريج أول طبيبتين سودانيتين هما الدكتورة “زوري سركيسيان” والدكتورة “خالدة زاهر”.
دخلت المرأة السودانية عالم السياسة بداية على استحياء، لكنها أثبتت قدراتها وتملكها واستيعابها لكثير من قضايا المجتمع، فنجحت أيما نجاح، ودخلت السيدة “ثريا الدرديري” عام 1953م، ممثلة للمرأة السودانية في لجنة صياغة الدستور.. ونالت المرأة السودانية حقها في التصويت قبل نهاية ذلك العام سابقة رصيفاتها في كثير من الدول العربية والأفريقية لتكون رائدة.. وقائدة.
شاركت المرأة السودانية في الإعلام مشاركة حقيقية، وولجت مجالات العمل الصحفي باكراً، لكن أول صحيفة نسائية كانت عام 1955م، وحملت اسم (حقوق المرأة)، وانطلق صوت المرأة من الإذاعة السودانية لتقول (هنا أم درمان) عام 1956م، ودخلت البرلمان عام 1965م، بدخول السيدة الفضلى الأستاذة “فاطمة أحمد إبراهيم” لبرلمان أكتوبر من خلال دوائر الخريجين.
المرأة السودانية كانت أول امرأة في أفريقيا تتولى منصب القضاء في بلادها.. وقد مثلتها مولانا “إحسان فخري” ثم أصبحت وزيرة عام 1971م، إبان حكم الرئيس الراحل “جعفر نميري” عندما اختار.. رحمه الله.. السيدة “نفيسة أحمد الأمين” لتكون وزيرة بلا وزارة في ذلك العام لتصبح الدكتورة “فاطمة عبد المحمود” بعد ذلك بعامين – 1973م، وزيرة للشؤون الاجتماعية.
حواء السودانية أصبحت الآن تقود وترأس أحزاباً سودانية، وبلغت الدرجات العلى في الرتب العسكرية، وترأس الأجهزة الإعلامية وتحرير الصحف.. لذلك نرى أن هذا الملتقى المهم يجب أن يعبِّر عن هموم كل نساء السودان بلا استثناء أو تمييز، لأن المرأة الإعلامية تمثل كل نساء الوطن، وتعبِّر عنهن سواءً من حيث الفئات العمرية أو الشرائح أو المهن المختلفة.
ملتقى الإعلاميات السودانيات هو فرصة التلاقي المجتمعي وفرصة الحوار الناعم حول قضايا الوطن خارج الأطر السياسية حتى وإن تقيَّد بها هذا الملتقى، وهو فرصة لتكريم الرائدات اللائي مهدن الطريق وقدن ركب التقدم، وليت السيدة الفضلى الأستاذة “فاطمة أحمد إبراهيم” كانت بيننا ليتم تكريمها، ولكن النساء النخلات ما زلن يطرحن الثمر في بلادي، وكثيرات علينا أن نعترف بأدوارهن العظيمة لنقول لهن ولكل جيل الرائدات.. شكراً جزيلاً.