*المتحف القومي هل يذهب ضحية موقعه الفريد
الشيخوخة تداهمه على عتبة ميلاده الخمسين
*فقر الخدمات ورداءة البيئة يتسببان في تراجع الزوار الأجانب
* حركة المرور جوار المتحف تهدد الآثار بالتصدع
عاينته : فاطمة سليمان الشيخ
بعدما يقارب نصف قرن من الزمان، يقاوم المتحف القومي ارهاصات الشيخوخة التى بدأت تداهمه وهو يقترب من سن الخمسين وسط ظروف غير مواتية ،ربما هددت بزواله على المدى البعيد،على راسها موقعه الفريد في اجمل بقاع السودان . وقد أدى إهمال الجهات المختصة بالصيانة إلى أن يبقى المتحف مهجوراً وأو شبه مهجور ، غالب الاوقات ، مع ضعف في الخدمات أوانعدامها، بحيث أن الزائر قد لا يجد ماءً ليشرب .ويتصدر الإمداد الكهرباي قائمة المشاكل التي يعاني منها المتحف . ففي العديد من الحالات يضطر الموظفون لجمع اشتراكات لشراء الكهرباء . ولأن الشيء بالشيء يذكر ،فان المتحف تعاني صالاته من انعدام التكييف مما يجعل منه مكانا طارداً.
نظرة الى الوراء :
ترجع النواة الأولى للمتحف ، الى العهد الاستعماري عندما أصر “غردون” بجعل جزء من كلية غردون التذكارية وجعلها متحفاً كان ذلك في العام 1905م.
وقد انتقل الى موقعه الحالي ، في منطقة المقرن شرق قاعة الصداقة وغرب حدائق الشعب.عندما اكتمل العمل في مبانيه 1965م، ومن ثم افتتح رسميا عام 1971م، ويعتبر جزءاً من الهيئة العامة للآثار والمتاحف، وهو يعتبر متحف السودان من الوسائل الفعالة في حماية المواقع الآثارية والحفاظ عليها من الدمار، ويلعب دوراً أساسياً في تنشيط السياحة الآثارية.
روعة الاستقبال أو العرض الخارجي :
ينقسم العرض في المتحف إلى قسمين عرض خارجي وداخلي، العرض الخارجي توجد فيه الآثار الضخمة مثل التماثيل في مدخل المتحف، عند المدخل يوجد استقبال للمتحف يضم قسم بيع التذاكر وشرطة السياحة، وبعد عبورها فإن الزائر يواجه الكثير من الرسومات الرائعة المأخوذة من الحضارة السودانية على جدران الاستقبال، وتواجه الخارج من الاستقبال بحيرة اصطناعية ضخمة يبلغ طولها حوالي (20) متراً، وعرضها (10) أمتار، وتمثل هذه البحيرة تجسيداً للمواقع الآثارية على امتداد النيل في شمال السودان.
عند بداية البحيرة ينتصب تمثال من الحجر الرملي لضفدع وآخر في الطرف الثاني.
ويرجع تاريخ هذه التماثيل إلى عهد مروي .عند بداية البحيرة ، وهي من حجر الجرانيت ،تمثل الآله آمون على هيئة كبش، وإلى الغرب من البحيرة تقوم أعمدة من الجرانيت من كنيسة فرس. ويمثل العرض الخارجي عدة معابر منها معبد عكشة، معبد بوهين، معبد سمنة غرب.
العرض الداخلي:
أما العرض الداخلي للمتحف ، فيتكون من صالتين عليا وسفلى .عند الدخول مباشرة للصالة السفلى، توجد على اليمين خريطة توضح المواضع الآثارية في جميع أنحاء السودان ، وأخرى زمنية توضح التوزيع التاريخي للمواقع الآثارية.
وتعتمد طريقة العرض على التسلسل التاريخي للحضارات ، ابتداءً من فترة ما قبل التاريخ ، ومروراً بالحضارات النوبية ثم حضارة كرمة. وأهم مميزاتها وضع بعض الأشياء مع الميت مثل العنقريب وملحقاته، أما الجزء الثاني من الصالة فقد خصص للفترة الإسلامية والفترة المسيحية .وقد اعتمد العرض على إبراز أهم أنواع الفنون وحتى الجدران.
أوضاع غير آمنة …
غير ان الصورة الجميلة الخارجية التى يعكسها المتحف ، بوضعه الجغرافي الفريد ، لا تتطابق مع بعض حقائقه الداخلية . فقد وصفت “غالية جار النبي” الموظفة بالمتحف القومي في حديثها لـ(المجهر) الأوضاع الإدارية والمالية بغير الآمنة، مشيرة إلى أن الإدارة غير المتخصصة ، تعتبر أحد أكبر المشاكل التي تواجه المتحف ،وتعرقل تطوره، وقالت ان هذا الأمر يؤثر في إرسال رسالته التعليمية.
وأوضحت أن ضعف الإيرادات المالية يقف عائقاً أمام توفير بيئة سليمة للسياح، والمتحف يحتاج إلى إعادة تأهيل وصيانة.
تراجع الزوار:
عند الثانية ظهراً يكون المتحف، شبه مهجور او مهجور تماما، في حالة صمت مهيب . فعند بوابة الخروج كان الحارس يجلس ، وتبدو علي ملامحه عدم الارتياح ربما لقلة الزوار، وهذا ما أكدته رئيس قسم الزيارات بالمتحف القومي، “إحسان محمود” في حديثها لـ(المجهر) ، كاشفة عن أن متوسط الزيارات للمتحف الطلاب بكل فئاتهم (1500) خلال شهر، بينما تبلغ الزيارات الأسرية نحو (20) أسرة شهرياً ، ويبلغ عدد السياح الأجانب نحو (2400) سائح، لافتة إلى أن الزيارات تكثر في فصل الشتاء، وأكدت “إحسان” أن عشرينات هذا القرن شهدت تزايداً ملحوظاً في عدد الزيارات.
وأبانت أن معدل الزيارات كان من الممكن أن يكون أكبر من ذلك، ولكن فقر الخدمات ورداءة البيئة وضعف تكييف الصالة والاستراحات غير المهيأة لأجل الزيارات بالإضافة إلى ضعف الكوادر المؤهلة (المرشدين السياحيين) ،والكتابات التوضيحية ، المعدة بطريقة واضحة، كل تلك العوامل كان لها اثرها في الضعف النسبي لمعدلات الزيارات .واشتكت “غالية” من الرسوم التي تفرضها وزارة المالية على تذكرة الدخول للمتحف للسياح الأجانب، والتي لا يجد مقابلها خدمة توازي ما دفعه، وقالت ان هذا الأمر سوف يتسبب في تراجع أعداد السواح الأجانب.
الآثار يتهددها التلف :
حذَّرت “غالية” من تلف المواد الأثرية نتيجة للحفظ غير السليم، مبينة إلى أن كل قطعة أثرية يحتاج حفظها إلى درجة حرارة معينة، ونسبة محددة من الرطوبة والإضاءة . وشددت على أن أي خلل في البيئة يؤدي إلى تلف القطعة الأثرية، مشيرة الى أنه بدأت تظهر على بعض القطع علامات التلف ،مثل البقع البيضاء بسبب ارتفاع الرطوبة وسط التخزين.
الآثار الإسلامية تعاني :-
تحتل الآثار الإسلامية والمسيحية الطابق العلوي من الصالة الرئيسية للمتحف، وعندما طلبنا زيارتها تفاجأنا بإغلاقها بغرض الصيانة ، بناء على دراسة من جامعة الخرطوم، أوضحت أن طريقة العرض في المتحف للآثار الإسلامية لا تتم بشكلها السليم، وأن الجزء المعروض يمثل جزءًا بسيطاً من هذه الفترة ، برغم كثرتها
الجغرافيا الفريدة تهدد المتحف ، ذاته .
علىالرغم من ان موقع المتحف القومي، في مقرن النيلين ، ينظر اليه باعتباره من اجمل المواقع والمناطق السياحية بالبلاد،الا ان هذا الموقع ، حيث يتوسط المتحف اكثر شارعين مكتظين بالحركة المرورية ، شارع النيل وشارع الجامعة ،اصبح يهدد بزوال المتحف على المدي البعيد.
فكثافة حركة العربات تهدد الآثار بالتصدع، والتشقق الآثار على المدى البعيد. ذلك ما أكده رئيس قسم الآثار بجامعة الخرطوم د.”أحمد حسين عبد الرحمن” ، وحذَّر من أن كثرة مرور السيارات بأنواعها، خاصة الثقيلة من شأنه أن يحدث تشققات وتصدعات وشقوق في الآثار الموجودة في المتحف.
وأن بمرور الوقت سوف يؤدي ذلك إلى ضياع تلك المأثورات التاريخية.ودعا رئيس قسم الآثار بجامعة الخرطوم إلى نقل مباني المتحف من مكانه الحالي إلى موقع آخر أكثر أماناً لحفظ الآثار التاريخية.
خاتمة
إلى حين انتقال المتحف إلى مكان آخر، كحل جذري لإحدى مشكلاته على المدى البعيد ، فإن المتحف يحتاج ، بصورة ملحة ، إلى حلول للمدى القريب.وأهمها توفير بيئة جاذبة للسياح، والزوار، من داخل البلاد وخارجها.