أطفال الأستوبات.. الأرزاق على الإشارة الحمراء..!
الخرطوم – محمد جمال قندول
كم قاسية هي الحياة التي تجعل طفلاً في عمر الـ(6) سنوات يعمل ويشقى من أجل سد الرمق أو للإيفاء بالتزامات الحياة، وإذا كان الكبار يشكون من هموم اللهث خلف المعايش في سودان الألفية الجديدة باقتصاده الذي انشطر إلى نصفين، وانحسر الذهب الأسود القادم من بلاد الأبنوس، بالإضافة إلى الحصار الأمريكي، فإذن كيف يكون حال أطفال صغار يعملون بالأستوبات بأي ثمن بدءاً من الجنيه والوصول إلى أي رقم، ولكن في النهاية المحصلة واحدة الثمن ليس كل شيء وإنما أن يعيش الأطفال حياة كريمة مراعاة لأوضاعهم السنية، (المجهر) جلست إلى مجموعة من الأطفال بتقاطع المك نمر مع شارع البلدية وخرجت بالمحصلة التالية:
(1)
(5) أطفال (باسل، رماح، آدم، كرنقو، جابر) لكل منهم قصة، جمعيهم يسكنون حي أمبدة ود البشير وخرجوا من بسبب الظروف التي أجبرتهم على مفارقة مراسم طفولتهم الطبيعية، اختاروا “باسل حسين” ذا الـ(12) عاماً للحديث بالإنابة عنهم، وابتدر “باسل” حديثه قائلاً: أعمل يومي (الجمعة) و(السبت) من كل أسبوع هنا في أستوب المك نمر مع البلدية، معي أصدقائي وهم يقيمون معي في نفس الحي، لم نأتِ من تلقاء أنفسنا إلى هذا المكان، وإنما أجبرتنا المعايش وظروف أسرنا الصعبة، على القدوم إلى هنا، ويردف “باسل” بالقول: أدرس في مدرسة أمبدة الحارة (27) بالصف السادس، وأحاول هذه الأيام أن أجمع بعض النقود لتعينني كنمصرفات، وعن طبيعة مكسبه يرد علينا بابتسامة خجولة: نحمدوا على كل حال، ويواصل: بنشتغل بأي سعر، أي حاجة، بننتظر لمن الأستوب يكون أحمر ونمشي على أي عربية نمسح ليهم البدينا جزاه الله خيراً والما بدينا عافين ليهو بس في النهاية بنجري وراء الأرزاق.
(2)
لم يخفِ “باسل” أسفه للعمل وهم صغار واكتفى بكلمتين قد تكونان أبلغ في الوصف حيث قال: الله غالب، يحلم “باسل” بأن يكمل دراسته حتى يصل إلى الجامعة ليدرس الهندسة ويهاجر إلى العيش في أمريكا، وحينما سألته لماذا يريد الهجرة.. قال: بس أخلص جامعة وأمشي أمريكا وأسوق معاي أمي وأبوي وأخواتي عشان نعيش زي الناس البشوفم في التلفزيون.
يواصل “باسل” في سرد إفاداته ويقول: ظروف أهلي زي الزفت عشان كدا بشتغل عشان كمان ألم قروش للمدرسة،
ويختتم “باسل” حديثه قائلاً: ما بنقدر نحدد نهاية اليومين البنشتغلم (الجمعة) و(السبت)، بنطلع بكم مكسب لكل واحد فينا، لكن بنكون مبسوطين لمن الأستوب الأحمر إشارتو تطول عشان نمسح عربية عربيتين.
إفادات “باسل” تكفي دون سرد بقية القصص وفي النهاية المهم الخروج بسؤال واحد كيف نحارب وكيف تحارب وزارة الرعاية والضمان الاجتماعي مع باقي المؤسسات ومكونات المجتمع في القضاء نهائياً على عمالة الأطفال وإيقافها لأنها قاسية.
وتعد مشكلة عمالة الأطفال من القضايا الشائكة التي تحاصر المجتمع السوداني وأحدثت في فترات سابقة جدلاً واسعاً بجميع الأوساط وتناولته وسائل الإعلام بصورة مكثفة، الأمر الذي أحدث تبايناً في الرؤى بين الجهات الرسمية وعدد من منظمات المجتمع المدني حول المعالجات المطلوبة لحماية الأطفال في البلاد رغم اتفاق الجميع على المسببات الحقيقية لعمالتهم.