رأي

بعد.. ومسافة

لقاء “عنتيبي”.. و.. وداعاً “سلفاكير”
مصطفى أبو العزائم
 
قبل نهاية الأسبوع الماضي، وتحديداً يوم (الأربعاء)، تم في “عنتيبي” اليوغندية لقاء جمع الرئيس اليوغندي “يوري موسفيني” برئيس حركة العدل والمساواة “جبريل إبراهيم” ورئيس حركة تحرير السودان “مني أركو مناوي” في إطار تسهيل عمل الوساطة الأفريقية لإحلال السلام في السودان.
قطعاً ودون شك إن نوايا الرئيس اليوغندي هي نوايا خالصة للقيام بدور من أجل السلام في السودان، وقد حدثت تحولات كبيرة في الموقف اليوغندي خلال الأعوام القليلة الماضية، بعد أن تكشفت له حقيقة عدم تورط “الخرطوم” في دعم متمردي يوغندا، وبعد أن تكشف له أن الفوضى الضاربة بأطنابها في دولة جنوب السودان كانت وظلت وستبقى هي السبب الرئيسي والمباشر الذي يعطي جيش الرب اليوغندي وأي فلول معارضة للنظام في “كمبالا” حرية الحركة والتنقل، وفق صفقات متفق عليها مع بعض أصحاب النفوذ العسكري والأمني في دولة جنوب السودان، التي تقف حكومتها عاجزة تماماً أمام الفوضى التي تدار تحت سمعها وبصرها حماية لما تبقى لها من تماسك بعد الانشقاقات التي أخذت تضربها وتخلخل هيكلها، وتضعف عودها يوماً بعد يوم.
من المؤكد أن لقاء “عنتيبي” سيكون له ما بعده، وأن لقاء الرئيس “موسفيني” بقائدي حركتي التمرد الدارفوري جاء بدعوة منه بعد أن شارك في الجلسة الختامية لمؤتمر الحوار الوطني بقاعة الصداقة في الخرطوم مؤخراً، ومن المؤكد أيضاً أن الرئيس “موسفيني” واجه تعنتاً من قائدي التمرد “جبريل” و”مناوي” خاصة وأن أثر مؤتمر الحوار الوطني كان كبيراً على الحكومات والشعوب على المستويين الإقليمي والدولي، وبعد أن طالبت الولايات المتحدة الأمريكية المتمردين وحملة السلاح بالالتحاق بالسلام، وفي هذا تهديد مبطن وخطير بأنها ستسحب عن هذه الحركات دعمها أولاً ثم اعترافها ثانياً، وأنها ستضع يدها على يد الحكومة السودانية من أجل تحقيق السلام وفق مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وهذا سيقضي بالضرورة على أية آمال طيبة في الحصول على دعم الغرب الذي بات يخشى من تداعيات الفوضى في المنطقة وكثير من دول العالم.
نستطيع التأكيد- رغم غيابنا عن هذا الاجتماع– أن موقف الرئيس “موسفيني” لم يخرج عن الإطار العام للخطاب الحكومي السوداني في إلحاق المتعنتين والممانعين والمتمردين بالحوار الوطني، لأن السيد “موسفيني” طالب في محاضرة قدمها خلال انعقاد الجمعية العمومية للحوار الوطني، طالب الممانعين بالانضمام إلى الحوار واللحاق به، ليس لفتح باب جديد للحوار، بل من خلال ما تم الوصول إليه وإنجازه، وهذا- لو يذكر قراء هذه المادة– هو ذات ما قال به الرئيس “عمر البشير”.
ولكن سيظل هناك سؤال قائم في أذهان الكثيرين حول علاقة وتأثير الرئيس اليوغندي بقيادات الحركة الشعبية (قطاع الشمال) التي تتمسك بموقفها الرافض للحوار الوطني، وتتعنت في رفضها ذاك، لذلك لا بد من الرجوع قليلاً إلى الوراء للوقوف على لقاءات سابقة تمت بين الرئيس “موسفيني” وبين قيادات متمردي منطقتي “النيل الأزرق” و”جنوب كردفان”، وقد قدم في تلك اللقاءات المعلنة القيام بدور الوسيط لإجراء مشاورات غير رسمية بين الحكومة السودانية وبين تلك القيادات مساهمة ودعماً لدور الآلية الأفريقية.. لكن قيادات الحركة الشعبية رفضت وتعنتت وتمسكت بموقفها الرافض لذلك الدور اليوغندي، وهو ما سيجعلها تخسر كثيراً بحسابات الربح والخسارة في عالم السياسة وساحات المواجهات الميدانية.
مشكلة دولة جنوب السودان الحالية ليست في مواجهتها للمعارضين المسلحين الذين كانوا جزءاً منها فقط، بل مشكلتها الكبرى في اهتزاز الثقة الإقليمية بها وبدورها في المحافظة على أمن الإقليم والمنطقة، وهذا قد جعل بعض وكلاء الغرب يقربون الصورة الحقيقية لما يحدث، وهو ما يخيف الغرب وحلفاء واشنطن من امتداد تيار الفوضى، ليضرب منطقتي البحيرات والقرن الأفريقي معاً.. وهذا يقتضي حلاً من اثنين، إما تقوية ودعم حكومة الفريق “سلفاكير ميارديت” وهذا مستبعد حالياً لضعف موقفه، ولعدم الثقة في نظام حكمه بعد رفضه للحلول المقدمة من دول المنطقة و”إيقاد” والأمم المتحدة، أو تقوية ودعم المعارضة الجنوبية، وهذا ربما يحدث الآن بصورة سرية غير معلنة، لكن النتيجة المتوقعة، والمطلوبة في ذات الوقت، هي إقصاء الرئيس “سلفاكير” عن سدة الحكم، وهدم هيكل حكمه، لإعادة بناء منظومة حكم جديدة تستوعب القيم العالمية الجديدة في الحكم والمتمثلة في الحريات والديمقراطية وحماية المجتمعات من الفوضى الناتجة عن تجارة السلاح أو تجارة البشر.
لقاء “عنتيبي” له ما بعده.. سيلحق المتمردين بالحوار ولو بعد حين، لكنه سيعمل من خلال النتائج المتوقعة على إقصاء الفريق “ٍسلفاكير” عن مقعد الحكم قبل نهاية العام، والذي لن يكون مرحباً به في أي من “الخرطوم” أو “كمبالا”، بحيث يصبح أمامه خياران إما حمل السلاح والعودة إلى الغابة لاستعادة مجد تليد وحكم سليب، أو قضاء شيخوخة هادئة وحذرة في “نيروبي”.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية