رأي

عز الكلام

ثبات المقاييس وروشتة للرقيص!!
أم وضاح
 
حديث طويل ونقاش مستفيض دار بيني ومستثمر سوري يدير سلسلة من الأعمال الناجحة في السودان، انتهزت الفرصة من خلال الحديث لأسأله عن رأيه في الاستثمار في السودان، وقبلها كنت قد سألته عن أهم ما لفت نظره في الشعب السوداني، والانطباع الذي كونه بعد الفترة التي قضاها في الخرطوم. وفي هذه النقطة تحديداً أسهب الرجل وأفاض لدرجة أنني شعرت بالزهو وهو يعدد فضائل الشعب السوداني، وكيف أنه شعب (ما في مثله) كما قال، وأنه من دون شعوب الأرض لديهم قدرة كبيرة على احتواء الآخر والتأقلم معه وجعله ينفض عن نفسه غبار الوحشة. وأنك في الخرطوم لا تشعر إلا بالحميمية المتدفقة من أي شخص تقابله! لكنه قال ويبدو أن الحلو ما يكملش يا سيدتي بلادكم ينقصها فقط (ثبات المقاييس) وعندما قلت له ما فهمتك، قال لي موضحاً الأشياء عندكم غير منطقية ولا عادلة، فقلت له كيف يعني؟؟ فقال لي خليني أشرح ليك بشيء أفهمه وهو أقرب إلى ما يجعلك تفهمين أيضاً، يعني مثلاً في كل بلاد الدنيا العربات النيسان هي أقوى وأمتن العربات لكنها في السوق السوداني هي أقل سعراً من عربة موديل (الكلك) مثلاً وهو سعر ومنطق يحكمه السوق بلا مبرر ولا معطيات، وبدا لي أن الرجل قد أهداني موضوعاً جاهزاً للكتابة من حيث لا يدري وبلادنا هذه بالفعل ليس فيها واقعية ولا منطق للأشياء، يعني مثلاً يستوزر وزير على وزارة ليس له بها علاقة ورمته فقط رياح المحاصصة أو التمكين عليها، وفيها من فيها، من الكفاءات والتخصصات التي تستطيع أن تسير دولاب العمل فيها على أفضل ما يكون دون أزمات أو عراقيل أو متاريس، لكنه يظل وزيراً رغم أنف المنطق والمعقول.
نعم بلادنا بلا (واقعية) والحركات المسلحة مثلاً التي تقدم نفسها طريقاً لخلاص الشعب السوداني وسبباً لحل أزماته، تراوغ وتزايد قبل أن تجلس إلى طاولة الحوار لكلمة سواء، وحتى لو جلس بعضها فهو يضع يده اليسرى فوق المنضدة ومن تحتها يحمل الكلاش باليمين وفي وضع غريب، إذ كيف يحاور ويقاتل في ذات التوقيت!!
نعم بلادنا بلا واقعية ووظائف كثيرة شُغلت بمن لا يستحقها وآلاف الخريجين الأكفاء الذين (طرشوا الدم) كفاحاً هم وأهلهم حتى أكملوا دراستهم الجامعية، لم يجدوا فرصة للعمل وتحطمت كل آمالهم وهم الآن جلوس في انتظار فرج قريب أو هجرة بعيدة، يزينها لهم مروجو الأحلام الكاذبة والآمال التي تتحطم في المرافئ والموانئ، حينما تتحطم مراكب الموت التي تحملهم إلى هناك!
نعم بلادنا بلا واقعية ومبدعون كبار وعظام انزووا عن المشهد وابتعدوا لأنهم لا يعرفون مسح الجوخ أو إدارة فن العلاقات العامة، ليفسحوا المجال لأنصاف المواهب والفاشلين الموهومين.. أعتقد أن حديث الرجل قد مس الحقيقة في قلبها تماماً، والمسألة ليست فقط في مفارقة أن تكون الكليك أغلى من النيسان المشكلة الأكبر في من هو عربة كارو ومركب ماكينة همر!
{ كلمة عزيزة
برأي هي نصيحة غريبة لمجتمع مثل مجتمعنا السوداني تلك التي أطلقتها وزارة الصحة للنساء (بالرقص) لتفادي الإصابة بالسرطان، خاصة والمرأة السودانية ليست لديها ذات فرص الترفيه التي تجدها أخريات على الأقل في الوطن العربي، وغالباً إن لم يكن دائماً ما يستكثر عليها الرجال أن تمنح نفسها قسطاً من الدلع بممارسة الرياضة أو أي شكل من أشكال التخفيف عن النفس من ضغوط الحياة ومتاعبها، وتظل مطلوب منها أن تكون آلة تعمل بدوام كامل خارج المنزل وداخله، وقليل من الرجال أظنهم مستعدون أن يتنازلوا لزوجاتهم عن ساعة في اليوم تقضيها الواحدة خارج المنزل، في ملعب أو نادي أو أي نشاط آخر، لذلك أحسب أن نصيحة الصحة جاءتنا في جرح والرقص أصبح ضرورياً بأمر (الروشتة) بس محتاجين توضيح أكثر، أيهم أكثر نفعاً عشرة بلدي واللا رقبة واللا رقصة القرد.
{ كلمة أعز
السيد الرئيس قال في خطابه أمام شورى المؤتمر الوطني، إن الشعب السوداني محتاج أن يعطى الأمل في المستقبل، وهو برأيي حديث مهم لأن الإحباط هو وحده من يكسر المجاديف ويقلل إيمان الناس ببكرة، لكن كمان إعطاء الأمل يحتاج أن يكون الباعث له شخوص مؤمنون به وقادرون على تحويل الأمل والأمنيات إلى واقع ملموس، يحملون النوايا الصادقة والهمة والعزيمة إلى تغيير الواقع إلى حال أفضل وأجمل!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية