عابر سبيل
هل هذه البلد معدمة؟
ابراهيم دقش
“البلد ما فيها قروش”!.. جملة يردّدها البعض هذه الأيام ومع ذلك فالطائرات (محجوزة) بالكامل وتطير كل يوم أربع سفريات إلى دول الجوار.. وأيضاً رياض الأطفال تنتشر ومصاريفها بالملايين، بل تقام حفلات تخريج لأطفال في سن الخامسة والسادسة وكأنهم تخرجوا من (السوربون).. أما الجامعات فحدث ولا حرج عن مصاريفها الباهظة خاصة بعض الجامعات الخاصة التي تتعدى العشرين ألفاً من الجنيهات.. والمذهل أن بعض المدارس الخاصة تنافس مصاريفها مصاريف الجامعات.. والمباني الأسمنتية تتطاول في كل أنحاء العاصمة لدرجة أن بعض العمارات لا تجد لشققها سكاناً أو مؤجرين.. ولو حدثتكم عن راتب خادمات المنازل لأصابكم الدوار بخاصة إذا عرفتم أن مرتب الخادمة يفوق مرتب (أجعص) خريج جامعة بما فى ذلك الأطباء.. وتقولون “البلد ما فيها قروش” والدولار (الأخضر الإبراهيمي) كما يسميه سراً تجار العملة وصل.. سعره بالمحلي (16) جنيهاً، ولِمَ لا إذا كنا نستورد زيت الطعام وحتى السمك مع وجود البحر الأحمر، وأطول أنهار العالم وروافده في ديارنا كما نستورد (لزوم ما لا يلزم) مثل اللبن طويل الأجل والعصائر وفاكهة اسمها (الكوي)!
لقد تساءلت من أين للجنة الشأن المعيشي بالبرلمان بالرقم (20%) باعتباره ما يغطي تكلفة المعيشة فإذا بالمجلس الأعلى للأجور يخفض الرقم إلى (16%) على أساس أن تكلفة أسرة من أربعة أفراد أربعة آلاف جنيه تقريباً.. بينما الحد الأدنى للأجور (425) جنيهاً.. وفي ضوء ذلك لوح اتحاد نقابات العمال بالإضراب.. وهل يحل الإضراب المشكلة أم يفاقمها؟
وأراني أتعجب من حديث الأخ “عبد الرحمن حيدوب” رئيس المجلس الأعلى للأجور بأن مفارقات الأجور وتكلفة المعيشة في بلاد السودان قضية متجذرة وحادة ومستعصية، فكأنما يريد أن يقول لنا أن ننتظر الله في “الكريبة”!
فقط أود أن أذكره بذلك الأمريكي الشاب الذي تخرج في جامعة هارفارد الشهيرة والتحق بالبنك الدولي وكانت أول مهمة له في السودان لدراسة تلك المفارقة العجيبة بين الأجور والمنصرفات.. فوجد أن البون شاسع فبدأ يسأل “عينة” عشوائية من العاملين من أين يسدون (الفرقة).. وكانت إجاباتهم عليه جملة واحدة: الله كريم!.. وعاد إلى واشنطون وكتب تقريره وقال فيه بالحرف: “في السودان هناك مفارقة حادة بين الأجور والمنصرفات الحقيقية، ولو لا وجود شخص اسمه “الله كريم” لمات السودانيون جوعاً!