عابر سبيل
الإنجتيرة .. هل من عودة هل ؟
ابراهيم دقش
هناك حوار إستراتيجي بين السودان وبريطانيا بدأ في مارس الماضي، وجولته الثانية انتظمت في “لندن” هذا الأسبوع، وكعادة الإنجليز فإن الحوار يتم على نار هادئة، ولا يتسرب من الاجتماعات الخاصة به إلا رؤوس المواضيع. فكل ما فهمناه من الجولة الأخيرة على لسان الوفد السوداني أن الهجرة غير الشرعية والتطرف كانتا على رأس القائمة، علاوة على تفعيل الجوانب الاقتصادية .. وأكاد أقرأ ما بين السطور أن بريطانيا (ورئيس وفدها وكيل وزارة الخارجية السير “سايمون ماكدونالدز”) زهجت من تدفق المهاجرين غير الشرعيين القادمين من السودان ومن بلاد أخرى، وتريد أن تطمئن أن الحكومة السودانية ضد التطرف (أي تطرف، بما فيه الديني) وتعمل على الحد منه ثم بعد ذلك تلوح بتشجيع التعامل الاقتصادي بين البلدين، والذي كان في زمان مضى مزدهراً، كما كانت بعثات المجلس البريطاني ووزارة التنمية لما وراء البحار الممنوحة للسودان في الستينيات والسبعينيات (على قفا من يشيل).
في آخر عهد “طوني بلير” كرئيس للوزراء في بريطانيا، كنت في العاصمة البريطانية، واتصل بي مسئول في وزارة الخارجية ليطلب مني أن أمنحهم من وقتي ساعة ونصف الساعة للحديث مع ثلاثة خبراء (من السوق) يضعون إستراتيجية للتعامل مع السودان، ولما وافقت طلب مني التوجه في ساعة معينة عبر قطار الأنفاق (المترو) إلى محطة معينة أجد فيها مندوبهم ليأخذني إلى حيث يوجدون … وكان حديثي مع الرجال الثلاثة صريحاً وواضحاً بدأته بنقطتين:
الأولى: إن (الخواجات) الذين يعرفون السودان أو عملوا فيه إما ماتوا أو تقاعدوا الأمر الذي خلق “فجوة” أجيال في العلاقة بين البلدين .
الثانية: إن جيلنا – وكنا وقتها أغراراً- عرف التعامل بالعملة البريطانية التي تحمل صورة الملك جورج الخامس وجورج السادس بل وتعاملنا مع أطفال إنجليز، ففي حالتي لعبت في طفولتي مع (جون) نجل مفتش السكة حديد في خط بور تسودان المستر “شوفلن” .. ثم ذهب معظمنا في بعثات لبريطانيا . وقلت لهم إني شخصياً فضلت بريطانيا على جامعة سيركيوز الأمريكية،
ثم فاجأتهم بأن السودانيين العاديين خُذلوا في الحكومة البريطانية لمتابعتها لأمريكا فأطلقوا عليها (البغلة التي تتابع الخيل)، انطلاقاً من معرفتهم القديمة للإمبراطورية البريطانية التي كانت لا تغرب عنها الشمس !
وقد أمطرني الخبراء بسيل من الأسئلة الصريحة ولم أتردد في الإجابة بموضوعية شديدة .. .. وشكروني مؤكدين أني حقيقة كنت لهم (فاتحة عين) ولا علم لي – حتى الآن – إن قبلت الحكومة البريطانية إستراتيجيتهم تلك، لكني لا أستبعد أنها المرجعية للحوار الإستراتيجي المذكور (فالجماعة ديل، بالهم طويل !).