"علي عثمان".. لماذا الأجدر بمنصب رئيس الوزراء!
بقلم – عادل عبده
حقائق الأشياء تؤكد بأن منصب رئيس الوزراء في المرحلة القادمة من خلال تنفيذ مخرجات الحوار الوطني على بساط الواقع، صار على رأس أولويات الاهتمامات والأحاديث والتقييم من الشارع العام والمراقبين السياسيين، بحسبانه الرافعة القوية والمنصب الخطير الذي يشكل تحديد مسارات البوصلة التنفيذية المرتبطة برسم التوجهات العامة التي اندلقت من حصيلة مداولات الحوار الوطني.. السؤال المنطقي.. من يكون صاحب هذا المنصب اللامع والمتميز؟.. وهل سيكون الجالس على كرسي رئاسة الوزارة المرتقب على قدر التحدي التاريخي والعشم المسربل في الأفق البعيد؟.. أغلب الإرهاصات تؤكد بأن هذا المنصب سيكون من نصيب المؤتمر الوطني، وقد لاحت على السطح ترشيحات لبعض القيادات في الحزب الحاكم، في حين لم يوصد الباب بشكل قاطع حتى الآن حول إمكانية إسناد هذا الموقع إلى إحدى الشخصيات السياسية من الأحزاب الأخرى المشاركة في الحوار الوطني.
إذا حاولنا إضاءة المصابيح على قيادات المؤتمر الوطني في سياق التقييم العميق والتأمل الشفيف حول التقاط الرجل الأجدر على تولي رئاسة الوزارة في حقبة ما بعد تحرك قاطرة الحوار الوطني، فإن العيون الثاقبة سوف تتوجه إلى ناحية الأستاذ “علي عثمان محمد طه” القيادي في المؤتمر الوطني والنائب الأول السابق لرئيس الجمهورية.. لماذا التوجه إلى “طه”؟.. لا شك أن “علي عثمان” يمتلك خبرة سياسية طويلة فقد ارتبط بالحركة الإسلامية منذ صباه الباكر، حيث تجلت قدراته القيادية ومزاياه التنظيمية حتى أصبح رئيساً لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم خلال فترة حكم “النميري”، وقد ظلت بصماته وتحركاته هائمة في الأجواء، وقد اختاره “الترابي” في خطوة دراماتيكية نائباً للأمين العام للجبهة الإسلامية القومية في منتصف الثمانينيات على حساب الحرس القديم في البطارية الإخوانية، وقد ظل “الترابي” يدفعه إلى المواقع والتكاليف التي تحتاج إلى مطلوبات الكفاءة والدراية والتميز والحكمة.. كان “طه” الرجل القابض في مرجعية الإنقاذ خلال فترة الحكم الأولى يدير الدولة في الخفاء، وقد تولى بعد ذلك وزارة التخطيط الاجتماعي والخارجية حتى اختاره الرئيس “البشير” نائباً أول له بعد رحيل المشير “الزبير محمد صالح”.
يعتبر “طه” مهندس اتفاقية (نيفاشا) التي فصلت جنوب السودان وتركت واقعاً جديداً على الخريطة الوطنية، وقد حاول البعض تحميله مسؤولية فصل الجنوب، غير أن تلك الاتهامات ظلت تمشي على ساق واحدة، بحسبان أن الجنوبيين أنفسهم اختاروا الانفصال بمحض إرادتهم، وأن “طه” كان يشاور “البشير” بعد كل جولة في مفاوضات (نيفاشا)، فضلاً عن ذلك فإن مجلس الوزراء أجاز بالإجماع يومذاك ملامح الاتفاقية.
طريق طويل محفوف بالمخاطر الكثيرة والتجارب العديدة قطعه “طه” في مسارات السياسة والتكاليف العامة، من خلال لوحة متشابكة أكسبت الرجل القدرة الصحيحة والذكية على تقدير المواقف، وتلمس قدسية خدمة المواطنين والابتعاد عن الابتذال والمظاهر وتطبيق لوازم الإيقاع التنفيذي ورسم النكهة المعتدلة على الفضاءات، وبذلك تتأطر التوضيحات التي تجيب عن السؤال الكبير.. لماذا “طه” هو الأجدر بمنصب رئيس الوزراء؟.. الشاهد أن أسلوب “علي عثمان” يختلف مع بعض قيادات حزبه المرشحين لهذا المنصب الكبير، فهو يستطيع التحكم على الفرامل ولا يدلق العواصف في الساحة، فضلاً عن ذلك يتمتع الرجل بالقدرة على الإبانة واللسان الذرب وأيضاً يستوعب “طه” قراءة المرايا الداخلية للمشير “البشير”، فقد تعامل معه لسنوات طويلة وكانا شريكين في إصدار قرارات مصيرية تصم الآذان.
من نافلة القول إن “طه” قد لا يصلح لقيادة المجلس الوطني الموسع إذا رشح لذلك، فالواضح أن البرلمان القادم هو تنسيقي مبني على الحركة التلقائية المنبثقة من توجهات ومخرجات الحوار الوطني، في حين أن “علي عثمان” تتأطر فوائده وقدراته في البرلمان المتعدد الاتجاهات والمشارب على نمط قوس قزح.. أما إذا تواضعت الكتلة الحوارية على منح منصب رئيس الوزراء إلى شخصية من خارج المؤتمر الوطني، فإن ذلك ربما يجعل توجهات ماكينة المرحلة القادمة تندلق إلى مسارات أخرى على نطاق الهرم التنفيذي.