حوارات

البروفيسور "أحمد المجذوب" في تشريح للواقع الاقتصادي لـ (المجهر) (2-2)

التعدين الأهلي سد فجوة غير مخططة في تقليل نسبة العطالة بالبلاد
معالم تنفيذ البرنامج الخماسي لازالت تشوبها الضبابية
الجهاز المصرفي السوداني يعاني من إشكال حقيقي في تمويل برامج التنمية
قانون الشراكة بين القطاع العام والخاص لم يصل مجلس الوزراء رغم مرور عامين  على  البرنامج
سياسات الدولة غير المجزية ساعدت في تهريب الذهب
قال البروفيسور “أحمد المجذوب”: إن قدرة الجهاز المصرفي السوداني في تمويل برامج التنمية، تكاد تكون معدومة، لاسيما فيما يتعلق بالتمويل طويل الأجل، مما اعتبره إشكالاً حقيقياً للتنمية. وشدد “المجذوب” على ضرورة تكوين آلية لمتابعة تنفيذ البرنامج الخماسي، حتى يحقق أهدافه، وفي مقدمتها معاش الناس. وقال خلال الحوار الذي أجرته معه (المجهر)، بشأن السياسات الجارية وقضايا الإصلاح الاقتصادي: إن حزمة السياسات التي تتخذ لابد أن  تعبِّر عن الانحياز لهذا الموضوع، الذي يعتبر التزاماً سياسياً أعلنه الرئيس في خطابه أمام البرلمان. فيما يلي الجزء الثاني من الحوار
حوار – وليد النور

{هل حقق البرنامج الخماسي هدفه في تخفيف أعباء المعيشة؟
البرنامج الخماسي أهدافه قريبة لبعضها،  لكن الأهم كان التركيز حول معاش الناس الذي أصبح قضية محورية بالنسبة له. وبالتالي مفترض على الأقل أن حزمة السياسات التي تتخذ تعبِّر عن الانحياز لهذا الموضوع، الذي يعتبر التزاماً سياسياً أعلنه الرئيس في خطابه أمام البرلمان، وتم اعتماده شعاراً أساسياً  للبرنامج.
 {لكن هل يوجد تناغم بين هذه الحزم والسياسات الواردة في البرنامج بشأن التنمية؟ 
 حتى الآن هنالك إشكال حقيقي، في تدفق التمويل نحو التنمية. يعني أن القطاع المصرفي السوداني قدرته في تقديم تمويل طويل الأجل تكاد تكون معدومة، والتمويل متوسط الأجل نادر جداً، أما قصير الأجل، ففي تقديري، أنه حتى الآن دون الطموحات. مثلاً قطاع الثروة الحيوانية والقطاع الزراعي يمثلان أكثر من (30%) من الناتج الإجمالي القومي، يفترض أن تكون حصتهما تتناسب مع مساهمتهما في الناتج القومي.
{هل توجد نسب توضح ذلك ؟
هنالك بعض النسب. ولكن لازال تدفق التمويل في قطاع الصناعة والزراعة لا يتناسب مع ما يستهدفه البرامج . وهذا يعني أننا بحاجة إلى مراجعة حزمة السياسات النقدية. ونموذج أن قطاع الزراعة والثروة الحيوانية ظلا يمثلان نسبة كبيرة، لا تقل عن (32%) منذ عام 2011- 2014م، إذا نظرنا التمويل، مثلاً، نصيب الزراعة في سنة  2011 كان في حدود (6.3%)، والصناعة كانت في حدود (23%)، والصادر الذي هو هدف من الأهداف الرئيسة (3%)، في حين أن التجارة المحلية كان نصيبها      (16%)، والاستيراد (10%) ، وأخرى معناها ليست زراعة أو صناعة، حصتها (24%) . وإذا أخذنا أنموذج الزراعة  في 2011 مقارنة مع العام  2014م، سنجد أن الزراعة تحسنت إلى حد ما، وارتفعت إلى (15%) والصناعة (13%) والصادر (4%) والتجارة المحلية (17%) زادت مما كانت عليه.  لذلك نحن محتاجون لمراجعة السياسات النقدية، حتى تخدم السياسات الاقتصادية الإنتاجية الكلية.
{ولكن البنك المركزي يتبنى سياسة تحرير التمويل ؟
صحيح، ولكن أن لم تحقق سياسات تحرير التمويل أهدافها ينبغي على المركزي أن يتدخل. لأنه لا يمكن أن تحقق أهدافك بدون تدخل، أياً كان شكل التدخل، بحوافز أو بسقوف في التمويل.
{ولكن ..هل ترى أن هذا الإجراء سيكون الحل المناسب؟
في تقديري هذا الإجراء سيكون مفتاحياً بجانب تقوية جهاز المتابعة للبرنامج الخماسي. وأنا أقول حتى الآن، أن معالم تنفيذ البرنامج الخماسي لازالت تشوبها الضبابية، بجانب أن الجهات الشريكة في البرنامج الخماسي غير ملمة بواجباتها،  لاسيما أن قانون الشراكة بين القطاع العام والخاص، حتى الآن مسودته – أجيزت أم لم تجز- في وزارة المالية، دعك من أن تصل إلى مجلس الوزراء أو المجلس الوطني، في حين أن عامين من زمن البرنامج انقضين.
{تعني، عدم وجود متابعة.. مثلاً ؟
في تقديري أنه مع وضع مصفوفات للموضوعات الأساسية، التي تمثل أهدافاً إستراتيجية للبرنامج من قبل الجهات المسؤولة عن هذا التنفيذ، فإنه ينبغي أن تكون واضحة، وتحدد مستوى المتابعة، ليس عن طريق الشهر، بل يمكن أن تكون  أسبوعاً بأسبوع، حتى يحدث تقييم في نهاية العام للبرنامج الخماسي. وهو ما لم يحدث، حتى نصطحب المسائل الإيجابية التي تحققت ونتعرف على الإشكالات التي قابلت البرنامج، لأن تحديد الأوليات بصورة قاطعة، وحشد السياسات لتنفيذ هذه الأولويات هو مربط الفرس في تنفيذ البرنامج الخماسي. وأنا أقول سيظل تحدي سعر الصرف قائماً إذا لم تتم معالجة حقيقية للجانب الإنتاجي.
{هل ترى أنه يجب خفض الإنفاق الحكومي وفي مقدمته مخصصات الدستوريين؟
أنا اتفق معك أن  حزمة الإجراءات قصيرة الأجل، لابد أن تشمل تخفيض الإنفاق الحكومي. وأنا تحدثت عن القرارات الإدارية التي ساعدت في توفير التمويل في البرنامج الخماسي، والعجز ظل في الحدود الآمنة. والقطاع الخارجي لم يتمكن من تحقيق أهدافه والجانب الإنتاجي لم يتم أيضاً تحقيق أهدافه. وبالنسبة لي أن أي إجراءات مالية إضافية ستؤدي إلى الزيادة في رفع الأسعار، لأنه في النهاية أنت عملت إجراءات، يجب أن  تقابلها بزيادة للأجور. وهذه زيادة للإنفاق وزيادة لتكلفة الإنتاج، وزيادة  للسعر. إذاً أفضل شيء على الأقل، حزمة الإجراءات، إذا اتجهت نحو التوسع في إلغاء الدعم، مثلاً، في قطاع النفط . فالدولة أكبر مستهلك له، هل العائد الذي يأتي للدولة من إلغاء الدعم يساوي الآثار الاقتصادية، أم لا ؟
{وفي تقديرك ما الحل؟ 
الحل يكمن في تصحيح الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد، مع  مراعاة الآثار المتقاطعة للعوامل المهمة حتى لا نعمل إجراء يلغي بأثر آخر. نعم خفض الإنفاق ضرورة من الضرورات، ولأن السودان يشهد أكبر تمثيل دبلوماسي، ولكن ما هي أولوياتنا الخارجية؟ أنا أقول صحيح التسويات السياسية ساهمت في زيادة  الأجهزة الدستورية والتنفيذية، لكن ينبغي أن نتوسع بالقدر الملائم. يعني هل نحن محتاجون لثماني وزارات في الولايات أم  خمس وزارات ؟وهل نحن محتاجون لمجالس تشريعية من خمسين أو ستين عضواً،أم تمثيل أقل؟ لماذا لا يصدر قرار يلزم الدستوريين في الحكومة بركوب السيارات المنتجة محلياً، وبذلك نكون شجعنا الناتج المحلي، ووفرنا عملات أجنبية ؟ وأنا أقول إن خفض الإنفاق الحكومي ضرورة، ولكن مهما كان خفض الإنفاق فإنه  لا يعطينا حجماً كبيراً. هو فقط  يعبِّر عن التزام سياسي، وتناسق مع سياسة ربط الأحزمة التي  أعلنتها الدولة. ولذلك عندما يرى المواطن أن الدولة اتخذت حزمة إجراءات مستهدفة الإنفاق الحكومي، سيتفاعل  ويتعامل مع هذه الحزمة.
{ كثر الحديث عن الفساد المالي والإداري؟
أنا شخصياً أقول: إذا أخذنا تقرير المراجع العام مؤشراً حقيقياً يعبِّر عن التعدي عن المال العام، فإن هنالك تراجعاً كبيراً وتحسناً. ولكن التحدي الحقيقي هو كفاءة وفعالية جهاز الخدمة المدنية وكفاءته، تتناول جميع الجوانب، لأن الدولة ما لم تجد جهازاً إدارياً فعالاً وكفئاً في التعامل مع المستثمرين، بخصوص سرعة الإجراء الإداري، لن ينصلح الحال، خاصة نحن مصنفون في ذيل الدول. لأن الدول المتقدمة تعتمد في تنفيذ برامجها  بنسبة (80%) على القطاع الخاص الداخلي، والخارجي. لذا ينبغي عليها أن تولي عملية الاستثمار وعملية الإجراءات الإدارية الخاصة بالاستثمار عناية خاصة حتى تستطيع جذب مزيد من الاستثمار.
{ المراجع العام أورد بعض الملاحظات والتجاوزات في المال العام؟
نحن حقيقة في لجنة الشؤون المالية والاقتصادية عملنا متابعة مباشرة بيننا، والمراجع العام للتأكد من أن هذه التوصيات سارت في مسارها الصحيح، والأمر الثاني عملنا مراجعات قطاعية، وهذه جلسنا مع كل الجهات المختصة عملنا جلسة مع وزارة المالية، والبنك المركزي والبنوك الحكومية، حتى نطمئن أن تنفيذ التوصيات الصادرة من المراجع العام، وجدت حظها من التنفيذ، نحن بالنسبة لنا المؤشرات العامة، هنالك التزام قاطع من الدولة، هنالك لجنة مكونة من رئاسة الجمهورية، تنظر في تقرير المراجع العام، والتأكد من نفاذه .نحن متواصلون مع المراجع العام . إذا كان هنالك عدم تجاوب، البرلمان جاهز،  واللجنة جاهزة  لاتخاذ التدابير، الخاصة،  بالاستدعاء والمساءلة.
{  ما تقييم اللجنة لتنفيذ وزارة المالية للموازنة ؟ 
أنا لو سألتني، سأقول لك أطلعنا على تقرير ربع سنة، وعادة لا يكون كافٍ لتقييم أداء الموازنة، لكن إجمالاً الموازنة فيها مكونين الموازنة الجارية، والتنموية الجارية، حتى الآن في انسياب في الرواتب، وفي أجهزة الدولة، لكن لا يمكن الحكم عليها بدون بيانات تفصيلية، تبيِّن الأداء الكلي. نحن نتوقع نستهل العام بتقرير من وزارة المالية.
{ ما أثر تهريب الذهب على الاقتصاد، كما تشير أصابع الاتهام للمعدنين الأهليين  ؟
طبعاً، التعدين الأهلي خلق فرص عمل  واسعة، واستوعب قطاعاً كبيراً من الشباب الباحث عن العمل وقدم إنتاجاً حقيقياً. وأنا أقول: التعدين الأهلي سد فجوة غير مخططة في تقليل نسبة العاطلة، والتعدين الأهلي وحتى الآن، فإن حصة إنتاجه تمثل أكبر حصة في إنتاج الذهب في السودان . وبالتالي حقق التعدين الأهلي إضافة حقيقية في الإنتاج القومي.
{ولكنه فتح باباً للتهريب والذي طال كميات كبيرة من الذهب؟
كونه ساعد على التهريب هذا نتيجة سياسات. وإذا الدولة اتخذت سياسات سليمة، وقدمت أسعاراً مجزية للمنتجين فلن يحدث تهريب. فالمنتج إذا وجد سعراً مجزياً عند أي طرف سيبيع له. فكون الدولة لم تقدم أسعاراً مجزية  فإنها تعتبر هي المتسببة في التهريب .
{ الولايات المتحدة الأمريكية أصدرت – مؤخراً – بعض القرارات برفع الحظر جزئياً عن بعض المعاملات.. كيف تنظر للأمر وتأثيراته ؟
والله أنا أريد القول إنه مهما اتخذت الولايات المتحدة من قرارات ستظل سياستها هي خنق الاقتصاد السوداني.  لأن التوجه الكلي ليس فيه انفراج. حتى الندوة الأخيرة التي عقدت ودعيت لها أطراف سودانية للمشاركة، هي بغرض التعريف بكيفية تنفيذ العقوبات على السودان من الأجهزة المختصة، في الولايات المتحدة الأمريكية. وأمامنا  القرار الصادر في قضية  مدمرة (كول) يوضح جملة المؤشرات السياسية اتجاهنا .. بجانب قانون العدالة الخاص بمقاضاة المملكة العربية السعودية، فإن تلك المؤشرات تظهر أن الإدارة الأمريكية تهمها مصالحها فقط. وفي رأيي أن على السودان أن يفكر بشكل مستقل ولكنه لا يستغنى عن التعاون مع كل المؤسسات الدولية، وأن يعمل باتجاه كيفية تجاوز الواقع القائم حتى لو لم  يتحقق فيه أي انفراج.  والسودان اقتصاده يتمتع بمزايا كبيرة تجعله لا يحتاج إلى العالم الخارجي، في كثير من الأشياء.
{ حتى .. رغم الإشادة الأمريكية بالسودان في تعاونه بمنع تهريب البشر؟
هذه كلها تعبِّر عن أجندة الغرب ولا تعبِّر عن أجندتنا.. ولكن السؤال المهم  هو أن على الغرب أن يسأل نفسه:  لماذا هاجر الناس من دولهم إليه؟ الإجابة هي سياسات الغرب الاستعمارية، التي أدت إلى إفقار دول العالم الثالث. والآن كل الصادرات من العالم الثالث تستورد بأبخس الأثمان، في حين أن صادرات دول العالم الأول تورد بأعلى الأثمان.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية