بعد.. ومسافة
“السعودية” في عيدها الوطني
مصطفى أبو العزائم
تاريخ نشأة المملكة العربية السعودية، وتأسيسها على يد مليكها الراحل “عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود”، هو تاريخ حافل بالعزيمة والإصرار والإيمان القوي بأهمية توحيد كثير من المناطق في شبه الجزيرة العربية، سواءً أكان ذلك في مناطق جنوب نجد والسدير والوشم أوائل القرن العشرين، أو في مناطق القصيم والإحساء وعسير وحائل وجازان بعد ذلك، إلى أن تمكن “الملك” المؤسس “عبد العزيز آل سعود” من ضم منطقة الحجاز بين عامي 1925- 1930، ثم تولى الحكم في أعقاب ابتعاد “الشريف حسين” عن المقعد الأول، ليبدأ “الملك” المؤسس ترتيباته الخاصة بهياكل الدولة الجديدة، ويعلن بأمر صدر في السابع عشر من شهر جمادى الأولى عام 1351 هجرية الموافق التاسع عشر من شهر سبتمبر عام 1932م، عن إعلان وتوحيد البلاد، وتسميتها باسم المملكة العربية السعودية اعتباراً من يوم (الخميس) (21 ) جمادى الأولى 1351 هجرية الموافق (23) سبتمبر 1923م، وذلك بعد أن كانت تحمل اسم مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها، المملكة العربية السعودية، ومنذ إنشائها أخذت تؤسس لإنشاء دولة حديثة، وعملت على تحسين علاقاتها الخارجية، على اعتبار أنها دولة ذات طبيعة خاصة لا تشابه طبيعة أية دولة أخرى، إذ أنها تضم بيت الله الحرام في مكة المكرمة، وتضم قبر نبي الإسلام سيدنا “محمد” – صلى الله عليه وسلم – في المدينة المنورة، لتصبح مهوًى لأفئدة المسلمين من كل جنس ولون وبلد، لأنها أرض الحرمين الشريفين.
وعمل الملك “عبد العزيز آل سعود” الذي قاد مقاومة عنيفة وحرباً طويلة من أجل توحيد بلاده، استمرت لثلاثين عاماً، عمل على إنشاء دولة عصرية حديثة، فأهتم “الملك” المؤسس وأبناؤه الملوك من بعده بتنمية الإنسان من خلال تصحيح العقيدة المسلمة نحو التوحيد الخالص وعدم الشرك بالله العلي العظيم، ومن خلال إنشاء دور العلم والمدارس والجامعات في كل مناطق المملكة العربية السعودية، وتوفير كل الخدمات، ليس لأبناء المملكة العربية السعودية وحدها، بل للملايين الذين يفدون للأراضي المقدسة كل عام لأداء فريضة الحج، أو لأداء العمرة في أوقات مختلفة من العام.
يوم (الجمعة) الأول من أمس كانت الذكرى السادسة والثمانين لتوحيد المملكة العربية السعودية، وصادف أن جاء احتفال هذا العام في أيام مباركة أعقبت حج العام 1437 هجرية، ولم يحدث تاريخياً أن صادف احتفال أشقائنا السعوديين بذكرى توحيد المملكة يوم عرفة إلا مرة واحدة، حيث وافق اليوم الوطني السعودي الخامس والثمانين يوم (الأربعاء) التاسع من ذي الحجة لأول مرة منذ إنشائها.
ويحتفل أشقاؤنا السعوديون اليوم في الخرطوم بهذه الذكرى وفي مقدمتهم سفير خادم الحرمين الشريفين سعادة السفير “فيصل بن حامد معلا”، وأعضاء البعثة الدبلوماسية السعودية في الخرطوم، وهو احتفال سنوي درج سفير المملكة العربية السعودية على إقامته كل عام، لكن احتفال هذا العام يجيء وقد قويت علاقة البلدين وعادت مثلما كان من قبل، بل أقوى في عهد القيادة الحكيمة والذكية لخادم الحرمين الشريفين الملك “سلمان عبد العزيز آل سعود”، كما أن الاحتفال نفسه هذا العام يجئ وقد أظهر الواقع ضرورة وأهمية التضامن الإسلامي والعربي في مواجهة الأخطار الإقليمية أو الدولية.
كما يجئ احتفال الشقيقة السعودية هذا العام وهي تواجه مخاطر التحرش الصفوي الإيراني بالمملكة العربية السعودية التي لم تتوان عن حماية بيت الله والأراضي المقدسة، يظهر قادة إيران يطالبون بتدويل إدارة الحرمين ليصبوا الزيت على نار الفتنة، والعالم لم ينس لطهران دورها الكبير في دعم الإرهاب وضلوعها في التفجير الإرهابي على السفارة الأمريكية في بيروت، وثكنات السفارة الأمريكية -أيضاً – بمطار بيروت الدولي، وتفجير أبراج “الخُبر” بالمملكة العربية السعودية عام 1996م، وهجوم حرس إيران الثوري أو مسانديه على عشر سفارات في أنحاء العالم، إضافة إلى دور إيران الذي لا يخفى على أحد في تأجيج نيران الفتنة والحرب بالشقيقة سوريا والشقيقة اليمن وتدخلها المباشر في المشهد العراقي الذي لم يعد مثلما كان من قبل.
ندعو للمملكة العربية السعودية بمزيد من الاستقرار والعزم والحسم في مواجهة أعداء الإسلام ومناهضي السلام، ونسأل الله تعالى أن يمد في عمر خادم الحرمين الشريفين الملك “سلمان بن عبد العزيز” وولي عهده الأمين وولي ولي العهد، وأن يبارك لهم مساعيهم المبذولة لتوحيد المسلمين تحت راية واحدة، ونهنئهم والشعب السعودي الشقيق في ذكرى اليوم الوطني السعودي أعاده الله عليهم وعلينا -أيضاً- بالخير واليمن والبركات.