بين الخاص والعام
{كانت أيام عيد الأضحى المبارك بعيداً عن الخرطوم شيئاً من الفرح والذكريات عن ماضٍ اندثر وحاضر شاخص بصره، ومستقبل يشكل العيد في الريف فيعيد للإنسان ولو مؤقتاً شيئاً من الأمس وأيام الصبا والشباب.
تغيرت في الريف الكردفاني تقاليد وتبدلت عادات ووفدت ثقافات من خارج الحدود ومن السودان العريض الذي تبقى بعد انفصال الجنوب، ولكن الحرب تلقي بظلالها القاتمة على كردفان شرقها وغربها وقد بات الأمن هاجساً يؤرق الجميع. في آخر أيام عطلة العيد جمع بيت كردفان بمدينة الأبيض الطيف السياسي العريض بمنزل مولانا “أحمد هارون” بمناسبة عقد قران كريمته في احتفالية مبسطة طغى عليها الاجتماعي على السياسي، وشكل الوجود الأخير لهلال التبلدي وهزيمته للمريخ ومن قبل الهلال عاملاً مشتركاً في جلسات الأنس والحوار بين مكونات المجتمع، ولكن السياسة أيضاً كانت حاضرة في حوارات السلام والحرب والصراع القبلي. ولا تزال الأبيض تشكل العاصمة الكبرى التي تجمع بين الفولة وكادقلي وسودري وأم روابة. وفي مجلس “هارون” كان جيل الحركة الإسلامية الذي هو أخذ في الانصراف عن المشهد السياسي حاضراً هو جيل “عمر سليمان” و”معتصم ميرغني” و”خميس كجو”. وجاء الآن جيل جديد تسنم الوزارات والمحليات أغلب هؤلاء دون سن الخامسة والثلاثين برؤية مغايرة للجيل السابق، أغلب هؤلاء خريجون من صلب المؤسسات العسكرية والتنظيمية هؤلاء يرسمون خطى المستقبل.
{في الدلنج اتخذ معتمد الدلنج “إسماعيل دقليس” قراراً سياسياً جريئاً جداً قبل حلول عيد الأضحى، بفتح مداخل مدينة الدلنج لعودة النساء وكبار السن والأطفال والمرضى بالدخول والخروج دون قيود لفتح أبواب التواصل الاجتماعي بين مناطق الحركة الشعبية والمناطق التي تسيطر عليها الحكومة. وقرار معتمد الدلنج فتح أبواباً كانت مغلقة وأشاع الفرحة وسط عامة الناس، لأن هناك مواطنين محتجزين منذ خمس سنوات في مناطق الحركة ولم يجدوا منافذ للعودة لأهلهم وعشيرتهم، ومثل هذه القرارات قد تجد مقاومة ورفضاً وسوء ظن من البعض، ولكنها قرارات صحيحة ومن يفعل الصحيح لا يلتفت للوراء.
{ كان عصر (الخميس) الماضي يوماً مشهوداً في علاقات المجتمع المدني بعيد عن المصالح الشخصية والسياسية، حينما وقع زعماء قبيلتي الحوازمة والأحامدة بالنيل الأبيض على وثيقة مؤاخاة في قرية طيبة التي شهدت أكبر تجمع لقيادات الأحامدة والحوازمة، دون أن يكون بينهما نزاع أو مصلحة غير مصلحة الوطن والمواطن في الولايتين. وغاب السياسيون وحضر العمد والأمراء الذين تراضوا على العمل معاً من أجل بناء الوطن. وقد زار الأحامدة ديار الحوازمة بقيادة الحاج عقيد والبرلماني المخضرم أحمد حاج النور وعدد كبير من زعماء بحر أبيض. كانت ثلاثة أيام طغى عليها الفرح والتواصل الحميم وهي من إشراقات هذا العيد الذي انقضى بالأفراح والأتراح ونعود للخرطوم أكثر نشاطاً وعافية نفسية وحتى نلتقي غداً.