بعد.. ومسافة
أم درمان مدينة تُخْتَطَف!
مصطفى أبو العزائم
أتشرف مع آخرين بعضوية مجلس إدارة مستشفى أم درمان التعليمي منذ سنوات، وهو المجلس الذي يترأسه السيد “أمير عبد الله خليل” مثلما أتشرف بعضوية عدد من مجالس إدارات المستشفيات العامة، وغيرها مما يدخل في باب العمل الطوعي الذي لا نرجو وراءه جزاءً أو شكوراً.
إيماننا عظيم بالدور الأهلي والشعبي في تطوير المرافق والمنشآت، وتطوير البلاد بصورة عامة، وهو الدور المعروف لدينا منذ عشرات السنين، والذي تم تقنينه في بلاد الغرب لاحقاً، وأصبح مناطاً بمنظمات المجتمع المدني.
أهمية منظمات المجتمع المدني أنها تجعل من المواطن العادي – مثلي – مواطناً فاعلاً ومساهماً في نهضة مجتمعه المحلي أو الوطني، لذلك تكون الجمعيات والمنظمات الأهلية والطوعية والخيرية خير معين لمجتمعاتها وبلادها في التطور وتظل كذلك رقيباً على الأداء الحكومي وكشف ضعفه في بعض الجوانب، ومعالجة ذلك النقص بالعمل على أن يبلغ البنيان حد كماله أو قريبا من ذلك. وتظل الحكومات تتحسب لأي خطأ يشوب تنفيذ ما أوكل إليها من مسؤوليات، ويصبح دورها في كثير من الأحيان تنسيقياً وإشرافياً، بينما يكون الدور الفعلي والحقيقي في الصيانة والحماية والمتابعة مناطاً بتلك الجمعيات والمنظمات.
نحاول قدر جهدنا حماية إرثنا التعليمي والصحي والاجتماعي والمتمثل في مشافينا ودورنا التعليمية وأنديتنا الاجتماعية والثقافية والرياضية، وظلت مدينة أم درمان رائدة في هذا الجانب، لذلك نشأت فيها المدارس الأهلية ثم الجامعات الأهلية والخاصة، وكان للمواطن أبرز الأدوار في نهضة ونماء المدينة التي مثلت السودان تماماً بانصهار كل الأعراق فيها بأفضل قيم أهلها لتصبح جامعة لأهل الشمال والوسط والغرب والشرق والجنوب، ونتج إنسان السودان العظيم الخالي من العقد والشعور بالاستعلاء أو النقص.
لكن.. هناك من يحقد على المدن ومن يتمنى زوالها من خلال دك حصونها ورموزها القائمة، وقد عانت أم درمان من حقد الحاقدين وكيد الكائدين كثيراً، وظهر ذلك بصورة واضحة وجلية مؤخراً بظهور سماسرة وفاسدين حاولوا طمس تاريخها والتلاعب بهويتها العمرانية والمعمارية.
وصلتني رسالة من أخي السيد “أمير عبد الله خليل” رئيس مجلس إدارة مستشفى أم درمان يطلب إلي أن أكون ضمن المشاركين في وقفة احتجاجية دفاعاً عن تاريخنا، وحماية لمكاسبنا الوطنية عند الحادية عشر من صباح يوم غدٍ (الأحد) داخل المستشفى، بعد أن ظهر في الأفق من يدعي ملكية الجزء الشمالي من مستشفى أم درمان – حالياً العيادات المحولة – وهذه القطعة ملك لحكومة السودان منذ عهد المفتش الإنجليزي “برمبل” وكانت سكناً لعديد من المسؤولين الحكوميين وكبار الأطباء في عهود سابقة، من بينهم جدنا المغفور له بإذن الله تعالى الدكتور “عثمان رحمي” في نهاية خمسينيات وبداية ستينيات القرن الماضي.
الوقفة الاحتجاجية على هذا النصب والاحتيال لن تكون قاصرة على أعضاء مجلس إدارة المستشفى، وهي وقفة يقوم بها الأطباء والعاملون بالمستشفى وكل أبناء المدينة، وليت أبناء وبنات أم درمان الذين يمثلون المواطن وينوبون عنه داخل البرلمان، ليتهم كانوا من المشاركين، لأن الذي حدث خطير وهو لا يعتبر تزويراً في أوراق رسمية فحسب، بل هو مشروع في اختطاف مدينة.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.