المشهد السياسي
حول بيان غرفة مستوردي الأدوية
موسى يعقوب
الحسم والقطع في ما يهم لا بد منه، وإلا فإن الخدش والجرح من هنا أو هناك يصيب لا سيما في الإعلام وهو حمَّال أوجه في الرأي والخبر معاً، وقد كان بيان غرفة مستوردي الأدوية الأخير بتوقيع من المكتب التنفيذي، وقد نشره عدد من الصحف، فيه الكثير القاطع مما يدفع بالشبهة ويعمها في استغلال الدولار الرسمي الذي يذهب إلى سلعة استيراد الدواء؟.
لقد جاء في البيان المذكور أن الأربع وثلاثين شركة المتهمة، منها اثنتان حسب الوقوف على الحقائق الكاملة ليست وهمية أو غير معتمدة، شأن الـ(32) الأخرى التي تحمل أسماؤها كلمات مثل (طبية ودوائية) للإبهام بأنها تعمل في مجال الدواء، بل استيراد سلع لا علاقة لها بالدواء.. ولكن للحصول على السعر الرسمي من بعض البنوك التجارية والقيام بتحويلها للخارج..!
المبلغ الذي استغل وسكتت عنه بعض الأقلام التي تناولت الموضوع على طريقتها، بلغ عشرات الملايين، ولم تتم الدعوة لمحاسبة الموظفين الذين تورطوا فيه، ومن ثم دعا البيان الأقلام النزيهة إلى أن تتابع القضية بما تستحقه من وضع النقاط على الحروف وكشف الفساد والمفسدين.
والمكتب التنفيذي لغرفة مستوردي الأدوية يقول ذلك، جاءت مبادرات بعض كُتاب الأعمدة والرأي في اليومين الماضيين تصدقه، فالإعلام والرأي (حمَّال أوجه) وذلك طبيعي ومطلوب، ولكن لا بد أن يكون بموضوعية ومعلوماتية.
أخونا العزيز الكاتب “الطاهر ساتي” بصحيفة (السوداني) عاب في عموده قبل أيام على البيان أنه لم يذكر الشركتين اللتين برأهما من الوهمية وعدم الاعتماد، وإن كان قد رفع الخطر عن إحداهما من البنك المركزي – فلماذا الذكر (اسماً) في بيان عام ومنشور حتى يزعم الكاتب أن البيان (غير نزيه..!) وإن عاد واستدرك في ما بعد قائلاً – قد يكون بيان الشعبة صحيحاً.. ولكن بنك السودان لم يصنف الشركات الـ(34) بـ(وهمية أو غير وهمية) فهو يطعن في ما جاء في البيان.. وهذا حقه، ولكن يعاب عليه عدم النظر إلى أن الجهة التي صدر عنها البيان وهي المكتب التنفيذي لغرفة مستوردي الأدوية هي ذات المرجعية.
ورغم أن الأستاذ “الطاهر ساتي” قد أشاد بوزارة العدل لتشكيلها لجنة التحري في البلاغات التي فتحها بنك السودان، إلا أنه صمت عن الدعوة لمحاسبة المتورطين في العملية من موظفي البنوك التجارية والبنك المركزي..!
ولإكمال وجهة النظر في الرأي في القضايا العامة أعود بالقارئ إلى الأستاذ “مزمل أبو القاسم” رئيس تحرير (اليوم التالي) في عموده عن الموضوع نفسه أي (بيان شعبة مستوردي الأدوية) صباح (الاثنين) الماضي وهو مختلف تماماً عما ذهب إليه الأستاذ “الطاهر ساتي”.
الأستاذ “مزمل” وصف البيان بأنه حوى معلومات وصفها بالخطيرة، إذ أن الـ(32) شركة متهمة بالنصب على البنك المركزي والاستيلاء على دولاراته بلا وجه حق، ذلك أنها:
غير معتمدة لدى المجلس القومي للسموم ولا مدرجة ضمن قائمة الشركات المودعة لدى البنك المركزي.
وذلك – إذا صح يقول “مزمل” – كارثة تتطلب مساءلة البنك المركزي نفسه عن الكيفية التي سمح بها لشركات (غير مسجلة لديه) ولا تعمل في مجال استيراد الأدوية بالحصول على ما يقارب (30) مليون دولار..!
وأعاد “مزمل” القول لا بد من تحقيق شامل لتحديد هوية المسؤولين عن ذلك ومساءلتهم فتلك الـ(32) شركة (هلامية) بحق لأنها غير مدرجة ضمن قائمة الشركات المودعة لدى البنك المركزي.
ولأننا مهتمين ومعنيين بسلامة الرأي والرأي الآخر في الصحافة نجد أن مخاطبة الشأن العام بموضوعية ومهنية أخلاقية وحيادية هي ما يصب في مصلحة القارئ ومن يهمه ويعنيه الموضوع، فالمعلوماتية والرجوع إلى المصادر شيء لا بد منه.
فالأخ والصديق والكاتب “الطاهر ساتي” بدأ في عموده المذكور معنياً بما جاء في البيان عن الأقلام التي تناولت موضوع الأزمة الدوائية أكثر من غيره، خاصة وأن بعضها قد وصف بأنه (مأجور).. أي يعبر عن مصلحة أكثر من غيرها..!
ولهذا فقد بدأ لي وأنا أطالع عمودَيْ الكاتبين الكبيرين الأستاذ “الطاهر” والأستاذ “مزمل” أن الأول “الطاهر” كان يجدف بعيداً عما خاطبه على نحو مباشر الأستاذ “مزمل أبو القاسم” فـ”مزمل” خاطب لب الموضوع وهو البنك المركزي صاحب القرار في شأن استيراد الدواء والحرص على ألا يذهب الدولار في الاتجاه غير الصحيح.. ومن ثم دعا إلى تحديد هوية المسؤولين عن ذلك ومساءلتهم لأنه مبلغ الثلاثين مليون دولار ليس بالهين..!
مرحباً بالرأي والرأي الآخر فبهما تتحرك المياه الراكدة.