حوارات

نائب الأمين العام للحركة الإسلامية د. "حسن عثمان رزق" لـ(المجهر):

قبل حوالي ثلاثة أشهر من انعقاد المؤتمر العام للحركة الإسلامية، الذي يتوقع أن يجيء ساخناً ومثيراً وله مابعده؛ باعتبار أنه سيشهد إجازة دستور جديد، ومجلس شورى جديد، وكذلك انتخاب رئيس جديد ونائب له ومقرر. وتزامناً مع ذكرى وقوع مفاصلة الإسلاميين الشهيرة التي وقعت في مثل هذه الأيام قبل 13 عاماً؛ طرحت (المجهر) تساؤلاتها حول هموم وقضايا الحركة الإسلامية على مائدة نائب الأمين العام للحركة الدكتور “حسن عثمان رِزق”، والذي أجاب عليها بصراحة شديدة، وعلى غيرها من القضايا المتعلقة بتجربة الإسلاميين في الحكم، وصعود حركات الإسلام السياسي إلى سدة الحكم في البلدن العربية.. وهنا رصد لكامل إجاباته.
 
{ رغم مرور أكثر من عشرة أعوام على وقوع المفاصلة بين الإسلاميين، لازال كل طرف يلقي باللائمة على الطرف الآخر.. هل كشفت لنا عن الأسباب الحقيقية التي قادت إلى وقوعها؟
– الأسباب التي أدت للخلاف كثيرة؛ بعضها مباشر وبعضها غير مباشر، وقد بدأت الأسباب غير المباشرة منذ حل مجلس شورى الحركة الإسلامية في الربع الأول من العام 1990م، الذي ذهبت بذهابه المرجعية التي كانت تعصم الناس من القواصم، وترد الأمر للشورى، وتقوِّم العوج في حينه؛ ولذلك حين وقع الفأس في الرأس، وغلبت على النفوس الأهواء، واستبد كل ذي رأي برأيه، لم نجد المجلس ولا الحركة الإسلامية حتى نوقف النزاع ونمنع الصراع، وكان من الطبيعي أن تتصدّع القيادة وتتشتت القاعدة وتتفرق بالجميع السبل.
{ هل هذا كل شيء؟
–     من الأسباب غير المباشرة أيضاً تسارع خطوات الانتقال من النظام الشمولي العسكري إلى النظام الديمقراطي التعددي، وكذلك سرعة الانتقال من الحريات المحدودة المقيّدة، إلى الحريات الواسعة المطلقة. هذا الأمر أحدث ربكة داخلية وجدلاً غير محمود بين المؤيدين والمعارضين، كما كان هناك خلاف يتعلق بالصلاحيات التنظيمية وحدودها، وما ينبغي أن تكون عليه، وما هو الحد الفاصل بين صلاحيات الرئيس والأمين العام، وصلاحيات الحزب والدولة، وأين تكون المرجعية ولمن تكون الحاكمية.
{  وما هي إذن الأسباب المباشرة؟
–  الأسباب المباشرة تمثلت في التعديلات الدستورية، ومذكرة العشرة، وحل المجلس الوطني، وإعلان حالة الطوارئ، والتدخلات الخارجية، والسعى الحثيث لبعض مسعري الفتنة للإيقاع بين الأطراف المتصارعة.
{ احكِ لنا تفاصيل ما دار في الاجتماع الشهير الذي حضره الرئيس “البشير” بزيه الرسمي، بجانب “الترابي”. وأدّى لوقوع المفاصلة؟
–     الاجتماع الذي جاء فيه الرئيس بزيه الرسمي، وبحرسه الرسمي أيضاً، كان هو اجتماع مجلس الشورى الذي قدمت فيه مذكرة العشرة، وقد كان الرئيس حينها رئيساً لمجلس شورى المؤتمر الوطني. وحضور الرئيس بهذا الزي لم يكن مثيراً للانتباه في أول الاجتماع، باعتبار أنه قد يكون قادماً من منشط أو اجتماع مع القوات المسلحة، ولكن بعد تقديم مذكرة العشرة فُسّر ذلك بأنه رفض منه لخلع بزته العسكرية، وكذلك اعتبر تحدياً واستعداداً للصراع متكئاً على قوة المؤسسة العسكرية.
{ في رأيك.. ماذا كسب الوطني من هذا الصراع، وماذا خسر الشعبي؟
– الصراع لا يأتي بخير، ولذلك لا توجد مكاسب تذكر، ولكن الخسائر كانت كبيرة وخطيرة، فالمطالب تمثلت في صفاء الجو لكل فريق في إطاره التنظيمي، وفي تحسن بعض العلاقات العربية خاصة مع ليبيا ومصر، حيث أصبحت هذه الدول ترينا من طرف اللسان حلاوة، وتبرينا في السر بري القلم، وكل الشرور التي أصابت الدولة كان لهاتين الدولتين وزر كبير فيها.
{ وماذا عن الغرب؟
– كذلك ساءت العلاقة مع الغرب وطالت مطالبات “اوكامبو” رئيس الجمهورية ووزير الدفاع. وأدى الانشقاق إلى الفجور في الخصومة، واستهداف الشخصيات القيادية في الجانبين، وأدى إلى إفشاء الأسرار، وإلى خروج طائفة مسلحة تقاتل الدولة وتستقوي عليها بأعدائها، وأدى الانشقاق إلى تأخير وتعطيل إنفاذ المشروع الإسلامي. وأضر الانشقاق بصورة الحركة الإسلامية محلياً وعالمياً وهذا غيض من فيض. والنزاع أصلا يقود للفشل وذهاب الريح.
{ هل للحركة الإسلامية مقاتلون بالفعل؟ وما حقيقة ما راج مؤخراً عن اجتماعهم وتقديمهم مبادرة لتوحيد الإسلاميين؟
– ليس للحركة الإسلامية جيش أو فصيل مسلح، ولكن هناك إخوان مجاهدين، يجيدون استخدام السلاح، منهم من تدرب سابقاً مع الجبهة الوطنية وفي الكفرة، ومنهم من تدرب ضمن المجاهدين في الدفاع الشعبي، وخاض غمار المعارك جنباً الى جنب مع القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى دفاعاً عن الدين والوطن.
أما اجتماع المجاهدين الأخير، فقد كان عملاً اجتماعياً هدف إلى تفقد أسر الشهداء والاهتمام بهم، وكذلك هدف إلى توحيد الحركة الإسلامية وإصلاح المستشار في الدولة والحركة، والعمل على إنفاذ المشروع الإسلامي.
{ على ذكر توحيد الحركة الإسلامية.. ما تقييمك للمبادرات والجهود التي بُذلت لتحقيقها، وهل سيركز المؤتمر العام القادم على مناقشة هذا الأمر بتوسع؟
– المؤتمر العام القادم ليس من بين أجندته مناقشة رأب الصدع بين الإسلاميين، ولكن المؤتمرين أحرار في اختيار المواضيع التي يودون مناقشتها. أما المجهودات التي بذلت لرأب الصدع، فهي كثيرة ومتعددة، ومن جهات داخلية وخارجية، ولكنها كانت دائماً تتحطم على صخرة القيادات التي اختارت طريق المواجهة والمفاصلة، غير آبهة برأي السواد الأعظم لقاعدة الحركة الإسلامية وتطلعاتها.
{ في الأنباء الآن حديث عن مبادرات خارجية لتوحيد الإسلاميين، برأيك هل يمكن أن تنجح في ما فشل فيه أصحاب الشأن؟
– قرأت في الإعلام عن مبادرة يقودها إخوان مصر وليبيا وتونس، ولكن ليس لدي علم بمدى صحتها. وأتمنى أن يكون ذلك صحيحاً؛ لأن مصر في عهد “حسني مبارك” لعبت دوراً سيئاً ضد السودان، فقد قامت بتخريب علاقاتنا مع العديد من الدول العربية ودول الجوار، وقامت باحتلال حلايب، وآوت ونصرت الحركات المتمردة في جنوب السودان، وفي الشرق، وفي دارفور. وكان لها دور كبير في انشقاق الحركة الإسلامية في السودان. وكذلك كان دور ليبيا القذافي وتونس بن علي؛ ولذلك نتمنى أن نرى وجهاً جديداً لهذه البلاد تجاه السودان، يقوم بإصلاح ما أفسدته الأنظمة السابقة، ويعمل لمصلحة السودان وشعبه وعلاقته مع هذه الدول وفق المصالح المشتركة والروابط الأذلية.
{ ما مصير المذكرات الاصلاحية الأخيرة التي تقدم بها البعض، وألا ترى بأنها يمكن أن تؤسس لمزيد من الانشقاقات داخل الحركة؟
– المذكرات التي قدمت كلها تهدف للإصلاح لا الانشقاق، ولذلك أتوقع أن يكون لتلك المذكرات أثر ايجابي في مستقبل الحركة الإسلامية، وأن يكون لمقدميها دور فاعل في إصلاح عوج الحركة الإسلامية في المؤتمر القادم، وأن يسهموا في وضع الحركة الإسلامية على طريق الجادة التي لا يصل بها إلى عمياء.
{ كيف تنظر لمستقبل الحركة الإسلامية على ضوء الانقسامات التي تشهدها، وما هي أبرز البدائل المطروحة؟
– أنا متفائل بمستقبل الحركة الإسلامية وأرجو أن يكون مستقبل الحركة الإسلامية خيراً من أمسها وحاضرها، والمشاكل والمتاعب التي تمر بها الحركة الإسلامية الآن هي آلام مخاض لميلاد جديد لحركة فاعلة ومؤثرة.
{ بعد ثورات الربيع العربي، صارت الحركات الإسلامية، تقف امام (محك) إن لم نقل مأذق الحكم.. هل تعتقد أنها قادرة على إدارة الدولة، وتقديم نموذج اسلامي مثالي؟
– الحركات الإسلامية قادرة على إدارة الدولة، وستنجح برغم كيد الأعداء ودول الاستعلاء، لأنها تعتمد على المنهج القرآني الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. والحركات الآن تتعلم من بعضها البعض، وستتقوى ببعضها البعض، ولن يتم الانفراد بها كما تم مع السودان.
{ ولكن كثيراً من الحركات الإسلامية – إخوان مصر مثلاً – ترى أن الحركة الإسلامية في السودان فشلت في تقديم نموذج يُحتذى به في الحكم؟
– الإعلام المعادي للسودان، والأخطاء التي اُرتكبت داخلياً، ودول الاستكبار العالمي، هي التي وضعت هذه الصورة الشائهة عن السودان. ولكن كل ذلك لم يمنع الحركات الإسلامية من الوصول إلى سدة الحكم؛ لأن المسلمين جميعاً يعلمون بأن خطأ التجربة لا يعني خطأ المنهج، وأخطاء المسلمين لا يحكم بها على الإسلام.
{ هناك لبس لدى الكثيرين في علاقة الحركة الإسلامية بالحزب الحاكم.. هل هي جزء منه، أم أنها وصية عليه؟
– هنالك إخوان مشاركون في الحكومة وفي الحزب، على المستوى القيادي وعلى المستويات كافة، ولكن الحركة كمؤسسة لم تحكم أصلاً ولا تحكم الآن، والذين يحكمون الآن يحكمون بغير مرجعية الحركة الإسلامية. والحركة كمؤسسة لم يكن لها دور في إدارة الحكومة ولا الحزب، ولا يوجد لها دورٌ الآن. الدور الذي تقوم به الحركة الآن هو التأييد والمساندة والمعاضدة للحكومة والحزب، والقتال إذا اقتضى الحال دفاعاً عن الدين والوطن.
{ ولكن، ألا تعتقد أن السلطة قد أفسدت بعض عضوية الحركة؟ وما موقف الحركة مما يُثار عن قضايا الفساد التي تتحدث عنها المجالس والصحافة؟
– السلطة أداة من أدوات الإفساد إن لم تؤخذ بحقها، والفساد خصلة لا يخلو منها حزب أو جماعة أو دولة،  وكذلك عضوية الحركة الإسلامية ليست استثناءً، ولكنني أحسب أن عضوية الحركة الإسلامية في غالبيتها العظمى ما زالت على نقائها وصفائها وما زالت طاهرة اليد عفيفة اللسان.
{ ما هي أهم البنود المدرجة في برنامج انعقاد المؤتمر العام للحركة الإسلامية؟ وهل سيُعقد في موعده؟
– أهم البنود المدرجة في برنامج المؤتمر العام القادم هي، أولاً مناقشة وإجازة الدستور الجديد المقدم للمؤتمر من مجلس الشورى، وثانياً انتخاب رئيس المؤتمر ونائبه والمقرر، وكذلك انتخاب مجلس الشورى الجديد. هذا بالإضافة للأوراق المقدمة للنقاش، وكلمات الضيوف، وكلمة الأمين العام، ومناقشة تقرير الأداء للدورة الماضية. وبالطبع فإن للمؤتمر الحق في نقاش أي موضوع يراه مناسباً.
{  لماذا تلجأ الحركة الإسلامية للسرية أحياناً في عقد بعض مؤتمراتها، بالرغم من أنها تمسك بمقاليد الحكم؟ مم تخشون؟
– الحركة ومنذ أمد بعيد اتخذت قرار بعلانية الدعوة وسرية التنظيم، والسرية؛ لأن هنالك مواضيع خاصة لا يمكن أن تناقش في العلن، وكل التنظيمات لديها ما تسره. ولذلك نحن نعمل بقاعدة السر في مكان السر والجهر في مكان الجهر.
{ تحدث بعض قياديي الحركة الإسلامية عن رفضهم التجديد للأمين العام علي عثمان، هل سيتم التجديد له في المؤتمر العام القادم؟
– كل ما يقال بأن هنالك رفضاً للتجديد للأمين العام “علي عثمان محمد طه” لا أساس له من الصحة، وكل الموضوع هو أن الدستور الحالي والنظام الأساسي السابق ومنذ العام 2004م أقر مادة تحدد أجل ولاية الأمين العام بدورتين فقط، وقد استكمل الأخ “علي عثمان” الولايتين؛ فقد كان أميناً لدورة 2004- 2008م،  ودورة 2008-2012م؛ ولذلك لا يمكن ترشيحه مرة أخرى إلا إذا تم تعديل الدستور.
{ هناك من لا يرى وجود لحركة إسلامية في الساحة الآن، ما رأيكم في هذا الزعم؟
– الحركة الإسلامية موجودة في الساحة ولها أمين وقيادة ومجلس شورى ومؤتمر عام، ولها خططها وإستراتيجياتها، ولا مجال لأنكار وجودها. إما أن يعتقد البعض أنها غير فاعلة أو تحتاج إلى تفعيل وإحكام ومزيد من الإحياء والتطور؛ فهذا رأي موجود لدى عدد مقدر من الإخوان ولا غبار عليه.
{ هناك إسلاميون لا ينتمون للوطني أو الشعبي ويقفون على الرصيف. هل هؤلاء مضمنون في عضويتكم؟ وهل سيُدعون للمشاركة في المؤتمر العام؟
–     الدعوة لحضور المؤتمرات مقدمة لكل الإخوان العاملين في الحركة والجالسين على الرصيف، ويمكن لأي واحد من هؤلاء أن يلحق بمؤتمر الحركة ولو حضر قبل ساعة واحدة. لا عزل لأحد، ولا حجر على أي رأي مهما كان مخالفاً أو جانحاً.
{  ماذا عن الإخوان المسلمين.. ماهو موقفهم من الحركة الإسلامية الآن؟ وما هو موقفكم منهم؟
–     لدينا تعاون مع المنتمين للحركة الإسلامية كافة بمعناها العريض،  وكذلك مع أهل القبلة كافة، وبالطبع فإن “الإخوان المسلمين” بفصائلهم كافة هم من أولى القربى وأحق الناس بحسن الصحبة.
{  هل تعتقد أن كتابات بعض الكُتّاب الإسلاميين كـ”التجاني عبد القادر”، و”المحبوب عبد السلام”، عن المفاصلة، عبّرت عما حدث للحركة بالفعل، أم كانت مجرد تعبر عن مرارات ذاتية؟
{ الأخ “التيجاني عبد القادر” والأخ “المحبوب عبد السلام”، من الإخوان القياديين، وقد كان كل واحد منهما رئيساً لاتحاد أكبر جامعتين في السودان، وهما من المفكرين القلائل ومن الإخوان المميزين وأصحاب التجارب الثرة. ولذلك ينبغي أن تُعطى لآرائهم اعتبارات خاصة، وأن تُدرس بعناية ليستفيد الناس من ايجابيات طرحهم، وليتجنبوا السلبيات والأخطاء. والحركة عليها أن تقرأ كل نقد، وأن تسمع كل قول، وأن تتبع أحسن ما يقال وما يكتب. ورحم الله امرءاً أهدى إلينا عيوبنا.
{  لو استقبل الإسلاميون ما استدبر من أمرهم، هل كانوا سيختارون المفاصلة، ومفارقة إخوان الأمس؟
–     قواعد الحركة الإسلامية أصلاً لم تختر المفاصلة، وما زال التواصل بين القواعد مستمراً في المناسبات كافة، وما زالت أشواق القواعد هي إلى وحدة الصف، وطي صفحة الماضي وإعادة الحركة لسيرتها الأولى. الخلاف ظل وما زال خلاف قيادات، ونسأل الله أن يهدي الجميع لما فيه خير البلاد والعباد.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية