تقارير

أسرار وخفايا انهيار مفاوضات السلام

مصير مفاوضي “نيفاشا” ورفض اتفاق “نافع – عقار” يخيم على نفوس قيادات الحكومة
من وراء فشل مفاوضات مسار دارفور!!
حديث السبت
يوسف عبد المنان
يفاوض ممثلو الحكومة وهم تحت ضغوط كثيفة جداً من جهة يبحثون عن السلام الذي حينما يقترب يبتعد فجأة.. وضمائرهم تحدثهم عن واقع الحرب في مناطق النزاعات والموت اليومي.. والنزوح وجراحات النفوس.. ولكن حينما ينظر المفاوض للمستقبل السياسي لمن حقق السلام من قبلهم وجفف الدموع والدماء.. يؤثرون السلامة بالإياب عائدين دون مغامرات، قد تفقدهم امتيازاتهم ومناصبهم التي دونها يصبحون مواطنين مثل عامة الناس يقفون في صفوف الوقود.. ولهم في تجارب إخوانهم الذين سبقوهم عبرة ودروس.. ويتساءلون ما الذي أبعد شخصية نافذة مثل د.”نافع علي نافع” مبدئية ونظيفة عن واجهة الحزب والدولة.. إنها المبادرة والاجتهاد والتفكير (خارج صندوق بيت الطاعة).. قدر د.”نافع علي نافع” أن السلام قيمة أعلى من الحرب وتبعاتها.. وقع على اتفاق مع “مالك عقار” في “أديس أبابا”، ولكن الاتفاق الشهير تم إلغاؤه من منبر مسجد كافوري بعد أن هاجمه العنصريون في الصحف.. وحرضوا الرأي العام بأن انفصال الجنوب يقتضي أيضاً عدم الخوض مرة أخرى في متاهات حلول لن تحقق أي سلام وأن البندقية ستخرس لسان “عرمان” للأبد.. وشكل إلغاء اتفاق وقعه رجل المؤتمر الوطني حينذاك أول صفعة في خده الأيسر.. جعلت مسألة خروجه من معادلات السلطة أمراً حتمياً في قادم الأيام.. ومن قبله كان اتفاق “نيفاشا” سبباً في إقصاء تيار عريض من المخلصين للفكرة والدولة والحزب والرئيس وإحالتهم إلى كراسي الرقابة والتعليق على الأحداث بدلاً من المشاركة في صناعة الحدث.. وقد أصبح د.”يحيى حسين” و”سيد الخطيب” و”الفاتح علي صديق”.. و”مطرف صديق” و”إدريس محمد عبد القادر” يجترون فقط ذكريات “نيفاشا” وأيام التفاوض.. وهم ينظرون لوحدة السودان تذبح من الوريد إلى الوريد.. وفي الوقت نفسه يجد صناع السلام في الضفة الأخرى مصيرهم ليس أفضل من مصير إخوتهم في المؤتمر الوطني، يصبح “نيال دينق” متشرداً في “لندن” و”لوكا بيونق” لاجئاً في الولايات المتحدة.. و”سامسون كواجي” يتخطفه الموت ود.”جاستن ياك” الطبيب الذي لا يهاب “جون قرنق” ولا يتورع في نقده جهراً قد (دبرت) له ذات الجهات التي قتلت “جون قرنق” حادث سقوط طائرة غيبته من الساحة إلى الأبد.. لو قدر لـ”جاستن ياك” العيش حتى اليوم لكان “سلفاكير” اليوم إما في غياهب الجب سجيناً أو مطروداً من الحركة الشعبية مثل “باقان أموم أكيج” الذي يلعق اليوم جراح الحسرة والندم.
وبذلك فإن صناع السلام طرف الجنوب في أوضاع مخلة للأدب السياسي أكثر من رصفائهم في الشمال الذين حتى اليوم لم (يرمى) بأحدهم في السجن أو تضطره الظروف لمغادرة الخرطوم لاجئاً سياسياً، كما فعل آخرون في الجنوب.. ربما لأن الرئيس “البشير” لم يخض معركة ضد تلاميذه.. ولم يتبنَّ سياسات قسرية لإزاحتهم من السلطة.. ولكن المتربصين بهؤلاء النوابغ نجحوا في جعل اتفاقية السلام يتولى تنفيذ بنودها من لا قناعة له بها.. وحتى وحدة السودان التي كانت من المقدسات والثوابت لم يعمل من أجلها وتأسست تحالفات الشمال مع جنوبيين عنصريين مما يعرف بتيار الذاتية الجنوبية الذي كان (ناقماً) على أولاد “قرنق” وساعياً لإقصائهم من ساحة الفعل.. وهؤلاء من حملوا رفاة الوحدة (وغيروها) في صندوق استفتاء جاءت نتيجته (99%) مثل سائر استفتاءات دول العالم الثالث.. (وما أشبه الليلة بالبارحة)، كما الإمام “الحسن بن علي بن أبي طالب” وهو ينظر إلى قومه.. وإلى الخيبات التي تعترض مسيرة المسلمين.. وقتل الإمام “الحسين” في “كربلاء” الذي شكل حدثاً حفر الحزن في نفوس الشيعة وصبغ منهجهم بالحزن وملابسهم بالسواد.. واليوم يقترب تيار الذاتية النوبية من السلطة المركزية في الخرطوم على ذات طريقة التقارب مع “بونا ملوال” وسلفاكير ميارديت” و”كول ميانق”.. والجنرال “ملونق” يقترب اليوم من التصالح مع المؤتمر الوطني، والجنرال “خميس إسماعيل جلاب” والمهندس “صديق منور” ومنشقون كُثر من الحركة الشعبية، ولكنهم يقدمون أنفسهم دعاة (لتنويب) قضية جنوب كردفان. هم قيادات أصيلة في تنظيم “الكمولو” العنصري الذي كان يرفع شعارات إقصائية تجعل من النوبية هي أساس المواطنة والحقوق.. لذلك هم الآن لا تتجاوز خلافاتهم مع الحركة الشعبية (أكلشيهات) مثل أن “ياسر عرمان” (جلابي) لا يحق له قيادة النوبة وأن “الحلو” (مسلاتي) جاء أسلافه من الجنينة (داراندوكا) منذ قديم الزمان لمنطقة الفيض وبالتالي لا يحق له الحديث مثل النوبة العرق.. ولم تتعدَّ رؤية “جلاب” والذين (جلبوه) أن الحركة الشعبية هي حركة خاصة بالنوبة.. إذ هي حركة ضد كل ما هو غير نوبي.. وإذا حقق “جلاب” نصراً على (الجلابة) داخل الحركة الشعبية، فإن معركته القادمة مع (الجلابة) خارجها، فهل يستحق هذا التيار العنصري الاحتفاء.. نعم قد يحقق على المدى القريب جداً انتصاراً على “عرمان” و”الحلو”.. ويجردهم من أسلحة ظلوا يطعنون بها السودان في المناطق الرخوة من جسده.. ولكن إستراتيجياً هؤلاء أبلغ خطراً من الحركة الشعبية.. ولم يعتبر قادة المؤتمر الوطني بالمثل القائل (البلدي المحن لا بد يلولي صغارهم) والمحن هنا.. هي العنصرية الفجة في خطاب “جلاب” الذي يتحدث عن شعوب النوبة الأصلية بمقابل شعوب أخرى.. وإذا كان المفاوض الحكومي يخشى من مصير إخوته السابقين في ذات الملف، فإن الذات أحياناً تطغى بمشاغلها على القضية العامة.. وحينما يفكر قادة التفاوض في المصير الذي حاق بمفاوضين آخرين وضعتهم الأقدار في ذات المواقع، فإن حالهم مثل حال العاشق البدوي الذي قال:
المانعنا ما نشري ونبيع ونتجر
سمحاً وجهه كالبدر الشعاعو مفجر
الخلاني أقوم وأقعد وأغني وأسجر
قيل ونو للشراد قبل لا يهجر
ما بعد انفضاض التفاوض
الأستاذ الزميل “عثمان ميرغني” تساءل في زاويته ذائعة الصيت (حديث المدينة) بعد فشل المفاوضات هل يمكن الاستغناء عن المفاوضات الخارجية ولعن “عرمان” بحزمة برنامج حكومي يخاطب الرأي العام الداخلي.. ويجرد الحركة الشعبية من أسلحتها؟؟ الأستاذ “عثمان ميرغني” من النخب التي لم تغبر أقدامها بتراب “طروجي”.. ولا تذوقت طعم (عصيدة الكرقي) وهو نوع من الذرة أحمر اللون يزرع في جبل (أجرون) لكنه يفكر في قضية الحرب في المنطقتين بموضوعية، وحينما فشلت مفاوضات حكومة السودان القديم أي قبل الانفصال مع متمردي الحركة الشعبية الأم تفتقت عبقرية د.”علي الحاج” حينذاك إلى خطة أطلق عليها السلام من الداخل. ولا يزال د.”علي الحاج” من المؤمنين بأن القوى التي تحمل السلاح في الخارج لديها ارتباطاتها الخاصة ومشاكلها التي تجعل انتظارها إهداراً للوقت والمال.. فهل تقبل الحكومة على مخاطبة قضايا المنطقتين بعيداً عن مزايدات “ياسر عرمان” وأجندة المجتمع الدولي ومطامع دول الجوار التي عبر عنها موقف الحركة الأخير المتمسك بانسياب الإغاثة من دول الجوار لسداد جزء من فاتورة الاستضافة.. ولكن السؤال هل هناك فعلاً مجاعة أو نقص في الغذاء بجبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور؟؟ نجيب على هذا السؤال في خاتمة هذا الحديث!!
ولكن طرح رؤية سلام داخلي والاستغناء عن الدور الخارجي والمفاوضات التي لن تبلغ مقاصدها حتى بعد عشر سنوات من الآن تبدو نظرياً هي الحل ومخرج الصدق في ظل تعقيدات حلول التفاوض.. ومخاطبة قضية المنطقتين بعيداً عن المنابر الخارجية تقتضي أولاً التصالح مع مواطني جبال النوبة والنيل الأزرق من خلال حزمة إجراءات وليس (قناطير مقنطرة) من الخطب الحماسية، والسلام البديل يبدأ من الخرطوم بتحسين المعاملة مع المواطنين واستيعاب الفارين من الحرب من خلال سياسات تنموية (تمييزية) تجعل الطلاب المتخرجين الذين يحملون شهاداتهم الجامعية هائمين على وجوههم يبحثون عن لقمة العيش الشريفة يشعرون بأنهم جزء من هذا الوطن.. وإيقاف سياسات التضييق على الباحثين عن الرزق في الأسواق (الكشة) والرأفة بالمواطنين لأن بعض التجاوزات حتى السلوكيات غير المسؤولة عنها الحكومة تؤثر سلباً. وقد حدثني في المفاوضات الأخيرة أحد جنرالات الجيش الشعبي أن أكبر منطقة لتجنيد المقاتلين هي الخرطوم، وإن حادثة (الشطة الشهيرة) قد استفادت منها الحركة بتجنيد أكثر من ألف شاب وشابة.
وبديل المفاوضات الخارجية ليس في استقطاب المتساقطين من قطار الحركة الشعبية ولا الذين لفظتهم بطريقتها الخاصة.. فقد عادت مجموعة “عبد الباقي قرفة” وعادت بعدها مجموعة “سيد حماد”.. وعاد قبلها آخرون وتعددت مسميات الحركة الشعبية من السلام إلى أهل المصلحة وأصحاب القضية الحقيقيين مثلما تعددت فروع الحزب القومي وتكويناته الصغيرة، ولكن الحال لا يسر صديقاً ولا عدواً.. قد يأتي الجنرال “إسماعيل جلاب” غداً.. ومن بعده “صديق منصور” ثم يعود “أحمد بلقا” و”تلفون “كوكو”.. ولكنهم يعودون كأفراد لا يملكون (بندقية خرطوش). ومن قبل جاء أبناء النوبة من قيادات الحزب القومي قالوا (كلاماً زي الفل كما يقول أهلنا المصريون)، ولكن ماذا حدث بعد ذلك!! إذا توحدت كل هذه الكيانات ووجدت دعماً شعبياً قبل الدعم المالي.. وخاطبت الحكومة جذور الأزمة في أرض الواقع، فإن المواطنين يقفون لجانب الحكومة، وحينما كانت قبائل النوبة تقاتل لصف الحكومة في تسعينيات القرن الماضي.. ويقود كتائب الدفاع الشعبي “مهدي مأمور نيتو” في مناطق الغلفان وأمريكا كردويش في الدلنج.. وكبي الغزالي في كادقلي والأمير “كافي طيارة البدين” في البرام والأمير “محمد الزاكي” في ميري.. والأمير “نبيل سعيد” في دلامي تقهقرت الحركة الشعبية وفقدت وجودها.. وهزم “محمد مركزو كوكو” لواءً من الحركة في معارك كدير والزليطاية.. ولما كان “تاور المأمون” و”محمد أبكر” و”داؤود حماد” يقودون الدفاع الشعبي لا تستطيع الحركة الاقتراب من كادقلي.. واليوم إذا كانت للحكومة سياسات بديلة أن تبدأ أولاً بتغييرات في منهجها الحالي في التعيين الذي جعل من أهل كادقلي (غرباء) في وطنهم وأصبح الرواوقة لا ممثل لهم في السلطة إلا المسؤول عن اللهو واللعب، ونعني الشباب والرياضة.. وتفرق شمل أبناء المنطقة ما بين مطرودين من رحمة السلطان ومبعدين من الحزب.. ولن ينصلح حال جنوب كردفان إلا بتولي أبنائها لمصيرها.. ومنحهم الثقة والمال مثلما كان يتدفق في سنوات الخصب والنماء عندما كان مولانا “أحمد هارون” والياً.. وإعادة النظر في المظالم التي لحقت بأبناء النوبة بصفة خاصة في توزيع المشاريع الزراعية، وقد كان للمهندس “عبد الجبار حسين عثمان” خطة في إعادة الحق لأهله.. ولكن (أبعدوه) وأي فتى أبعدوا.. وإصلاح الواقع الداخلي بمثابة خطوة أولى نحو استحقاقات سلام بديل لمناورات “ياسر عرمان” الذي وجد من يصغي إليه من أبناء المنطقة لغياب الخطاب البديل وسرح ومرح في جبال النوبة لأن خطابه هنالك غير مقنع حتى للحكومة نفسها. وقبل ذلك خاطبت الحركة عاطفياً مشكلات الناس الحياتية.. ولكنها بالطبع عاجزة عن حل قضاياهم السياسية لأنها لا تملك حلاً.
{ دارفور خيبة أمل
بعد أن اقتربت المفاوضات من الوصول لاتفاق بوقف العدائيات في “أديس أبابا” فجأة تباعدت المسافات وتراجعت حركتا تحرير السودان والعدل والمساواة عن ما تم الاتفاق عليه، بشعورهما نفسياً بأن الوفد الحكومي قصد عمداً إثارتهم والتقليل من شأنهم حينما طالبهم بتحديد مواقع قواتهم على الأرض. وكانت حجة المتمردين المعلنة أن تحديد مواقع قواتهم يعرضهم لهجمات بطائرات الأنتنوف العسكرية، لكن الواقع أن حركتي تحرير السودان والعدل والمساواة لا وجود لهما على الأرض الدارفورية وكل قواتهم في دولتي جنوب السودان (العدل والمساواة) وليبيا (حركة تحرير السودان). وتشعر الحركتان بأن الحكومة تسعى لإحراجهما بالحصول على اعتراف منهم بأنهم لا يملكون قوة عسكرية على الأرض، وبالتالي لا يحق لهم الحديث عن ترتيبات أمنية وعسكرية وإجراءات لوقف إطلاق النار.. وهذه الحركات المسلحة (قيمتها) ووزنها في (طول ماسورة) بنادقها وهي الآن في أضعف حالاتها ولن تستطيع القيام بأي تهديد حقيقي للأمن بدارفور.. ولكن الظروف متغيرة وبطبيعة الحال الضعيف اليوم قد يقوى ويشتد ساعده غداً والزمان المثالي للحكومة أن تتوصل لاتفاق مع هذه الحركات اليوم قبل الغد.. إلا إذا كانت تنتظر حسماً عسكرياً نهائياً يجعلها تفرض شروط المنتصر.. ووجود قوات سودانية في أرض دولة خارجية ينبغي أن تنظر إليه الحكومة بعين القلق والخوف لا الشماتة.. والخطر كل الخطر أن تجعل قوة عسكرية مدربة في أراضي دولة أجنبية. وكان حرياً بحكومتنا أن تأخذ العبرة من تجربة الفرقة الثالثة في الجيش الشعبي التي أساسها أبناء جبال النوبة.. وقضت تدابير وإجراءات ونصوص الاتفاق أن يتم نشر أعضاء الفرقة الثالثة من أبناء النوبة والنيل الأزرق جنوب حدود 1956م، وتمت تعبئة هؤلاء بأن الحكومة في الخرطوم رفضت وجودهم في مناطقهم، وحينما طالبت بعض الأقلام الصحافية في تلك الفترة بأن يتم تجاوز تطبيق نصوص الاتفاقية ويُترك المنسوبون للفرقة الثالثة من قوات الجيش الشعبي خوفاً من انفصال الجنوب، وأن تتخذهم الدولة المنفصلة سلاحاً تواجه به الخرطوم، تم تخوين الأقلام وتسفيه دعوتها وتمسكت الحكومة بالتطبيق الحرفي لنصوص الاتفاقية. وبعد 6/6/2011م، أصبحت تلك القوات خنجراً في خاصرة الشمال وألحقت به الأذى الجسيم.. واليوم يشكل وجود قوات سودانية إن كانت مليشيات أو غيرها في دولة خارجية خطراً على الأمن الوطني.. وحتى استخدام اللواء “خليفة حفتر” لقوات  “مناوي” في حربه الداخلية تحت وطأة الحاجة المال والدعم هي قضية كان ينبغي أن تكون حافزاً للحكومة للإسراع بإعادة هؤلاء لوطنهم من خلال عقد اتفاق ينهي الصراع في دارفور.. لأن الخطر الحقيقي على الأمن القومي أن تجعل بعض أبناء السودان في قبضة دولة أجنبية.. ولكن هل ترفع النخبة التي تفاوض في ملف دارفور بصرها بعيداً عن الأوراق التي أمامها، رغم أن في قيادة الملف الدارفوري شخصيات سياسية لها وعي عميق وثقافة مثل د.”أمين حسن عمر” و”محمد مختار الحسين” واللواء “دخر الزمان عمر” الخبير بشؤون دارفور والحاضر ميادين معاركها وطاولات مفاوضاتها!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية