بعد.. ومسافة
الجنائية الدولية في “بيروت”
مصطفى أبو العزائم
أخذتنا المحكمة الجنائية الدولية إلى العاصمة اللبنانية بيروت، وذلك للمشاركة في حضور ندوة متخصصة عن هذه المحكمة (المختلقة) لتصفية الحسابات السياسية، من خلال استغلال اسم القانون، وسرقة لسان الشعوب للتحدث عن قيم مفقودة لدى قضاة هذه المحكمة المزعومة، تُستبْدلُ فيها القيمُ كما يتم استبدال الفوارغ من المستهلكات الغذائية وسط أسواق المدن الكبيرة التي يباع فيها كُلُّ شيء ويشترى.
بدأت رحلتنا من الخرطوم عصر يوم (الخميس) عبر الخطوط الجوية الأثيوبية، لنلتحق بالعاصمة “أديس أبابا” مساءً، التي بقينا في مطارها الذي يضجُّ بحركة القادمين والمغادرين لسويعاتٍ قليلة، لنبدأ المرحلة الثانية من الرحلة نحو “بيروت” للمشاركة في ندوة اليوم الواحد التي رتب لها ونظم لها مجلس الشّباب العربي الأفريقي من خلال وجوده في لبنان بدار الندوة التابع لمركز الدراسات العربية، والتي خصصت لفضيحة الرشاوى التي تواجه رئيسة المحكمة الجنائية الدولية “سيلفيا الشيخ أندرا فيرنانديز دي غورماندي” الأرجنتينية إلى جانب المدعية العامة “فاتو بنسودا” والتي انكشف الغطاء عنها مؤخراً بتلقي ملايين الدولارات لشراء شهود زور يؤكدون على تورط الرئيس “البشير” في الاتهامات التي رمى بها في مواجهته المدعي العام السابق ” لويس مورينو أوكامبو ” الذي اجتهد اجتهاداً “خائباً” من أجل إلصاق تهم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية في دارفور والإبادة الجماعية بالرئيس “البشير”، واستصدار أمر لتوقيعه.
وصلنا “بيروت” فجر (الجمعة) أمس، وسعدنا بلقاء زميلنا الإعلامي البارز الأستاذ “أسامة عبدالرحيم الخليفة” المستشار الإعلامي بسفارة السودان في لبنان وعدد من العاملين بالسفارة، الذين قاموا بتسهيل إجراءات دخولنا بعد رحلتنا تلك المضنية، التي سعدت خلالها برفقة عدد من الزملاء وقد تضاعفت سعادتي أكثر إذ كنت مجاوراً طوال الرحلة لأحد قادة الشباب والمستقبل في بلادنا الأستاذ عوض حسن، الأمين العام لمجلس الشباب العربي الأفريقي، المنظم لهذه الندوة، والتي دُعِي لها من الصحفيين والإعلاميين الأساتذة محمد أحمد محمد حسن من التلفزيون، وكمال عوض من صحيفة (الانتباهة) الغراء و”صباح موسى” من صحيفة (اليوم السابع المصرية).
الرحلة الطويلة كانت فرصة طيبة للزملاء لتناول قضية المحكمة الجنائية الدولية من مختلف الزوايا القانونية والسياسية والمجتمعية، وكيف أن العدالة أصبحت تمشي وتسير على أكتاف الفقراء والمساكين والمستضعفين والمستهدفين من القيادات والزعامات المتمردة على القوى الدولية الظالمة، التي تستغل المنابر الدولية لتسويق سياساتها وتحقيق أهدافها وتصفية حساباتها السياسية.
وفي بيروت نفسها المنشغلة بالشأن اللبناني في أعلى قائمة اهتماماتها، وبالصراعات السياسية والطائفية الداخلية، إلى جانب الاهتمام بالشأن السوري والأحوال في تركيا وإيران، نجد أن قضايا مثل قضية المحكمة الجنائية الدولية لا تجد الاهتمام الإعلامي والشعبي الكافيين، مقابل اهتمام أكبر في الدوائر القانونية، والعدلية والأكاديمية، لذلك استحوذت هذه القضية على جانب كبير من اللقاءات التي تمت بيننا وبين سفير السودان في لبنان سعادة السفير “علي الصادق”، الذي كان قريباً من الصحافة والإعلام عندما كان ناطقاً رسمياً باسم وزارة الخارجية السودانية قبل أن ينتقل إلى بيروت سفيراً معتمداً للسودان.
أجواء بيروت خلال هذه الأيام دافئة بعض الشيء، وأجواؤها السياسية غائمة، وهناك عدم اتفاق حتى الآن بين القوى السياسية لاختيار رئيس للبلاد من داخل مجلس النواب، والعاصمة بيروت تستقبل كل يوم العشرات والمئات من مختلف الدول لكننا لاحظنا وجود الآلاف من أبناء وبنات دولة أثيوبيا الشقيقة، الذين يفدون للعمل في لبنان، كما نلاحظ اهتماماً لبنانياً داخلياً ببعض دول غرب أفريقيا التي تعتبر من المهاجر ذات العائد الثر لكثير من رجال المال والأعمال اللبنانيين، وهو مع ما سبق أن أشرنا إليه يفتح الأعين واسعة والعقول أيضاً نحو تأثير مثل هذه المحكمة (الأكذوبة) على مجمل الأوضاع والأحوال في القارة الأفريقية التي تظهر الآن كهدف لتلك المحكمة من خلال استهداف قياداتها، إضافة إلى بقية دول العالم الثالث التي تحاول الخروج عن الطوق المفروض عليها، ونرى أن رحلتنا هذي ومشاركتنا في هذه الندوة ستكون لها انعكاسات وآثار في الرأي العام العربي والأفريقي عن المحكمة الجنائية الدولية التي تضعضع بنيانها وأساسها بعد هذه الفضيحة المخزية، وسيكون للرحلة والمشاركة أيضاً الدور المهم في فضح العدالة الزائفة.. والعرجاء.