رمضان فعلاً كريم في السودان!!
التجانى حاج موسى
{ صديقي الفنان الشاعر “جمال حسن سعيد” وصديقي القاضي الواقف الإعلامي “طارق كبلو” استمتعت ببرنامج قدماه في إذاعة هوى السودان ونسة لطيفة عميقة مليئة ودسمة بالإمتاع وتداعٍ خلاق دون إسفاف أو سقط القول.. شكراً جميلاً لكما وهكذا تأتي البرامج حينما (ندي العيش لي خبازو) وعبارة الآبري في الجك والثلج طريفة.. لأن الآبري مشروب حلو وسوداني مية المية خاصة لما يكون بالثلج، ويا ريت تكون مائدة طعامنا وشرابنا السوداني من صنع إرثنا وثقافتنا العريقة السودانية.
{ قبيل رمضان بأيام توجس الناس خيفة في كون الشهر الكريم أتى هذا العام في حراية وصيف بلغت درجة حرارته فوق الأربعين، لكن من لطف الله على أهل السودان أن الكهرباء استعدلت تماماً وواصلت خدمتها طوال الشهر الكريم والعندهم مكيفات نعموا بالهواء البارد في المكاتب والبيوت وجادت السماء بزخات أمطار متفرقة في كل نواحي الوطن الحبيب خففت من حرارة الطقس.. مرة المطرة صبت ونحن نستعد لصلاة التراويح في ميدان قرشي بأمبدة حيث أصليها مع أهلي هناك.. الإمام ظريف خلانا نصلي العشاء فقط لأنو المطرة بدأت تنقط من الركعة الأولى، وعند انتهائه من صلاة العشاء كان المصلون قد ابتلوا تماماً، لكن لحسن الحظ لم يصب أي من المصلين بنزلة أو أي إعياء.
{ نشطت بعض الجمعيات في رمضان هذا العام وتبرع بعض الشباب بإفطار العديد من المارة عند أذان المغرب، وكانوا حضوراً في الطرقات يمدون الشراب والطعام للسائقين والمارة الذين لم يدركوا الإفطار في منازلهم.. وهنالك العديد من الناس الذين تجمعوا في الطرقات وفرشوا الأرض ليفطرون في الشوارع وهذه عادة سودانية أصيلة وقديمة كل زول يجيب صينيته بالموجود ويفطروا أهل المربوع أو الحي، والدعوة لكل عابر سبيل تقدم بحب شديد، يا ريت نحافظ على هذا التقليد الرائع الذي لا يخلو من رحمة وتعظيم شعيرة قال عنها الخالق عزّ وجلّ إنها وحدها له ويجزي عليها.
{ تنوعت صلاة التراويح من حيث قصر مدتها وطولها. العديد من المصلين يفضلون الصلاة ذات التلاوة بالآيات القرآنية القصيرة، وهنالك من المساجد ما يصليها بجزء كامل، والحمد لله المساجد بالسودان كثيرة وعامرة، فمن يريد الصلاة الطويلة يجدها ومن يريد القصيرة يجدها، والأمل في قبولها من الحق عزّ وجلّ.. مرات بحب أنوع في المساجد– يقال إن هذا من السنّة– مرة صليت بصحبة صديقي الفنان “أبو عركي” بالجامع المجاور لمنزله- ما شاء الله– إمامهم له صوت رخيم في التلاوة ومجود للقرآن ومكبر الصوت آخر حلاوة ونداوة، وصلينا في جامع مفروش بالسجاد الفاخر والمكيفات منثورة في نواحيه ينداح منها الهواء البارد ورائحة البخور الحلوة تعطر المصلين، وعند انتهائنا من ركعتي الشفع همس لي صديقي: (خلينا نصلي الوتر في البيت). (ليه؟!). (بعدين بكلمك).. وكلمني ونحن نسير إلى منزله: (شفت مش صلاة معقولة وحلوة؟! ومدتها قصيرة؟! لكن الوتر قريب نص الساعة لأن إمامنا ده كثير الدعاء ولو حضرتو ببكيك وهو ذاتو بيبكي.. ما شاء الله).
ويا سلام على إمامنا بتاع أمبدة.. الرجل شاب ويعمل معلم يصلي بنا منذ سنوات، حسن الصوت ومن المخففين في صلاته حينما يؤم الناس.. يخطب فينا لمدة خمس دقائق فقط ويتناول موضوع يشرح فيه آية أو حديثاً نبوياً، ثم يدعو للمصلين دعاءً صادقاً لموتانا وأحيائنا وللمصلين أنفسهم رجالاً ونساءً.. أعجبني مرة حينما تناول بالنقد بعض من ينهرون الأطفال بطريقة غير جارحة قال: (الأطفال ما تنهروهم حببوا لهم الصلاة والمساجد، ودونكم الحبيب المصطفى “صلى الله عليه وسلم”، حينما كان يصلي ويصعد على كتفيه “الحسن” و”الحسين” رضوان الله عليهما ولا ينهرهما).. المحاذير فقط المطلوبة هي أنه من يقف وراء الإمام من المصلين يفترض أن يؤم الناس للصلاة إذا حدث طارئ للإمام.. بارك الله فيك يا إمامنا، صلينا وراءك طوال الشهر فما ضجرنا أو تعبنا وكانت ساعة صلاتك بنا تمضي كالدقائق.. حكى إمامنا طرفة عن الفاروق سيدنا “عمر” رضي الله عنه والرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم، قال: (كان سيدنا “عمر” يجلس بالقرب من النبي “صلى الله عليه وسلم” يأكل تمراً وكان يضع خلسة نواة التمر أمام الحبيب “صلى الله عليه وسلم”، وحينما كثرت نواة التمر أمامه، قال “الفاروق” له “صلى الله عليه وسلم”: أكلت كل هذا البلح يا رسول الله؟! فرد عليه أفضل الصلاة والتسليم: الأكول يا “عمر” هو من يأكل التمر بنواته– يقصد أن ناحية الفاروق رضي الله عنه لا توجد نواة تمر!!
{ في رمضان هذا العام قبيل نهايته بثلاثة أيام رحل شاعران هما الشاعر والملحن العميد “الطاهر إبراهيم” والشاعر المعلم “سيد أحمد مكي” لهما الرحمة، وخرج من المستشفى العسكري معافى بعد أن بترت ساقه صديقي سعادة العميد الموسيقار الملحن “عمر الشاعر”، حمداً لله على سلامتك يا فردة وأنت قدر ابتلاء الخالق عزّ وجلّ قدرته وأنت الصابر على ذلك الابتلاء، وحمداً لله على سلامتك وسيهون الله لك طرفاً صناعياً بإذنه تعالى يا ضابط يا عظيم.
{ قلت لصديقي ميسور الحال في رسالة أرسلتها عبر هاتفه، (صديقي الحبيب “فلان الفلاني” رمضان كريم.. استحلفني بالله عدد من معارفي الفقراء ويعرفون علاقتي بك أن تعطيهم من ما أعطاك زكاة لمالك وتجدني في حرج شديد وأنا أرسل لك هذه الرسالة.. وتصوم وتفطر على خير)- انتهت رسالتي– فما كان منه إلا أن رد عليها برسالة منه على وجه السرعة (حاضرين يا صديقي)!! بعدها بيوم أرشدني إلى مكان تسملت فيه مبلغاً محترماً ذهبت به لمعارفي الفقراء وسلمتهم العيدية وسألت مشاعر الفقراء جداول من دموع الفرح وبكيت معهم فرحاً فكتبت له شاكراً رسالة.. (بارك الله فيك يا أخي وزادك من نعيمه أضعافاً ولا أخفي عليك فقد نابني من عطيتك شيء لأني تنطبق عليّ صفة من صفات من أوصوني بسؤالك وهي الفقر!!)، ولم يرد على رسالتي آخذاً بالقول (أعطى بيمنه ويخشى أن تدرك يساره ما صنع).
ولقمة المؤمن بي ربو حلوة لمن تنقسم
وأحلى لو أداك بي قلبو إنت تاكل ومبتسم
كل عام والمسلمون بخير.. ورمضان كريم.. وأهل السودان في أحسن حال يا الله، وعامهم القادم عام سلام ومنعة وتقدم وخير مطلق…. آمين.