رأي

حرامي ساكن معانا!!

(الجاتك في مالك سامحتك)، عبارة يتداولها الناس يعزون بها من حدثت له السرقة، لكني أقول (الجات في مالنا المتواضع ما سامحتنا والله)، فعلى قلته فهو شقى الأيام وسهر الليل واستبدال معاش وشيخوخة آتية ولا بت ولا ولد!! لكن برضو الله كريم ( الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ)، في أقل من عشرة أيام يزورك الحرامي أو الحرامية مرتين، ووقت السرقة بين العشاء والمغرب، حاجة تغيظ، المرة الأولى بلغت ونشرت الجرايد الخبر، ولأيام ما سكت هاتفي وهاتف زوجتي (كفارة) (ده حرامي حلة، الزول ده ما بعيد الحرامي ده قريب منكم)، محادثات وزيارات الكفارة ومباحث ورفع بصمات وكوالين وأقفال جديدة، لكن الأهم من هذا كله أنه سرقنا للمرة الثانية في وقت وجيز وأنا معجب بجرأته.
كنا قد وطنّا أنفسنا زوجتي وشخصي الفقير جداً هذه الأيام، الضعيف المبتهل إلى رحمة الكريم، على أن نعيش شخصان شاء المولى لهما أن لا ينجبا، فحمدنا الله واستبعدت تماماً فكرة الزواج من زوجة ثانية برغم إذن (رفيقة الدرب الطويل)، بالمناسبة رفيقة الدرب هو عنوان الأغنية التي لحنتها وأهديتها للفنان الكبير “محمد أحمد عوض” – له الرحمة – لم يلحق تسجيلها للإذاعة فقد عاجلته المنية، بعده تغنى بها ثنائي (الدبيبة)، وفرحت (ندوية) زوجتي بثاني أغنية نظمتها لها، والحمد لله لا توجد لدينا مشاكل في الإجابة عن أسئلة كثيرة تُسئل لشعراء الغناء من زوجاتهم، من الملهمة؟! وده خيال؟ وكلمتي المست غرورك، ومنو حلو العيون الدايرو يكلمك؟
أحمد الله حمداً كثيراً أن السيدة حرمي المصون متفهمة بأن الشاعر (مخير)، يكتب الداير يكتبو، لذا نظمت فيها:
رفيقة الدرب الطويل.. من قلبي ديمة بقدرك
أبداً مؤكد مستحيل في يوم أسيبك أبدلك
كوثر من (الندى) والسماح فياض وزاخر بالأمل
بلسم الطيب للجراح بي لمستك فاض واندمل
نتقاسم الأحزان سوا.. نتقاسم الأفراح سوا.. في عشنا الهادي الأمين.. وبيتك نضيف راشيهو نور.. عيشتك هنا.. عيشة السرور.. الخ.. الأغنية الخاصة بندوية حرمنا المصون وأسمها في الأوراق الرسمية (ماريا) والحاجة ندوية هذه الأيام – وفي رمضان تبحث عن منزل آمن للإيجار فراراً من حرامي الحلة الذي يراقب غيبنا ثم يأتي مطمئناً يسرق ما يشاء وعلى دفعات، رجل وامرأة لا ثالث لهما ولا خادم ولا يحزنون ولا بنات ولا بنون، ويمكن أن تضاف عبارة.. لا مال ولا جمال ولا بنون.
في عام الرمادة رفع أمير المؤمنين الفاروق حد السرقة، وعام الرمادة عام متنيل بي نيلة جوع وفقر وحاجات ثانية حامياني، ذي سنة ستة الجات عندنا في السودان سنة ستة.. الله لا جابها.. يعني زبونا الحرامي يجي ذي ما داير يتفسح في شقتنا الصغيرة لا يخلي كبيرة ولا صغيرة!!
أسأل الله أن نقبض عليه في زيارته الثالثة، وبالطبع لن أكشف عن الخطة الإستراتيجية للقبض عليه، ولن نرضى إلا بالقصاص والقطع من خلاف، ونصاب القطع تجاوزناه بكثير شاشة بلازما، كاميرا ديجتال، هاتفان ذكيان، دستة ثياب فاخرة، أحذية، ودهيبات الحاجة مدخراهن لي عوزة، وقريشات كنت مدكنن لليوم الأسود، وفعلاً حصل يومان سوداوان، والحاجة مدكنة، يعني الحرامي كشف أسرار ما كان ليها أن تنكشف لولا ضرورة الإدلاء عن المسروقات بتفاصيلها الدقيقة في بلاغ السرقة، وبعد ما جاتنا في مالنا أدركنا لماذا يقطع السارق من خلاف.. فالحرامي جبان ابن ستين كلب، عاطل لا يدرك قيمة (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) صدق الله العظيم.
ولا يدرك أن السعي إلى الرزق عبادة، وأن ما يكتسبه بالسرقة يؤدي به إلى جهنم (لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِنْ ضَرِيعٍ، َمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)، وحرامينا سرق في المرة الأولى ثلاثة أحذية فاخرة، وجاء في المرة الثانية سرق الحذاء الرابع، وكنت قد ادخرت أحذيتي لبرنامج تلفزيوني عزمت على تقديمه في الدورة الجديدة، والأحذية أهداني لها صديقي الحبيب الوجيه “علي الأمين” رجل الأعمال السوداني الشاب المقيم بجدة، ما في نصيب يا أبو علوة، بعدين حرامينا تافه.. ليه؟ أقول ليكم كان أقلو يرمي شرائح الهواتف، بالمناسبة هنالك هاتف اسمه الذكي بالشيء الفلاني، والأخير استكثرته على نفسي، يا حليل الحرامي الجانا في بيت أمبدة والذي زارنا شتاء قارساً، فسرق بطانية فاخرة وصحينا بيهو وشاهدناه مهرولاً حاملاً البطانية، وخرج شباب الحي ليلحقوا به غير أني منعتهم مستخدماً فقه الضرورة، فشتاء يوم سرقة البطانية كان شديداً وهذا بحد ذاته سبباً لسرقة بطانيتنا الجميلة ذات الوبر الناعم، فقد أباح ابن الخطاب السرقة في عام الرمادة، والرمادة كالتنا أنا وحرمي المنكوبة المسكينة، الحمد لله على السراء والضراء، واحد قراء خبر السرقة الأولى في (المجهر)، فقد أصر الأستاذ وائل على نشر الخبر قائلاً: “والأولاد وين؟! يقصد أولادنا!! ما عندنا أولاد.. الله ما أدانا نعمل شنو؟! وعلى ذكر السرقة والحرامية، دخل لص منزلاً وجد ساكنيه مستغرقين في نوم عميق، امرأة ورجل ونصف دستة عيال يعيشون في فقر مدقع، والرجل ينام في عنقريب اهترأت حباله، والأم افترشت جوالات هي وأولادها، وعندما زار اللص مواعين الطعام وجدها لا أثر لطعام بها، فما كان من اللص إلا أن ربَّت على كتف صاحب المنزل الذي صحا مذعوراً:
(أنت منو؟!) “أنا الحرامي ويلا قوم استرزق معاي النايم ليها شنو؟!) والحرامي أناني وانتهازي وحقير ليه؟ لأنو ما ضاربو حجر فجر، والعبارة كناية عن الذي يسعى فجراً والناس نيام، يتخبط لأن الظلام لازال يسود المكان، من الممكن أن تتعثر رجله في حجر فتسبب له الألم، لكن لا يهم فهو يسعى فجراً يبتغي من الله رزقاً حلالاً، يا ربي الحرامي المتزوج ده شغلو؟ شغل السواد يا يمة!! – كما تقول أمي – مستهجنة السرقة والتسول من القادر على العمل. والطريف هنالك سوق للحرامية، فقد نصح البعض زوجتي بالذهاب إلى أسواق الحرامية المعروفة في عدة أماكن بالعاصمة ربما تعثر على بعض أشيائها التي سرقت والنساء يسألنها، ما في نتيجة؟ الله يعوضكم، والله لا يكسبو ود الحرام الحرامي!! وليه ما نكون حرامية؟ ولماذا دائماً الحرامي ذكر؟ والله في نسوان يسرقو الكحل من العين، ونسوان حراميات قلوب، وحراميات يسرقن الرجال الهبل أموالهم طوعاً واختياراً، ويحكى أن لصاً تسلق حائط منزل وأخذ يمعن النظر ملياً في ساكنيه وهم نيام والقمر بدراً منيراً، ومعه زميله الذي رفعه للحائط، فقال الحرامي المتسلق الجدار حينما شاهد قبح وبشاعة وجوه السكان النيام، يا فردة نزلني قوام البيت ده مسكون! ديل ما ناس ديل شياطين، بالمناسبة هنالك أغنية أسمها “حرامي القلوب تلب”، وبيني وبينك السرقة الثانية ما بلغت عنها لأنو ما يجي من تعبو، والجاتك في مالك والله يعوضكم وإجبارك على سرد قصة السرقة مئات المرات! زمان في كشف يتولوه الأصدقاء والأهل والأقارب لرأب الصدع وتخفيف المصاب يا ربي الكشف ده لسه في؟ ما شفناهو يا دكتور “عمر محمود خالد” يا فردة! ومصيبة المجني عليه اللهو أنا معاشي، وتعلمون أن المعاش يا دووب يغطي فاتورة الكهرباء، والموية والتليفونين، لكن برضو حالنا أحسن من الذي بنى قصراً منيفاً وليلة افتتاحه توفاه الله، إذاً كل من الله ولله، وضرر أخف من ضرر، والمؤمن مصاب، وإذا أحب الله عبداً ابتلاه بنقص في الأنفس والثمرات، ونحن من الصابرين لأن الله سبحانه وتعالى بشر الصابرين، لكن النفس الأمارة توسوس لك: عرق جبينك! حصاد سنينك! لتلعن أبو اليوم الخلقوك فيهو، وهذا حديث ووسوسة الشيطان، لكن جوهر الإيمان هو أن الله المانح المانع وكلو حق الله والله يعوضنا، لكن في يوم بكلمكم عن السرقات الأدبية وربما العاطفية، يا ربي حرامينا بجي يسرقنا في رمضان شهر التوبة والغفران؟.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية