تحقيقات

• السل… ينشر رذاذه على الجزيرة – نهر النيل -شمال كردفان – كسلا – الخرطوم

الوصمة مازالت تشكل عائقاً أمام جهود مكافحته…
•    (4500) أسرة مصابة بالسل بالخرطوم
•    وزارة الصحة: بدأنا في تطبيق نظام الترصد لتشخيص وعلاج السل اعتباراً من (مايو) الجاري
* منظمة الصحة العالمية تحذر من انتشار الدرن المقاوم للأدوية !
الخرطوم – عماد الحلاوي
شرع بنك الطعام – السودان – مكتب الخرطوم، في توزيع وجبة غذائية متكاملة لعدد (4500) أسرة فقيرة ومصابة بمرض السل بولاية الخرطوم، وتوزع في شكل حقيبة كل شهر، وتحوي (عدس- أرز- دقيق- لبن- سكر- بليلة).
وتسلم البنك كشوفات الأسر المصابة ، وعناوينهم من وزارة الصحة بالخرطوم.
وقام البنك بتسليم المواد الغذائية للمستهدفين،  في (أحياء الفتح- حارات أم بدة – مستشفي أبو عنجة – جبل أولياء- الجريف شرق).
والتزم ديوان (الزكاة الاتحادي) بتوفير وجبة لجميع مرضى السل في جميع ولايات السودان…
وأمام تزايد حالات الإصابة بولاية الخرطوم، سارعت الولاية في التخطيط لإنشاء مستشفى جديد للسل، وأعلن والي الخرطوم الفريق أول ركن  “عبد الرحيم محمد حسين” عقب زيارة له ، منتصف الشهر الماضي، لمستشفى الصدر في حي (أبو عنجة) بأم درمان، بأن المستشفى الجديد سيكون بمواصفات توفر العناية الكاملة للمرضى.
ويبقى السؤال… لماذا أصبحت ولاية الخرطوم تحوي أكبر عدد من مرضى السل؟
التحقيق أدناه يجيب على هذا السؤال…
السودان في المركز الثاني :
قفز السودان إلى المرتبة الثانية بعد “باكستان” من حيث تزايد معدل الإصابة بمرض السل في الشرق الأوسط، وكشف البرنامج القومي لمكافحة الدرن استناداً إلى إحصاءات وزارة الصحة الاتحادية عن رصد أكثر من (20) ألف إصابة تمثل (60%) من الحالات المتوقعة، وصنفت ولاية الخرطوم بأنها  الولاية الأكبر ،في اكتشاف المرض بواقع (6) آلاف إصابة، وتمثل حالات الوفاة بمرض السل (16%) من الوفيات بمستشفياتها.
عقبات العلاج
ويقود هذه الأيام البرنامج القومي لمكافحة الدرن، حملة رصد واسعة لمرضى الدرن بولايات (الخرطوم – الشمالية – الجزيرة – النيل الأبيض – القضارف – كسلا – كردفان – دارفور).
وتوقعت المسؤولة بالبرنامج القومي لمكافحة الدرن، الدكتورة “هبة كمال” ، أن تكشف الحملة عن الآلاف من الحالات الجديدة.
ولا يخفي القائمون على أمر البرنامج القومي لمكافحة الدرن  حقيقة أنهم يواجهون عقبات عديدة، أكبرها إحجام الكوادر الصحية عن العمل في مراكز الدرن بسبب (الوصمة)، بالإضافة إلى عدم وجود معلومات حول أماكن إقامة المرضى، فضلاً عن تزايد السل المقاوم للعقاقير،  لانقطاع الكثير من المرضى خاصة في ولايات دارفور عن تلقي العلاج ، الذي يستمر لفترة تصل إلى (8) أشهر.
المرض (المراوغ):
وأبان رئيس جمعية اختصاصيي الصدر، الدكتور “عادل عبد الرحمن العاجب” لـ(المجهر) ، أن السل مرض تسببه بكتيريا تعرف بـ(ميكوبكتيريا الدرن)،  وهذه البكتيريا تعمل على مهاجمة أي جزء من أجزاء الجسم، ولكنها في أغلب الحالات تصيب الرئتين.
ويشير “عبد العزيز” إلى أن مرض السل ،أصبح قابلاً للشفاء، بسبب التطور الطبي في التشخيص والعلاج،  ويعالج بالأدوية.  والأشخاص المصابون بالسل الرئوي النشط قد يحتاجون للتنويم في المستشفى لعدة أسابيع،  للعلاج أو الرعاية المباشرة داخل المنزل ، تحت إشراف ومتابعة طبيب.
 وبمجرد أن يبدأ الشخص المريض بالدرن،  تناول العلاج اللازم لعدة أسابيع، فإن الجرثومة تصبح غير قابلة لنقل المرض للآخرين، أي أنه يصبح غير معدٍ،  بعد تلقي العلاج بشكل منضبط، وعادة يتمكن الشخص المصاب من العودة لحياته الطبيعية،  دون أية خطورة، والمعروف أن مرض الدرن، مرض معد ينتقل عن طريق الهواء والرذاذ، والمرضى المصابون به رئوياً هم الذين يحملون عدوى المرض فقط، وإذا لم يعالج المصاب بمرض الدرن، فإنه ينقل المرض إلى ما بين (10- 15) شخصاً، ويعتبر ثلث سكان العالم حاملين لبكتيريا الدرن،  وان (5-10%) من حاملي البكتيريا يصابون بالمرض خلال حياتهم، ويتحولون إلى ناقلين للمرض.
ويشير الدكتور “عبد العزيز” إلى أن المرض كان في فترات سابقة السبب الأول للوفاة، ومنذ اكتشاف علاج له في الأربعينات من القرن الماضي بدأ في الانحسار التدريجي عالمياً، ولكنه عاد للظهور بقوة مرة أخرى، منذ منتصف الثمانينات… وتعزى عودة مرض السل للظهور وانتشار مرض نقص المناعة المكتسبة (الايدز)، لكثرة السفر والتنقل والهجرة بين دول العالم، وخاصة من الدول التي يعتبر المرض مستوطناً فيها،  إلى الدول الأقل تأثراً بالمرض، وعدم دعم البرامج التوعوية والعلاجية التي تؤدي إلى الحد من انتشار المرض.
 ووصف الدكتور “العاجب” مرض السل بـ(المراوغ) –  إذ بمجرد بدء العلاج يشعر المريض بتحسن كبير –
ونادى بضرورة تطعيم الأطفال،  من عمر يوم ،بالجرعة الوقائية (BCD) التي تعطي مناعة بنسبة كبيرة وتقلل الإصابة بالمرض.
وأشار إلى أن الأطفال وكبار السن، بجانب مرضى الفشل الكلوي والإيدز، هم أكثر عرضة للإصابة بالمرض لأنهم أقل مناعة.
ضعف الميزانية:
وأكد ممثل “منظمة الصحة العالمية” في السودان “أنشو بانريغي” سبتمبر الماضي، أن عدد حالات الإصابة بمرض الدرن في الشرق الأوسط ، تبلغ (مليون) حالة (7%) منها في السودان.
 وطالب “بانريغي” وزارة الصحة الاتحادية بالاهتمام بمكافحة المرض، محذراً من ظهور حالات الدرن المقاوم في البلاد، والذي قال إن تكلفة علاجه تساوي مئات أضعاف تكلفة علاج الدرن العادي.
ولا تتعدى نسبة العاملين في القطاع الصحي الـ(1.3) عامل لكل ألف ، مقارنة بالمعدل المنادى به من قبل منظمة الصحة العالمية ،التي تفترض توفير (2.3) عامل لكل (1000) شخص.
ويعود السبب الرئيسي في تدهور أوضاع الصحة إلى ضعف الميزانية المرصودة للصحة، حيث لا تتجاوز (2.9%) من جملة المصروفات.
العمالة الأجنبية:
ويشكل توافد العمالة الأجنبية من دول الجوار الشرقي – حيث يعتبر السل من الأمراض المستوطنة، والشائعة هناك – أحد أهم الأسباب لانتشار المرض، وهذا يؤكد أهمية الالتزام بالضوابط ،والقوانين التي وضعتها وزارة الصحة ومكتب العمل والعمال، من الكشف الطبي على العمالة الوافدة للتأكد من خلوها من المرض، كما أن سكن العمال في مناطق ضيقة، سيئة التهوية، وبأعداد كبيرة يؤدي للإصابة بالمرض.
والوصمة الاجتماعية:
وتعتبر الوصمة الاجتماعية المرتبطة بمرض الدرن المهدّد الأكبر لمكافحة المرض، مما أدى لانتشاره بين شرائح المجتمع، وهذه الوصمة تسبب-  إلى جانب الإحجام عن الاعتراف بالمرض ومعالجته-  معاناة اجتماعية كبيرة للمريض.
وتشير المنسق الوطني لبرنامج مكافحة الدرن،  أن شعور مرضى الدرن بالخجل والعيب (الوصمة)، جراء إصابتهم بهذا المرض ، ما تزال تشكل عائقاً أمام جهود مكافحة السل في السودان، وبالرغم  من أن مرض الدرن يصنف من الأمراض المعدية، إلا أنه  ليس مرضاً معيباً يخدش سمعة الفرد أو سيرته، وأصبح اليوم قابلاً للشفاء، وسيادة (الوصمة) المرتبطة بالمرض يزيد منها قلة الوعي لدى أفراد المجتمع بماهية مرض السل (الدرن) وأسبابه، وكيفية انتقاله، وطرق الوقاية منه، مما أدى إلى المبالغة في الخوف منه، وكذلك الانطباع السائد عن خطورة هذا المرض، وعدم معرفة الناس بما أنجزه العلم، فيما يتعلق باكتشاف العلاج الناجع لهذا المرض، بحيث أصبح علاج هذا المرض في متناول الجميع، والشفاء منه أمراً ممكناً، وأيضاً هناك قصور في الجانب الإعلامي في التوعية والتعريف بأنشطة وإنجازات البرنامج الوطني لمكافحة السل ، فيما يتعلق بالتشخيص والعلاج، ومن الأسباب أيضاً ، الممارسات الخاطئة من بعض الأطباء والعاملين في المجال الصحي، وذلك من خلال المبالغة في الخوف من العدوى بمرض السل، ويتجلى ذلك في طريقة التعامل مع مريض السل، والابتعاد عنه أو إبعاده ، بطريقة تجعل المريض يشعر بأنه منبوذ،  بسبب إصابته بمرض السل.
وأضافت المنسق أن هناك عدداً من الآثار المحتملة لمشكلة الوصمة ، منها تدني معدل اكتشاف حالات السل، وانتشار عدوى السل بين أفراد المجتمع، وزيادة نسبة تخلف مرضى الدرن عن تناول العلاج للفترة الكاملة، والتعثر في تطبيق إستراتيجية “الدوتس” بشكل دقيق، بالإضافة إلى حدوث مشاكل أسرية واجتماعية، ولكن في المقابل هناك جهود مبذولة للحد من هذه المشكلة، منها أن البرنامج الوطني لمكافحة الدرن،  يبذل جهوداً متنوعة للتغلب على مشكلة الوصمة، وذلك بتنفيذ عدة حملات توعوية، للتعريف بالمرض بين أفراد المجتمع.
رواسب فكرية:
وتقول “مريم عمر” ، (باحثة اجتماعية) :إن الشعور الذي ينتاب المريض واسرتة بالعار جراء الإصابة بمرض السل، يُعد من الأمور المشوشة لهم على الرغم من وجود الأدوية الفعالة لعلاجه، وذلك لأن الرواسب الفكرية لهذا المرض لم تزل تفعل فعلها في عقول الناس، الذين اعتقدوا أن مَنْ يصاب بالدرن لا يمكنه  الشفاء منه، وتكون وطأة الإحساس بالعار نتيجة الإصابة بالدرن أكبر عند السيدات ،منها عند الرجال، ويمكن أن تتعدى الوصمة إلى النبذ وهجر الزوج أو الطلاق أو زواج الزوج بأخرى، وفقدان المساندة الاجتماعية والاقتصادية، وفقدان السكن وعدم رؤية الأطفال، كما قد تتأثر فرصة الزواج لو عُرف عن الفتاة إصابتها بالسل، أو حتى لو كان أحد أفراد أسرتها مصاباً به، لأن وصمة عار الإصابة بالسل تلحق بجميع أفراد الأسرة.
تحذير وتحذير:
وحذرت منظمة الصحة العالمية من مغبة انتشار الدرن المقاوم للأدوية بدول شرق المتوسط.
وأطلقت نداءً لجميع الكوادر الطبية والصحية بالسودان لتنفيذ زيارات ميدانية للمناطق التي بها تسجيل حالات مكتشفة للمرض، وطالبت بضرورة الوقوف على المرض، والعمل على الاكتشاف المبكر له  للوصول للعلاج المتكامل.
وتقدر منظمة الصحة العالمية أنه من الآن وحتى عام 2020م سيكون هناك بليون حالة جديدة حاملة للمرض، 200  مليون شخص سيصابون بالمرض، وسبعون مليون حالة وفاة، إذا لم تتم السيطرة على المرض.
وأطلقت دكتورة “نعيمة القصير”،  ممثل منظمة الصحة العالمية بالسودان، خلال مخاطبتها الاجتماع المشترك بين البلدان المنضوية تحت إقليم شرق المتوسط، حول أحدث المستجدات في مجال مكافحة السل المقاوم للأدوية المتعددة، بـ(فندق كورنثيا) الأسبوع الماضي، أطلقت نداءً لجمعية حماية المستهلك ،لتغيير سلوكيات المستهلك ،وترشيد استخدامه الأمثل للدواء.
وحذرت في نفس الوقت من مغبة تناول وصفات طبية غير ناجعة للعلاج، قد تؤدي إلى ظهور بكتيريا مقاومة لمرض الدرن، كاشفة عن اتجاه جديد للتوسع في زيادة العلاج بالمجتمعات، ومراقبة الوضع من قبل الكوادر الطبية، خاصة الأطر المساعدة، مشددة على ضرورة إيجاد العلاج والفحص المبكر للحالات المكتشفة، بجانب تعزيز العلاج للمجتمعات ذات الهشاشة.
وأشارت “نعيمة” إلى أن الوصمة لمريض الدرن تسببت في زيادة انتشار الكثير من الحالات، منوهة لضرورة التفاف المجتمع لقضية الوصمة الاجتماعية للمصابين ومحاربتها لضمان دمج المرضى في المجتمع.
وأشارت “القصير” إلى أن الاجتماع تم بمشاركة (16) دولة من دول اقليم شرق المتوسط في مجال مكافحة السل ، وكيفية التعامل مع المرض.
من جانبه أكدت إدارة الأمراض غير السارية بوزارة الصحة الاتحادية، بدء تطبيق خطة لتوسيع مظلة خدمات الفحص بالولايات وإنشاء خمسة معامل إقليمية لفحص الدرن بكل من (الجزيرة – نهر النيل – شمال كردفان – كسلا – الخرطوم).
وأعلن مدير الإدارة الدكتور “طارق عبد الرحمن” عن البدء في تطبيق نظام الترصد لتشخيص وعلاج الدرن، اعتباراً من مايو الجاري بكل من ولايات (كسلا)، (نهر النيل) و(الخرطوم)، وإعادة فحص حالات الدرن للتأكد من وجود الدرن المقاوم للعلاج، كاشفاً عن رصد (105) حالة درن مقاوم في العام 2015م، مؤكداً على توفير معمل وتشخيص بكل ولاية بنهاية هذا العام.
من المحرر:
“مستشفى أبو عنجة”… معروف بأنه المستشفى المتخصص في علاج السل.. لكن العاملين به،لفتوا انتباهي  إلي  إن اسمه ( المكتوب في اللافتة) قد تغير  إلى مستشفى (الصدر وأمراض الجهاز التنفسي)، وذلك بطلب من السيد “الصادق المهدي،ووفق رواية أولئك العاملين ،فإن المهدي ، قد رأى أن تسمية المستشفى باسم البطل “حمدان أبو عنجة” فيه تقليل من قيمة الرجل…..!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية