بين مطرقة القوات المسلحة وسندان (وثيقة الدوحة) وخارطة الطريق
جهود السلام تحاصر الحركات المسلحة من جميع الجهات
الخرطوم – وليد النور
في خطوة مفاجئة وجه رئيس الجمهورية انتقاداتٍ شديدة إلى الحركات المسلحة التي رفضت التوقيع على خارطة الطريق، ووقعت عليها الحكومة في “أديس أبابا”، ووصف تطلعاتها بالحالمة والواهمة. وتعرضت الحركات المسلحة إلى ضربات موجعة من القوات المسلحة لاسيما حركة العدل والمساواة في معركة (قوز دنقو)، وحركة تحرير السودان جناح “عبد الواحد نور” في جبل مرة . ويقول المراقبون إن الحكومة استطاعت توجيه ضربات متتالية إلى الحركات والأحزاب السياسية التي رفضت التوقيع على خارطة الطريق، وأن شوكتها كسرت، الشيء الذي جعلها غير قادرة على فعل شيء، يؤثر في الحكومة. ووجه رئيس الجمهورية المشير “عمر البشير”، هجوماً عنيفاً على الحركات المسلحة، ووصف القائمين عليها بالحالمين والواهمين. ويضيف المراقبون أن هنالك تقاطعات في التصريحات التي تخرج من المسؤولين، في الوقت الذي يبذل فيه الوسيط القطري “أحمد بن عبد الله آل محمود” جهوداً كبيرة لإلحاق حركتي العدل والمساواة بقيادة “جبريل إبراهيم”، وحركة تحرير السودان بقيادة “عبد الواحد محمد نور” إلى سلام دارفور، فضلاً عن التحركات التي يبذلها رئيس الآلية الأفريقية رفيعة المستوى “ثابو أمبيكي”، من أجل إلحاق الرافضين بخارطة الطريق، بجانب حديث مساعد رئيس الجمهورية “إبراهيم محمود حامد” عن توقعات بانضمام ممانعين للحوار في الداخل .
أستاذ العلوم السياسية البروفيسور “حسن الساعوري” قال في حديثه لـ(المجهر)، إن وصف رئيس الجمهورية قوى المعارضة والحركات المسلحة (بالحالمين والواهمين في مكانه الصحيح)، مشيراً إلى أن المعارضة حاولت إشعال مظاهرات في الخرطوم، تسببت في تعليق الدراسة بجامعة الخرطوم. وقال “الساعوري” إن المعارضة ستظل حالمة إلى أن تثبت العكس، لأن الثورة لا تصنع بهذه الصورة، ولا بالسلاح، ولكن الثورة تقوم بتلقائية، كما حدث في أكتوبر وأبريل، وليس بحمل السلاح وإطلاق النار. من جهته قال البروفيسور “صلاح الدومة” في حديثه لـ(المجهر)، إن المعارضة السودانية ضعيفة للدرجة التي جعلت الحكومة توجه لها ضربات متلاحقة خلال الفترة السابقة، سواء أكانت ممثلة في الحركات المسلحة بدارفور وجنوب كردفان أو المعارضة السياسية. بيد أن “الدومة” قال إنه رغم ضعف المعارضة، إلا أن الحكومة ارتكبت بعض الأخطاء الفادحة. وزاد أن ضعف المعارضة لا يعني أن الحكومة قوية. وكان رئيس الجمهورية قد قال إن الانتصارات التي حققها الجيش في منطقة جبل مرة وقوز دنقو وسرونق بدارفور، (حولت حلم المتمردين بالانتفاضة ضد الحكومة إلى انتكاسة جديدة للواهمين والحالمين الذين يديرون معركتهم ضد الوطن من فنادق “باريس”). واعتبر الرئيس، خلال مخاطبته (الاثنين) الماضي المؤتمر العام لاتحاد نقابات عمال السودان، توقيع الحكومة على خارطة الطريق، رسالة أكدت للعالم إيمانها بخيار السلام، ونبذها الحرب والاقتتال.
وأضاف: (المتمردون خسروا مواقفهم أمام العالم بعدم التوقيع على الخارطة، واختيارهم لطريق الحرب). وامتدح “البشير” العمال قائلاً إن لهم جهوداً متواصلة في دعم البناء وتحريك الطاقات وزيادة الإنتاج، بجانب دعمهم للقوات المسلحة في إيقاف الحرب، وإسقاط البندقية وإعادة الإنتاج في المناطق التي دمرتها ما أسماها “الحركات الإرهابية”، والحاملة للسلاح بجنوب كردفان والنيل الأزرق. وتابع (هم من حولوا الانتفاضة المزعومة، والانتكاسة الجديدة، لعمل وإنتاج).
وكان رئيس الأركان المشتركة للجيش، الفريق أول “عماد الدين عدوي”، قال إن الجيش مستمر في عمليات الصيف ضد ما أسماها (الحركات المسلحة)، بهدف حماية أرض الوطن من الاستهداف الخارجي الممنهج، بمعاونة المتمردين، وتوفير الأمن للمواطنين.
وأشار “عدوي” في تصريحات سابقة إلى أن القوات المسلحة قادرة على إجبار المتمردين على قبول خيار السلام بقوة السلاح، مشيداً بانتصارات القوات المسلحة في مسارح العمليات، ووعد بمواصلة العمليات حتى يتحقق السلام. وأفاد “عدوي” أن الحكومة مضت بشكل جاد في طريق إحلال السلام بالبلاد، عبر توقيعها على خارطة الطريق المقدمة من الوسيط الأفريقي “ثابو أمبيكي”، إلا أن المتمردين رفضوا قبول الورقة والتوقيع عليها، الأمر الذي كشف عدم رغبتهم في التوصل إلى تسوية سلمية للقضية، حسب قوله. من جانبه أكد قائد الفرقة (14) اللواء الركن “ياسر العطا”، استعداد القوات المسلحة الدخول لمناطق أخرى، بعد أن أحكمت قبضتها على مناطق إستراتيجية في المرحلة الأولى من عمليات هذا العام.
وقال إن قواته ستنتصر من أجل إحلال السلام، وتأمين الوطن، لكي ينعم أهل ولاية جنوب كردفان بالأمن والاستقرار.
وفي السياق ذاته، وجه وزير الخارجية “إبراهيم غندور”، انتقادات للحكومة الفرنسية بسبب استضافتها ومشاركتها في اجتماعات للمعارضة السودانية بباريس، قائلاً: إن استضافتها لمثل هذه الاجتماعات تكررت، وكل مرة يقولون إنهم يعملون لأجل أن تكون هذه الحركات جزءاً من السلام. وكانت وزارة الخارجية قد استدعت السفير الفرنسي بالخرطوم “برونو لوبير”، خلال الأسبوع الماضي، وأبلغته بأن استضافة “باريس” لاجتماعات الجبهة الثورية والحركات المسلحة المتمردة، (تعتبر عملاً عدائياً ضد السودان وتحريضاً على استمرار الحرب، وتقويض النظام الدستوري وتقديم دعم مباشر للحركات المسلحة المتمردة). وقال “غندور” في تصريحات للصحفيين إن الاجتماع الأخير للمعارضة في فرنسا، ورغم أن لجنة الاتحاد الأفريقي قد عرضت خارطة الطريق التي وقعتها الحكومة، إلا أن بيان الحركات المسلحة تحدث عن إسقاط الحكومة وبقوة السلاح، وبالتالي فإن مشاركة الحكومة الفرنسية وبمستوى رسمي (مسؤول الشؤون الأفريقية في الخارجية الفرنسية)، يعني ضمناً تأييداً لمثل هذه المبادرات. وأضاف: (بالتالي كان لا بد من التحدث للسفير الفرنسي لتوضيح الأمور). وتابع: (بعد استدعائه قال إنه لا عداء لفرنسا للسودان، ولا رغبة لها في التدخل في الشؤون الداخلية). وأكد “غندور” أن سفير “باريس” اعتذر، وأكد حرصه على علاقات بلاده مع السودان، وأنه سيرفع الأمر لرئاسة وزارته.
وفي سياق ذي صلة، قال رئيس اللجنة الدولية لمتابعة تنفيذ سلام دارفور، نائب رئيس مجلس الوزراء القطري، “أحمد بن عبد الله آل محمود”، إن تنسيقا يجري حالياً مع الوسيط المشترك وممثل الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي بدارفور (يوناميد) “مارتن أوهوموبيهي”، لإلحاق الحركات المسلحة بالسلام عبر وثيقة الدوحة. وأعلن “آل محمود” أن اللجنة ستلتقي بالدوحة نهاية الشهر الجاري، بكل من رئيس حركة العدل والمساواة “جبريل إبراهيم”، رئيس حركة تحرير السودان، و”مني أركو مناوي”. وكشف الوسيط القطري عن تلقيه رسائل من قادة بعض الحركات ـ لم يسمها ـ تبدي فيها رغبتها بالمجيء إلى الدوحة، والتوصل إلى سلام شامل على أساس وثيقة سلام دارفور. وأضاف: (قمنا بإبلاغ أطراف السلام بمضمون الرسالة ونرحب بكل من يرغب في اللحاق بالوثيقة على ذات خطى الحركات الموقعة). إلا أن “آل محمود” عبر عن يأس الوسطاء من انضمام زعيم حركة تحرير السودان “عبد الواحد محمد نور” لعملية السلام، كما أكد الوسيط القطري عدم وجود اتجاه لفتح وثيقة الدوحة، خاصة وأن قرار مجلس الأمن والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية جعل الاتفاقية أساساً لعملية السلام في دارفور، على أن يكون أي اتفاق مع الأطراف تحت مظلتها. وأشار إلى أن تلك التحديات تقع خارج نطاق وثيقة الدوحة، ممتدحاً جهود السلطة الإقليمية ولجنة الأمن الإقليمية للسيطرة على الأسلحة في دارفور ونزعها من الأهالي. وقال “آل محمود”، إن بعض بنود وثيقة الدوحة ظلت غير مطبقة جزئياً، خصوصاً فيما يتعلق بالتعويضات، لكنه أشار إلى أن أسبابها خارجة عن إرادة أطراف الاتفاق. واعتبر شح الموارد المالية يلقي بظلال سالبة على تنفيذ بنود الاتفاقية. وأكد “آل محمود” على أهمية استمرار عمل المفوضيات التي لم تكتمل وظائفها بعد، مثل مفوضيات العودة الطوعية، والأراضي، والترتيبات الأمنية، وصندوق إعمار دارفور، والعدالة والمصالحة، قائلاً: (لا بد لهذه المؤسسات أن تستمر لفترات زمنية مختلفة لإنجاز مهامها).
ونبه “آل محمود” إلى أن اكتمال تنفيذ وثيقة الدوحة لا يعني إحلال السلام في دارفور بصورة نهائية، لجهة أن هناك حركات خارج إطار الوثيقة. وأضاف (نؤكد أن الوثيقة تظل مفتوحة كأساس لانضمام الحركات غير الموقعة على السلام. الوثيقة ليست اتفاقاً بين طرفين، وإنما لكل أهل دارفور).