بعد.. ومسافة
مالكم كيف تعلنون..؟
مصطفى أبو العزائم
السؤال أعلاه موجه للشركات الكبرى في مختلف المجالات بدءاً من شركات الاتصال، مروراً بالشركات المنتجة للأغذية والمشروبات، ثم الشركات والمصانع المنتجة للمستهلكات من أثاث ومركبات انتهاءً بالجهات المنتجة لأدوات التجميل والزينة، وهناك منتجات نحمد الله أنها لم تحتل حتى الآن جزءاً من المساحات المخصصة للإعلان والترويج والدعاية في أجهزة إعلامنا المسموعة والمرئية، وإن كانت قد تسللت إلى بعض الصحف الإعلانية، ونقصد بها تلك الإعلانات الخاصة بعلاج حالات المس والسحر والحسد، أو تلك المتصلة بإعطاء الرجال قوة مضاعفة، مع زيادة هرمون الذكورة، والإعلانات الخاصة بعموم المنشطات الطبيعية أو غير الطبيعية، وهذه نراها قد احتلت مساحات واسعة في أزمنة البث الفضائي في عدد من الفضائيات العربية.
الإعلان ضروري ومهم لكل صاحب عمل أو منتج اختار أن ينافس غيره في (سوق الله أكبر) بين مستهلكين تختلف أذواقهم وأمزجتهم كثيراً، لذلك ظللنا على الدوام نقول بأن أثر الصحف أقوى حتى وإن تراجع توزيعها مقارنة مع انتشار البث الإذاعي أو التلفزيوني، لأن الصحف تصنع (الرأي العام)، بينما الأجهزة المسموعة والمرئية تصنع (الذوق العام)، خاصة في مجال الإعلان، فاللغة والمفردات الثابتة والمباشرة المكتوبة تخاطب العقل، بينما الصورة والحركة والصوت تتوزع بين مخاطبة الحاجات والرغبات وربما الغرائز في بعض الأحيان لدى الشخص المستهدف بالإعلان.. ثم إن الصحافة عموماً يمكن متابعة توزيعها من خلال آليات واضحة، بينما يصعب ذلك بالنسبة لكثير من الفضائيات أو الإذاعات، التي يصعب متابعة انتشارها وأثرها، خاصة وأن أزمنتها الأعلى مشاهدة غير ثابتة، لأنها ترتبط ببرامج معينة أو ترتبط بأشخاص محددين، مثل في حالة برنامج (أغاني وأغاني) الرمضاني ومقدمه الأستاذ “السر قدور”، أو مثل برامج أخرى ترتبط بمادتها المقدمة أو بشخصية مقدم أو مقدمة البرنامج، أو لطبيعة الإذاعة أو الفضائية وتخصصها وأثرها على قطاع أكبر من المستمعين أو المشاهدين مثل الإذاعة الرياضية أو قناة أنغام أو غيرهما.
نعود لموضوعنا وتساؤلنا ذاك (مالكم كيف تعلنون؟)، وللذين خاطبناهم بدايةً لأن الإعلان فن يتطور تطوراً ذاتياً ويرتبط في وقتنا الحالي بالتطور التقني المتسارع الذي انعكس على هذه الدنيا العجيبة، دنيا الإعلان، فأصبح التصميم والإخراج واستخدام الناس أو الأدوات جاذباً إلى أبعد الحدود في شاشات العرض التلفزيوني، أو شاشات العرض العام في الطريق، أو حتى في الإذاعات من جانب الصوت والمؤثرات السمعية الأخرى.
بعض الإعلانات التي نطالعها في الصحف تؤدي الغرض منها بنشر المحتوى الترويجي وتؤثر في أحيان كثيرة بقوة، خاصة إذا تضمنت معلومات جديدة وميزات تنافسية للسلعة أو الخدمة المعلن عنها مقارنة مع مثيلاتها، لكن كثيراً من إعلانات الراديو والتلفزيون عندنا أصبحت (مملة).. نعم.. مملة إلى أقصى درجة الملل، لأن الإعلان الواحد يتكرر عدة مرات في اليوم، ويستمر عرض ذات الإعلان لفترات طويلة لأشهر دون تجديد أو تغيير.
الإعلان في بداياته يمكن أن يعرض أكثر من مرة في اليوم، خاصة إذا تضمن جديداً، لكن أن يستمر ذات الإعلان لفترات طويلة دون تجديد، فإن نتائجه ستكون سالبة وعكسية، خاصة في الفواصل داخل البرامج أو المسلسلات أو بين شوطي أي مباراة كرة قدم، وأول ما يفعله المشاهد هو الإمساك بجهاز التحكم من بعد (الريموت كنترول) لتغيير القناة مع عبارات ساخطة على المعلن – بضم الميم وتسكين العين وفتح اللام – وهذا هو الذي يحدث الآن، مع علمنا بأنه لا توجد آليات أو أجهزة خاصة لدى الشركات المنتجة للسلع أو الخدمات لمعرفة الـ(Feed back) أو الأثر الناتج عن ذلك الفعل، أو معرفة مردود الإعلان إن كان سالباً أو إيجابياً. الإعلان لفترة طويلة بذات الطريقة وعلى ذات النسق دون تغيير ممل ومنفر.. ليت أجهزتنا الإعلامية خاصة المرئية والمسموعة، وضعت ضوابط لأشكال الإعلان وفترات بثه وأزمنته، وإلا فإن كل الذي يُنفق في هذا العمل الذي من المفترض أن يكون إبداعياً، سيضيع في الفضاء ويكون هباءً منثوراً.