الشيخ "حسن "الترابي" في (شاهد على العصر) بقناة الجزيرة (الحلقة الثالثة – الجزء الأخير )
رصد – طلال اسماعيل
السودانيون لا تغلب عليهم روح العمل لأن الثقافة الاقتصادية هي ثقافة بدوية رعوية
# “أحمد منصور”: يعني رؤيتك هنا كانت رؤية جماعة مستقلة مالياً واقتصادياً تستطيع أن تواجه المجتمع أن تحمل نفسها أن تؤثر فيه وأن تغير؟
– “الشيخ الترابي”: والاقتصاد لم نقصد به أن نكسب مالاً نحن
# “أحمد منصور”: لكن توفر مالاً؟
– “الشيخ الترابي”: لا، إن الاقتصاد نفسه لازم نعيده للدين.
# “أحمد منصور”: حتى من التجار؟
– “الشيخ الترابي”: الحركة الإسلامية غالبها عندئذ ما كانت تتذكر أن
# “أحمد منصور”: الاقتصاد إسلامي.
– “الشيخ الترابي”: الذي خرج من الدين هو، يظنون السياسة..
# “أحمد منصور”: رؤيتك الاقتصادية كانت إيه في الوقت ده منتصف الستينيات؟
– “الشيخ الترابي”: والله لأن ثقافتي التقليدية جيدة في الكتب، يعني ما كنت اشتراكياً، بمعنى أن المال كله يذهب للدولة لكن كنت مع حرية المال، الكسب للناس، مع العدالة طبعاً للفقراء لابد أن يرعوا رعاية، مع أن السودان لابد أن يقوم عاملاً لأن السودانيين لا تغلب عليهم روح العمل لأن الثقافة الاقتصادية هي ثقافة بدوية رعوية، الراعي لا يعمل كثيراً ولا يحب الصناعة، بل يكره إذا سميته “حداداً” يعني يعدها سبة له فلا يحب الصناعات اليدوية هذه أصلاً، السودان فيه عيوب ما تزال إلى الآن تلاحقه وتراوده شيئاً ما المجتمع….، ونحن من أول أيامنا بدأنا أفكارنا، بدأنا ننفتح لكن ما حققنا انفتاحاً في الاقتصاد إلا في عهد “نميري”.
– # “أحمد منصور”: طبيعة الناس كانت إيه.. طبيعة المجتمع السوداني كانت عائقاً بالنسبة لك أم كانت دافعاً؟ يعني يوجد لك طموح وهنالك خصائص اجتماعية ونفسية للناس؟
– “الشيخ الترابي”: أولاً المجتمعات صوفية وأنا أجي اقرأ عليهم كلامي طوالي من القرآن مباشرة، وخلاوى القرآن كانت محترمة فكانوا يستمعون لك.
– # “أحمد منصور”: يعني أدركت كيف تخاطب الناس؟
– “الشيخ الترابي”: نعم، وما كنا خطراً عظيماً حتى يغار عليّ الآخرون فيحرضون علينا قواعدهم جداً، كانت ريبة بعض الشيء
– # “أحمد منصور”: من زعماء الصوفية؟
– “الشيخ الترابي”: زعماء السياسة.
– # “أحمد منصور”: زعماء السياسة؟
– “الشيخ الترابي”: الذين لهم مصالح سياسية، لكن القبائل والطرق الصوفية، وهكذا كانوا يرون أن مثقفين يتحدثون معهم ديناً في السياسة ويعرضون لهم الكلام بقرآنهم وبأذكارهم ويتكلمون عن أذكارهم وشعائرهم حديثاً فيه حياة ليست فيه فقط الصورة والأصوات فقط، بعدين السلفية والصوفية استطعنا أن نوحد مدهم معنا، فيمكن بالصوفي ندخل على الصوفي، وبالسلفي نجدد معانيه ما نخليه مثل عباد الوثن والخرافات وهكذا، وثقافتنا طبعاً جينا بها من الغرب، حقيقة يعني زودتنا بكثير من تجارب الإنسان، وصل إلى الحكم النيابي، ونحن نعلم أن الدين كان فيه حكم نيابي من أوله، ولكنه ضاع والحريات، وكان قائماً على مشيئة الإنسان، ولكنها ضاعت تماماً، والمرأة وتحرير المرأة بقي مداً شديداً كان الدعوة لتحرير المرأة، أول الأمر كان مقاومة.
– # “أحمد منصور”: مفهوم تحرير المرأة كان إيه؟
– “الشيخ الترابي”: أولاً كنا نتخذ القرآن ونتخذ لا السنة، بمعنى حديث قصير أو هكذا، فعل السنة الفعلية حياة، النساء في عهد الرسول “صلى الله عليه وسلم” ومشاركتهن في الشورى وفي الحرب وفي التجارة وفي الزيارات وفي المساجد وهكذا.
– # “أحمد منصور”: ألم يكن هذا أمراً غريباً على مجتمع رعوي قبلي؟
– “الشيخ الترابي”: كان غريباً ولكنه لأنه جاء بروح دينية قرآن معه والآيات طوالي، والكلام عن فعل السنن الفعلية لحياة النبي.
– # “أحمد منصور”: إيه العوائق التي كانت تواجهكم؟
– “الشيخ الترابي”: والله ياخي، العرف طبعاً، كان العرض عنه أمراً، والنساء عنده محجوبات تماماً من الحياة العامة وما كانت تؤدي الصلاة الفتاة، تعتبر الشيطان كأنه ركبها إذا صلت.
– # “أحمد منصور”: ليه؟
– “الشيخ الترابي”: إلا أن تتزوج، لابد بعد أن تبلغ من العمر عتيا.
– # “أحمد منصور”: تبدأ تصلي؟
– “الشيخ الترابي”: والأنوثة والذكورة فيها كأنما ضاعت، وتلبس سروال وتكون حاجة تحج، عندئذ بضع نساء يدخلن المسجد فقط، حتى بيوت الدين الجانب النسوي ما كان يعني ولا كان يوجه إليهن خطاباً.
– # “أحمد منصور”: يعني كيف كانت النظرة للمرأة؟
– “الشيخ الترابي”: نظرة جاهلية سيئة جداً، وأيام الانجليز فتحوا أبواباً للدعارة علناً في وسط كل مدينة علناً، الخَمَرة الحديثة علناً، والسودانيون مخمورون بالخَمَرة البلدية كانوا، والخمرة الحديثة أيضاً عند الصفوة والمثقفين.
– # “أحمد منصور”: الخَمَرة كان لها انتشار واسع في المجتمع؟
– “الشيخ الترابي”: انتشار واسع جداً في السودان، شعبياً الخَمَرة البلدية، وبينما الصفوة يشربون الخمور.
– # “أحمد منصور”: هزيمة 1967 وقعت وأنتم في ظل هذا العنفوان من الممارسة السياسية.. كيف كان تأثيرها عليكم أنتم السودانيون؟
– “الشيخ الترابي”: والله أولاً تعاطفنا مع المغلوب يعني (قالها بضحكة) تعاطفاً، نحن دائماً نحاول حتى ولو كان في مصر الصراع يحتد بين التيار الإسلامي وبين السلطان، والسلطان أحياناً قياساً يحاسبنا حتى إن لم تكن لنا صفة عضوية ولا تنظيمية مع هؤلاء، إلا الكتب وأقول الحق طبعاً كنا مع الأخوان ومع الجماعة وكل الحركات الاخوانية بنجتمع في اجتماعات، نحن نقول نحن لسنا عضوية منكم تنظيمياً، لكن معكم..
– # “أحمد منصور”: فكرياً؟
– “الشيخ الترابي”: فكرياً، وهكذا فنلتقي في مواقع كثيرة بلاد عربية وبلاد أوروبية.
– # “أحمد منصور”: في ذلك الوقت؟
– “الشيخ الترابي”: في ذلك الوقت.
# “أحمد منصور”: يعني الأخوان هنا كانوا جزءاً من الأخوان المصريين مطارد وهارب من فترة عبد الناصر و..
– “الشيخ الترابي”: وفيهم أخوان من “سوريا” ومن “اليمن” وفي بلاد أخرى كثيرة، فكنا نجتمع كلنا هذا، وأحياناً نتصل بكل البلاد الأخرى في تونس وتركيا وباكستان وفي غيرها إن شاء الله.
# “أحمد منصور”: أزمة 1967 واللاءات الثلاثة والمؤتمر الذي عقد في الخرطوم في 29 أغسطس؟
– “الشيخ الترابي”: المد الناصري أو القومي العربي في السودان ما تمكن أصلاً.
# “أحمد منصور”: لماذا؟
– “الشيخ الترابي”: أولاً العرب يتعثر عليهم أن يحيلوا العروبة من اللسان إلى..
# “أحمد منصور”: العرق..
– “الشيخ الترابي”: إلى القومية، لأنهم هم أولاً خلطة بين عرب وبشر آخرين من أهل البلد، صحيح انغمر تماماً أهل البلد في الشمال، ولكن الجنوب مازال قائماً في الغرب ما يزال معالم كثيرة ظاهرة في الوجوه يعني، فالقومية العربية أصلاً ما مدت فينا، حتى الناصرية هذه لان روح الاستقلال والصراع أيام الاستقلال، ناصر محترم جداً ومقدر ولكن ما النزعة التي تجدها في الخليج وتجدها في بلاد عربية، يعني البطل، والانكسارة لم تكن بهذا القدر، يعني عندما انهزم البطل والجيوش العربية، ورغم أن السودانيين منذ قبل الاستقلال اشتركوا في حرب فلسطين يعني وأوفدوا ناس يقاتلوا في فلسطين، ونحن كنا لما ظهرت ” فتح” كنا مع “فتح”، السودانيون لا يعرفون “فتح” كثيراً مع أن الإسلاميون كلهم كانوا فيها، طبعاً بعد ذلك لمن خرجت “حماس” كنا معها، السودانيون غالب الحكام كانوا شماليين، ولذلك نزعتهم في العلاقات الخارجية نحو الشمال والشرق، شمالاً وشرقاً
# “أحمد منصور”: نحو العرب يعني؟
– “الشيخ الترابي”: أما الأفارقة والجوار الأفريقي الهم كان به أدنى حتى ذلك الحين بالرغم من أننا نحن كنا نحاول أن نوازن رؤيتنا لأفريقيا لان السودان متمكن في أفريقيا تمكناً واسعاً، يعني مع جملة من الدول ومن ذات شعوب أفريقيا السودان فيه من كل الأنواع، فكان يمكن من أول الطريق أن نبدأ بهذه الموازنة، لكن كان جنوحنا هكذا إلى
– # “أحمد منصور”: إلى الشمال والشرق
– “الشيخ الترابي”: إلى الشمال والشرق، نعم.
– # “أحمد منصور”: هل رغم أدائكم السياسي في البرلمان في انتخابات العام 1968 خسرتم أنتم والشيوعيون؟
– “الشيخ الترابي”: لان دوائر الخريجين ذهبت والشيوعيون لم يكونوا حزباً رسمياً إلا أن يأتوا بأسماء أخرى يعني ونحن كسبنا مقاعد الجغرافية مثل تلك المقاعد، لكن فقدنا مقاعد الخريجين.
– # “أحمد منصور”: مقاعد الخريجين؟
– “الشيخ الترابي”: خرجت أنا مثلاً
– # “أحمد منصور”: خرجت من البرلمان؟
“الشيخ الترابي”: خرجت لكن حياتي كلها سائح في السودان، خلاص ما نعرفت في السودان، أولاً أثناء الجمعية التأسيسية لما الشيوعيون خرجوا أصبحنا نحن المعارضة الأساسية، الدستور هذا يكون إسلاميا أم لا يكون إسلامياً، كانت قضية هائلة عندئذ، والعلمانيون من الساسة كانوا يستحون لأن القاعدة على طوائف دينية وهم علمانيتهم لم تكن عن بيان وعن بينة في أنفسهم، ما هي العلمانية وكيف خرجت؟، ولكن كانوا يرون هذا الدين شأناً خاصاً في حياتهم.
– # “أحمد منصور”: دكتور “حسن مكي” يقول في كتابه (الحركة الإسلامية في السودان) بينما كنتم داخل الحركة الإسلامية مجهولين أو منقسمين حول أسباب تحري الخلاف بين التيار التربوي الأصولي وبين تيار الانتشار من السياسي من خلال مؤتمركم الذي عقد في 15 ابريل 1969.. في هذا المؤتمر جدد لك كمراقب عام للإخوان وجدد لك كأمين عام؟
“الشيخ الترابي”: مرة واحدة.
– # “أحمد منصور”: مرة واحدة؟
“الشيخ الترابي”: لمن قامت الثورة لم أكن أنا على رأس الإخوان المسلمين.
– # “أحمد منصور”: نعم، ولكن هذه أصبحت مراقب الأخوان المسلمين وأصبحت…
“الشيخ الترابي”: لسبب الرأي العام والشهرة.
– # “أحمد منصور”: وأصبحت الأمين العام لـ(جبهة الميثاق الإسلامي)..
“الشيخ الترابي”: نعم.
– # “أحمد منصور”: في هذا الوقت كان هنالك ترتيب لانقلاب عسكري، هل شعرتم في الأجواء أن هنالك من يرتب لانقلاب عسكري.
“الشيخ الترابي”: طبعاً، نحن لم نعرف أن هذه السنة كل ثلاث سنوات للنظم الديمقراطية شكلاً لا تعيش كثيراً في السودان، مرة واحدة فقط، ولكن نحن شغلتنا خلافات داخلية كما قلت، نحن فينا نزعة للجماهير، الانفتاح..
– # “أحمد منصور”: كنت أنت تميل إليها؟
“الشيخ الترابي: وتحرير المرأة، أنا حياتي كلها كما حدثتك كنت حايم في السودان صغيراً منفتح في ثقافتي، تقليدياً وحديثاً، في تعليمي ما بريطاني فقط، بريطاني وأوربي، عندي الانفتاح هذا، بعضنا كان يريد أن يجرنا إلى التنظيمية والخصوصية.
– # “أحمد منصور”: ما المانع في أن يمشي هذا مع ذاك؟ لأنه لابد أيضاً من عملية إعداد للناس، الشعبوية هذه تجمع الصالح والطالح.
“الشيخ الترابي”: صحيح، ودائماً ما بين الكم والكيف يكون هنالك خلاف
– # “أحمد منصور”: بالضبط، وظل هذا يلاحقكم طوال الفترة؟
“الشيخ الترابي”: نعم، نعم، كم مرات يركزوا كم حتى يصبح كماً محصوراً جداً متمركزاً جداً متعصباً جداً متطوفاً جداً، وتكون لا صلة له بالأفق، وهذه الدعوة لم تأت إليك هكذا، جاءت للناس كافة، للناس كافة، الذي يريدون الكيف لا الكم أيضاً ينزعون للخارج الواسع حتى إذا ضعف الكيف، العضو ضعف متوسط العضو ضعف يعني..
– # “أحمد منصور”: لماذا كانت مفصلة بين الكيف والكم؟
“الشيخ الترابي”: بين السرية والعلن دائماً توجد خلافات.
– # “أحمد منصور”: لماذا لا يكون هنالك توازٍ بين الاثنين؟
“الشيخ الترابي”: والله يا أخي العالم كله عندنا ثنائي، لماذا لا يكون في توازن بين النساء والرجال؟، يوم تلقى الرجال قسوا على النساء وبعدين يقوم تحرير نسوي يقسوا على الرجال. فدائماً بين السرية والعلنية والانفتاح كانت عندنا مشاكل ما وزنت بعد، وزنت بعد حين، لكن نحن أول مرة نخرج كان عسير جداً على الذين تعودوا على النجوى والسرية والخصوصية ومضروبين الأخوان والمسلمين في كل مكان والخروج خطر وربما يأتي شيء وهكذا، وبين الكسب والجمهور والبشر والناس وهكذا، وبين هذا وذاك وبين الكيف والكم وأنا ما كنت ضد الكيف، طبعاً أنا حافظ قرآن وقارئ ثقافة دينية طبعاً وبكتب في الدينيات والشعائريات من أول أيام، وبتكلم عن الصلاة وهكذا، ولكن كثيراً من الناس كانوا يريدون أن ننحصر فقط في الخصوصيات الدينية والعامة ده نتكلم كشعارات فيه.
# “أحمد منصور”: هل كنتم تدركون أن الأجواء مهيأة لقيام انقلاب عسكري؟
“الشيخ الترابي”: كلا، الشيوعيون طبعاً لمن انسد عليهم الباب لم يجدوا طريقة إلا..، لأنهم لا يؤمنون بالديمقراطية أصلاً، وانسد عليهم باب هذه الليبرالية حتى تتسع قواعدهم، ورأوا أن المد الإسلامي بدأ يتسع يتسع يتسع (كررها ثلاث مرات)، ويشتهر جداً، والأحزاب نفسها السياسية اضطرت أحياناً أن تساومنا، في الدستور تستحي من اللادينية السياسية، فخافوا من هذا التطور.
# “أحمد منصور”: ما هي الأجواء التي سبقت انقلاب النميري في الخامس والعشرين من مايو عام 1969م؟
– “الشيخ الترابي”: هي هذه، أن الشيوعيين حصروا، شعبياً حوصروا تماماً، هم أصلاً شعبيا لأمد لهم، الحركة الإسلامية تمتد شعبياً، سياسياً اشتهرت أكثر، دستورياً ربما تتحكم في النظام العام، الأحزاب السياسية التقليدية اضطرت أن تساوم في قضية الدين، طبعاً حتى لا تنقطع قاعدتها من قمتها الصفوية، الشيوعيون شعروا أنه ما من طريق إلا الطريق الثوري.
# “أحمد منصور”: لكن ألم يكن حل الجمعية التأسيسية في العام 1968 مقدمة أو إرهاصات لهذا؟
– “الشيخ الترابي”: الحل كان صراعاً بين الأحزاب، بين حزبين، اتفق الأزهري مع الإمام الهادي، انشق في أول الدورة الأولى، انشق الحزب الاتحادي شقين بين الدين والسياسة، لا بطريقة صريحة، أزهري وجماعته كانوا في كتبهم يتكلمون عن أن الدين يبقى محترماً والسياسة تبقى لوحدها، ولكن لا يدعون إلى العلمانية علناً، ولكن واقع الأمر كان هكذا، هم نفسهم كانوا ساسة، بعضهم لا يصلي، أزهري كان يصلي طبعاً، وفي حزب الأمة قام “الصادق المهدي”، طبعاً ثورة أكتوبر أخرجت أجيالاً جديدة، ما الترابي لوحده، في الحزب الشيوعي أجيال جديدة ظهروا، في أحزاب ظهروا شباب جديد، وظهر “الصادق المهدي”، ظهر واختلف مع عمه، وعمه كان هو الإمام الذي ورث الإمامة، والخلاف شق بينهما، هذا الحزب الأكبر انشق، والأزهري أراد أن تحل الجمعية قبل أن تنتهي دورتها لتقوم الانتخابات وبهذا التحالف يمكن أن..
# “أحمد منصور”: دائماً هنالك صراعات بين السياسيين ولا يستقر الأمر للمدنيين في السودان؟
– “الشيخ الترابي”: نعم، وبالفعل، هزم “صادق المهدي” هزيمة نكراء من عمه، لان عمه كان الإمام، والإمام هو مقدس، سيارته مبارك ترابها، وحمامه ماؤه مبارك وكلمته، وطاف، ولأول مرة يطوف، قديماً الشيوخ ديل…
# “أحمد منصور”: يأتي إليهم الناس
– “الشيخ الترابي” يأتي إليهم، ولكن هذه المرة بطائراته وبسياراته طاف، وهزم “الصادق” نفسه وكثيراً من قيادته واضطر “الصادق” في نهاية الأمر أن يرجع، مافي طريقة يعني.
# “أحمد منصور”: “بيتر ورورد” في كتابه (السودان الدولة المضطربة) يقول إن الشائعات بدأت في العام 1969 تشير إلى وجود انقلاب عسكري.. ألم تشعر أنت بشيء؟
– “الشيخ الترابي”: والله ما شعرنا بشيء، أقول لك الحقيقة.
# “أحمد منصور”: أنت فوجئت بانقلاب “النميري” مثلك ومثل الآخرين؟
– “الشيخ الترابي”: فوجئنا بانقلاب “النميري”.
# “أحمد منصور”: ما أثر وقوع البلد في يد العسكر مرة أخرى؟
– “الشيخ الترابي”: “نميري” كان ابن داخليتي في المدارس الثانوية، هو تخرج وتقدم عليّ بسنة، ولكن نفس المسكن وكان يزورني كثيراً وهو عسكري، صداقة يعني وكنا نلعب الكورة في نفس الفريق.
# “أحمد منصور”: يعني كنت تعرفه قبل هذا؟
– “الشيخ الترابي”: أعرفه، وهو ما كان شيوعياً طبعاً اتخذه الشيوعيون واجهة.
# “أحمد منصور”: هل ما قمتم به ضد الشيوعيين جعل الشيوعيين يلجأون للعسكر للتحالف معهم والقيام بهذا الانقلاب؟
– “الشيخ الترابي”: نعم، أصلاً كانوا في العسكر من بدري كانوا زرعوا كثيراً في العسكر، لكن هو المد في الشعب وفي السياسة وفي الرأي العام حتى لا يستيأسوا من مستقبلهم تماماً.
# “أحمد منصور”: الآن لو استدبرتم من أمركم واسترجعت ما قمتم به ضد الحزب الشيوعي.. هل كنت ستعود لتفعل مثلما فعلته؟
– “الشيخ الترابي”: ربما، لا، كنت سأقول أن هؤلاء لا يؤمنون بالديمقراطية لكن يظاهروننا فنعمل بظاهر لسانهم، لان نظامهم المثالي هنالك لا يعرف أحزاباً ولا يعرف انتخابات حرة أصلاً وهم مربطون بذلك النظام تماماً تنظيمياً، وثانياً كنت أقول لذلك حتى إذا كنا نخالفهم في الدين ولو كانوا يؤمنون بالديمقراطية، يمكن، لكن المد الشعبي وغضبته حول الكلمات التي ثارت حولها حول حل الحزب الشيوعي كان من العسير أن نقاومها.
# “أحمد منصور”: ما الذي أدى إلى نجاح انقلاب نميري؟
– “الشيخ الترابي”: نحن أولاً كنا صغاراً يعني، والمنافسة بيننا وبينهم يعني، فايما شيء يغلب الآخر كان تستطيبه.
# “أحمد منصور”: ما الذي أدى إلى نجاح انقلاب نميري؟
– “الشيخ الترابي”: مفاجأة الناس، مفاجأة الناس (كررها مرتين واستعدل في جلسته للإمام). وكثير من الضباط لم يرضوا الحكم الديمقراطي الذي تغلب وحل الجمعية وائتلافات وتاني نأتلف ونختلف وما تعرف أن هذه الائتلافات لا تعيش كثيراً حتى في أوروبا الغربية الجمهوريات التي كانت تقوم على الائتلافات ايطاليا وفرنسا كانت دائماً تتساقط، يعني الشعب دائماً إذا رأى الفوضى والاضطرابات يريد الاستقرار ولو بعسكر، وإذا رأى العسكر وحوزته يريد الحرية ولو بثورة، يعني الشعوب دائماً هكذا بين طرف وطرف.
# “أحمد منصور”: “حسن مكي” في كتابه عن الحركة الإسلامية يقول: “يتطلب العمل العسكري الناجح لتسلم السلطة السياسية دقة التنظيم، دقة اختيار القيادات البديلة ومواءمة الخطاب السياسي وملامسته لقضايا الناس والتتابع والنفاذ في إجراءات تسلم السلطة حتى لا يعطي الانطباع بوجود فراغ، بالإضافة إلى عنصري استحكام الأزمة السياسية والتوقيت الملائم وكسر شوكة النظام القديم، ولا يبقى بعده إلا عنصر التوفيق ولله الأمر من قبل ومن بعد”.
– “الشيخ الترابي”: لكن لم يكن الشيوعيون متهيئين لكل ذلك، ضعف نظام الحكم نفسه وكثرة الائتلافات والاختلافات داخل الأحزاب نفسها، بدأت تظهر الإقليمية في السودان، الجنوبيون ظهروا جداً.. غرب السودان لينفصل من الأحزاب لكن ظهرت كتلة ضغط، شرق السودان ظهر منفصلاً، النوبة ظهروا، البلد اضطراب النظام فيها وضح لعامة الناس، والحكومة لا تستطيع أن تقدم البلد كثيراً، لان السياسة تشغلها تبقى شهورا ويأتي ائتلاف جديد، لذلك هذا الاستعداد، والشيوعيون نفسهم يأسوا من أنهم يمكن، لان الثورة الأولى سرقوها سرقة يعني ما أخذوها يعني شرعية، هم لا يؤمنون بالديمقراطية أصلاً يومئذ، الآن يؤمنون بها، في أوربا الغربية كلها بدلوا تبديلاً تاماً، وما كان الانقلاب واسعاً كان تدريبات فقط في معسكرات الضباط.
# “أحمد منصور”: أعداد محدودة جداً؟
– “الشيخ الترابي”: أعداد محدودة جداً والشيوعيون كانوا في المجلس الأول..
– # “أحمد منصور”: كانوا 15 ضابطاً و440 جندياً العملوا انقلاب نميري؟
– “الشيخ الترابي”: ديل ما شيوعيين، في مجلس القيادة الشيوعيون ثلاثة أو نحو ذلك.
– # “أحمد منصور”: نحن الآن نجاح انقلاب غيّر وجه السودان واستمر مدة طويلة بـ15 ضابطاً و440 جندياً استولوا على البلد..
– “الشيخ الترابي”: صاح، صاح.
– # “أحمد منصور”: هل كنت تدري أن هذا انقلاب موجه ضدكم أنتم الإسلاميون؟
– “الشيخ الترابي”: اااه، لأننا نحن دخلنا السجن قبل أن يدخل السياسي الذي انقلبوا عليه، رأس الدولة الذي أنلقب عليه والوزراء ومن أول لحظة مباشرة نحن أدركنا ذلك “الصادق المهدي” قدر أنه ربما لأنه لم يكن يرضى بمصالحته مع عمه لأنها كانت على ضرورة.
– # “أحمد منصور”: كل الحياة السياسية التي سعيتم إلى تكوينها أنهاها الانقلاب في بيانه الأول.. إيقاف العمل بالدستور المؤقت.. حل الجمعية التأسيسية.. حل مجلس السيادة.. حل مجلس الوزراء لجنة الخدمة العامة جميع الأحزاب السياسية..
– “الشيخ الترابي”: والحريات كلها وئدت.
– # “أحمد منصور”: هل كان “عبد الناصر” قريباً من انقلاب نميري؟
– “الشيخ الترابي”: نعم بعض الضباط كانوا في قديم الزمان مع نزعة الضباط الأحرار، وكانوا أكثر عدداً من الشيوعيين هؤلاء نميري لم يكن فيهم، لكن كانوا متأثرين من قديم الزمان بأنه لابد أن تكون هنالك ثورة تقليد للثورة في مصر هناك.
– # “أحمد منصور”: نميري كان في الـ39 من عمره معظم قيادات الثورة كانوا في هذا العمر شبيه بانقلاب عبد الناصر.. هل أعطى لكم ذلك أي إيحاء؟
– “الشيخ الترابي”: لا نميري كنا نعرفه، لم يكن متديناً أصلاً كان يشرب الخَمَرة ولكن رياضياً.. كان حتى لما دخل الجيش ظل على ذلك العهد يعني، ونحن أولا نعلم أنه لا صلة له بالدين يعني في السياسة خاصة، ونعلم الآخرين بأن فيهم نزعة قومية، ورئيس الوزراء نفسه فيه نزعة قومية عربية، ونحن نعلم أنهم ضد الحركة الإسلامية أو شيوعيون مهما قل عددهم، فنحن نعلم أنهم أخطر مادة يعني لأنهم يدبرون أكثر من الآخرين.
– # “أحمد منصور”: تم اعتقالك وبدأت مواجهتكم مع نميري.. ابدأ معك الحلقة القادمة من هذه المواجهة وشكراً لك جزيلاً كما أشكركم مشاهدينا الكرام.