السودان (أيضاً).. دولة عظمى مثل أمريكا..!!
أرقى أساليب التدريس يستند على (التعليم الحواري)، والتعليم الحواري هو الذي يقوم على مشاركة الطلاب في الحوار أثناء المحاضرات الجامعية، وهذا هو النهج الذي نسلكه منذ عشرين عاماً في قاعات الدراسة بالجامعات، وكان السؤال الذي طرحته على الطلاب هو ماذا بعد الإنترنت؟ وهو سؤال يحتاج للإجابة عليه إلى ذهن صافٍ وخيال واسع وعقل منفتح ومتطلع على أحدث تقنيات العصر، ولكن الهدف من السؤال هو أن لا نظل نحن في العالم الثالث ننتظر الغرب وأمريكا لينتجا لنا أحدث أنواع التكنولوجيا ونحن نستهلكها، ثم ننتظر المزيد.
وقف أحد الطلاب وقال إن أمريكا دولة عظمى ومتحضرة ونحن أقزام، وقال إننا لا نستطيع الوصول إلى ما وصلت إليه حتى ولو بعد ألف عام. وقف طالب آخر وقال له ما هو مقياسك وتعريفك للعظمة والتحضر؟ واحتدم النقاش بين أنصار أن التحضر هو في القيم والدين والحياة الروحية والارتباط بالله سبحانه وتعالى، وبين أنصار أن العظمة والتحضر تكمن في التقدم المادي والتكنولوجيا والحياة السهلة للإنسان وتسخير العلم والطبيعة وإسعاد المواطن بتوفير السلع والخدمات.
كل هذا الحوار والسؤال مازال مطروحاً ومعلقاً، ماذا بعد الإنترنت، وقادنا الحوار إلى أن الإنسان مازال يملك في داخله أسراراً لم يكتشفها العلم بعد، فالأقمار الاصطناعية ومعها أقمار الاتصالات وفرت قدرة هائلة للإنسان على الاتصال ونقل المعلومات عبر الإنترنت وأجهزة الاتصال الحديثة العالية الدقة والحساسية، ولكن مازالت هناك أسرار في عقل الإنسان وجسده وروحه لم يكتشفها العلم. قال أحد الطلاب إن سيدنا عمر بن الخطاب وهو يخطب في المسجد، قال ( يا سارية الجبل – أي سر خلف الجبل حتى تتفادى كمين المشركين)، وسارية هو قائد جيوش المسلمين خاطبه سيدنا عمر بدون إنترنت أو موبايل وهو يبعد عنه مئات الكيلومترات، وسمع سارية صوت سيدنا عمر وأنقذ جيوش المسلمين من الهلاك، وتساءل الطالب هل هذا (اتصال رباني؟) أم (اتصال روحي)؟، أم هو جلاء سمعي كما يقول علم الباراسيكولجي، إذا كان الإنسان يستطيع دون وسيط مادي المخاطبة عبر آلاف الكيلومترات، فأين يكمن هذا السر في جسد الإنسان، هل هناك حاسة سادسة كما يقول بعض العلماء، وما هي أسرارها؟
وأنا استمع واستمتع بحوار هؤلاء الطلاب الذي يدل على أن حب المعرفة والبحث العلمي مازال موجوداً بين أبنائنا، بعض الطلاب الذين لا يريدون إدخال مفاهيم الدين في العلم يقولون إن عجزنا عن منافسة أمريكا والغرب واللحاق بهم في مجال التكنولوجيا هو الذي يجعلنا نستدعي التاريخ والنصوص المقدسة ليزداد تزييف الوعي في نفوس الأجيال القادمة، أغلب طلاب الاتصال يميلون إلى التوفيق بين الدين ومقتضيات العصر، قال أحد الطلاب: نحن السودان دولة أعظم من أمريكا، فالعظمة قال: تعني التمسك بالقيم الأخلاقية والتكافلية، ونحن شعب مربوط بحبل مع السماء، وفينا من تنظر إليه وتحسبه بسيطاً وفقيراً ولكنه لو أقسم على الله لأبره.. (ويسألونك عن الروح، قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا).. والواقع أن الغرب وأمريكا وفي المختبرات العلمية عندهم قد اكتشفوا ماذا بعد الإنترنت ولا يطلقون هذه التقانة الحديثة إلا بعد أن تستنفد أغراضها في التجسس علينا وسرقة كل معلوماتنا وأسرارنا والتحكم في مصادر الثروة بيننا وحولنا.. ونحن نعم أعظم من الغرب كله وأمريكا إذا كانت العظمة والتحضر تعني الارتباط بالله سبحانه وتعالى وبمنهجه، وهذا يحتاج إلى صدق حتى يفتح لنا الله أبواب الأرزاق وأسرار الكون ومفاتيح المعرفة.