مستشفى الدلنج بجنوب كردفان.. خلل بيئي معقد ونقص في كل شيء
عندما تموت المستشفيات
ثلاثة ممرضين فقط تعيينهم رسمي.. واثنان من الاختصاصيين خرج أحدهما ولم يعد
الحد الأدنى للأجور (200) جنيه فقط
المكاتب خالية من الأثاث وأجهزة الحاسوب.. وطباعة الورق تتم في السوق
تحقيق – آدم عبد الرحيم
في الماضي كانت المستشفيات الحكومية تتكفل بعلاج المرضى، وتوفر من خلال دعمها كل ما من شأنه أن يرفع العبء المادي والجسدي عنه، لكن بمرور الوقت مرت شلالات من المياه تحت الجسر جرفت معها كل تلك المعينات، وبالتالي أصبح الوصول إلى جرعة دواء مسألة غاية في الصعوبة، الأمر الذي دفع بالمواطنين الغلابى للهرولة وراء الحصول على جرعة دواء يشفون بها سقمهم وهم لا ينفكون يرددون شكواهم ويرفعون مظلمتهم لله أولاً والإعلام ثانياً. وللوقوف على ما يجري حملنا أوراقنا وتوجهنا صوب ولاية جنوب كردفان، وكانت قبلتنا إحدى محلياتها مدينة “الدلنج” (عروس الجبال) أو كما تحلو تسميتها، وطوفنا بمشفاها الذي ظلت يحاصره الاهمال واللامبالاة. وها هي- في السطور التالية – معالم الحالة التي وجدنا عليها بيئة المستشفى ، وقد أضحى فيها كشيخ هرم اعتلى هامته الشيب وتوارى لونه خلف الأوساخ.. فإلى التفاصيل.
{ نقص في كل شيء
في مقدمة الصورة ،عنبر متسخ وحمام ومغسلة متهالكة، أسرّة أكل الدهر عليها وشرب لا تقل إعياء عن من يتمددون عليها، أبواب صدئة ومبانٍ خجولة، وبقايا طلاء على الأبواب والجدران أصبح كخريطة مشوهة ضاعت معالمها، وغير ذلك كثير مما يسترعي الانتباه.. وخلال الجولة قمنا باستطلاع عدد من المواطنين الذين أبدوا تذمرهم وعدم رضاهم ،من تدني أبسط الخدمات كعدم الاهتمام بالمريض ومتابعة علاجه .. وغيرها.
{ وشهد شاهد من أهلها
إحدى “السسترات”، وتشغل موقع رئيس لأحد العنابر المهمة، سألناها: هل يرضيكن، كعاملات ، أن ترين المشهد الذي أمامنا من نفايات متراكمة وغيرها دون أن تحركن ساكناً؟ أجابتنا ، بنبرة متسائلة : (نعمل شنو؟ ليس بأيدينا شيء، سوى أن نناشد- عبركم – الجهات المسؤولة لتوفير مراتب وملاءات)، منوهة إلى عدم وجود دورات مياه، مثلما لا يوجد غسيل كامل، وضافت أنه لاتتوفر كهرباء كافية في ظل حرارة الجو، ولا حتى مياه للنظافة ناهيك عن بقية الأمور التي لا تنقضى بالماء والكهرباء، ولخصت حديثها: بأن هناك نقص في كل شيء.
{ بيئة طاردة حتى للأطباء
لم تتمكن (المجهر) من الوصول للمدير الطبي، فدلفت إلى الأمين العام لمستشفى “الدلنج”، الذي يلم بكل التفاصيل صغيرها وكبيرها، ورسم لنا الصورة التالية : إن الكوادر الطبية المساعدة بها نقص حاد، خاصة الممرضين، حيث يوجد بالمستشفى ثلاثة ممرضين ، فقط تعيينهم رسمي، بالإضافة لعشرة متعاونين ،يتعاطون أقل من الحد الأدنى للأجور (200) جنيه فقط في الشهر، وهم صابرون على هذه الحالة،على حد قوله ، كما يوجد نقص في العمال والفراشين.. أما الأطباء والاختصاصيون، فحدث ولا حرج، إذ يوجد بالمستشفى اختصاصي باطنية واختصاصي أطفال ، لكن الأخير سافر ولم يحضر حتى الآن، نسبةً لتردي البيئة (ماقد يعني أنه هرب بي جلدو).
وأضاف الأمين العام للمستشفى: ( هناك أيضاً نقص المعينات الامر الذي جعل اختصاصي الجراحة غير مستقر)، وأشار إلى أن المكاتب الإدارية لا يوجد بها أثاث ولا أجهزة حاسوب، وقال : إذا دعتنا الحاجة للطباعة ، فاننا نذهب إلى السوق، واضاف : (أما العنابر فقديمة وتحتاج إلى صيانة والأسرّة كذلك).
{ شكوى.. وصوت شكر
سألنا المدير عن الدخل العام للمستشفى، فأجاب: بأن (الدخل ضعيف، مذكرا بان المنطقة ، هي منطقة حرب، وتقدم المستشفي خدماتها مجاناً لكل من يطلبها في ظل هذه الظروف )، وأضاف: (من هنا نسجل صوت شكر إلى ديوان الزكاة ومدير التأمين الصحي ،لتكفلهم ببناء عنبر الأطفال)، وزاد: (غرفة العملية يوجد بها جهاز تخدير من غير ملحقاته، فضلاً عن أن هناك نقص في أسطوانات الغاز، أما الطقم الخاص بالآلات الجراحية فقديم ،وليس له بديل، كذلك جهاز الأشعة معطل ، وقد طالبنا بصيانته ، فاجيب طلبنا بالقول بإن هناك قطعة يجب أن تُحضر من اليابان كان ذلك قبل أربع سنوات ،ولا حياة لمن تنادي).
{ مساعدات من خارج الحقل
ويواصل الأمين العام للمستشفى حديثه بالقول: (بالنسبة لقسمي الأسنان والعيون ،أيضاً ينقصهما الكثير، أما الاستراحة ، فلا تتناسب مع كونها مخصصة لأطباء، ولعل هذه من الإشكاليات التي تجعل الطبيب غير مستقر، وحتى الدعم الخاص بها ضعيف جداً، والصرف الصحي سيئ ، ويحتاج إلى دعم، والكهرباء غير متوفرة، هناك وابور أحضره السيد “إبراهيم نايل إيدام”، أما الإسعاف فقد بقي متعطلاً لفترة طويلة ، الى ان تمت صيانته مؤخرامن قبل الجيش). وزاد بأن الجهات الحكومية لا تنظر إلى الكادر المساعد الموجود مع المريض طول اليوم، لأن مشكلتنا الأساسية، في المستشفي ، هي الكادر المساعد. وإذا توفر الممرضون فاننا نستطيع أن نسد النقص.
وتحدث لـ(المجهر) أحد أعضاء مجلس الإدارة بمستشفى “الدلنج” ، هو السيد “حسنين مرحوم” قائلاً: أن (من ابرز الإشكاليات التي تواجهنا الإسعاف الخاص بالمستشفى ، فقد أصبح متهالكاً ونحتاج إلى إسعاف جديد، وبجانب انعدام صحة البيئة ، فانه لا توجد آليات ووسائل كافية لنقل النفايات، حتى الوابور الموجود مؤجر.. وواستطرد مرحوم ، قائلا : من هنا نرسل رسالة إلى أبناء الدلنج داخل وخارج السودان ،للمساهمة في دعم وسائل إصحاح البيئة، خاصة في فصل الخريف الذي يزداد فيه التردي).
{ استراحة أطباء غاية في التردي
وفيما يعنى بميز الأطباء، وهنا مربط الفرس، كما قالوا لنا ، تحدث الأخوة ، وشددوا على إن الوضع مزرٍ، وعندما ذهبنا إليه، وجدنا السور مبنياً من البراميل القديمة وهو أشبه بزريبة تربية الأبقار.. هالنا المشهد وأحزننا في آن.. طرقنا الباب وأُذن لنا بالدخول .ورغم سوء هذا المنظر، فقد وجدنا طبيبين داخل غرفة صغيرة ،لا تتسع لأكثر من سريرين، ورغم هذه الظروف فقد قابلانا بوجهين صبوحين تعلوهما ابتسامة عريضة، إنهما الطبيبان د. “محمد كأس” وزميله د. “عمران الباشا”، اللذان تحدثا إلينا بلهجة بسيطة ، مؤكدين ، ماسلف من قول ، بإن هناك نقصاً في كل الخدمات، الغرف الحمامات والماء والكهرباء، وأكدا أنه حتى هذه الكهرباء التي كانت تعمل وقتها “موصلة” من معسكر الجيش من الفترة الصباحية وحتى الظهر، وأمنا على عدم توفر الكهرباء والتي تصرف لهم بـ(القطّارة)، على حد قولهما، بين الساعة (2-6) مساءً.
{ اجتهادات فردية
وأضاف الطبيبان: (حتى التلفاز الذي نشاهد عبره الآن ،هو مجهود شخصي ومن مالنا الخاص، كذلك الماء يأتينا عبر الجيش ، ورفعنا هذه المعاناة إلى الجهات المسؤولة، وهم يعلمون ذلك). وقالا إن الدعم لايتعدى الـ (500) جنيه في الشهر لعشرة أشخاص والباقي
(شيرنق) من جيبنا الخاص، لافتين إلى أن كثيراً من زملائهما تعايش مع هذا الوضع لعدة سنين، ولا يوجد أثاث بالميز ،” وفي بعض الأحوال ندخل في حرج خاصةً عندما يزورنا زملاؤنا عابرين من وإلى كادوقلي” واخختما بالقول .. ” ومع هذا كله نحن محتملون في ظل الظروف الأمنية التي تعيشها المنطقة” .
{ مناشدة
وناشد د. “محمد كأس” ود. “عمران الباشا” ،الجهات المسؤولة العمل على سرعة تطوير الميز على مستوى المباني والأثاث والإعاشة، وقالا: (أي شخص يعمل في بيئة كهذه إذا وجد عرضاً أقل فالأكيد أنه سيغادر من غير مشورة كما فعل كثير من زملائنا ، وكلنا نسير على هذا الدرب).