بعد.. ومسافة
تحرير الأسرى و(الأنتينوف)
مصطفى أبو العزائم
فلنبدأ بطائرة (الأنتينوف) التي تحطمت ظهر أمس الأول بمطار مدينة “الأبيض” عاصمة ولاية شمال كردفان والتي صدر بيان رسمي حول سقوطها، متضمناً أسماء طاقمها شهداء الواجب ومتضمناً أسباب الحادث الناتج عن عطل فني مفاجئ أثناء هبوطها.
بيان العميد الدكتور “أحمد خليفة الشامي” كان مقتضباً لكنه جاء بما قل ودل متضمناً شرحاً وافياً للحادث المؤلم، ولم تنقضِ ساعات على صدور بيان الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة، حتى تنبه (الثوار) الذين يحملون السلاح ويجوبون بعض مناطق جنوب كردفان، وأرادوا استثمار الحدث والحادث، فتسارعوا بإصدار بيان زعموا فيه أن نيران مدفعية الجيش الشعبي لتحرير السودان (شمال) هي التي أسقطت الطائرة العسكرية، بعد أن أصابتها بنيرانها في مناطق سيطرتها بـ(إقليم جبال النوبة).. ثم جاءت معلومات أخرى حشواً لتأكيد المزاعم، كان بيان الجيش قد تضمنها، مثل موعد وقوع الحادث ومكانه، وهذه واحدة من أساليب (اللف) الثوري و(الدوران) على الحقائق، إذ كيف يعقل أن يتم ضرب طائرة (أنتينوف 26) عسكرية وإصابتها بنيران مدفعية (الثوار) في جبال النوبة بولاية جنوب كردفان، فتواصل رحلتها حتى مطار “الأبيض” فتحترق هناك (!)
هذا (واحد) أما الثاني محفزات الدهشة والعجب في بيان الجيش الشعبي لتحرير السودان (شمال)، فهو أمر كشفه لنا عدد من الخبراء العسكريين في شأن الطيران، وهو أن طائرة (الأنتينوف) تطير على ارتفاع (32) ألف قدم، بينما لا تملك هذه القوات المتناثرة على بعض مناطق الولاية، لا تملك سلاحاً يبلغ مداه ذلك الارتفاع، وإن المدفعية تشتبك مع الأهداف الطائرة حتى ارتفاع سبعة آلاف قدم، وإن طائرة (الأنتينوف) لا يوجد سلاح يستطيع اعتراضها إلا (المعترضات) أو الصواريخ (م/ط) بعيدة المدى.
ولم يتضمن البيان التفاصيل (الخيالية) عن إسقاط طائرة (الأنتينوف)، لكن طموح معديه ومدبجي مفرداته امتد إلى تبخيس دور الأجهزة الأمنية في تحرير عدد من الأسرى الذين اختطفتهم مجموعة من أفراد الجيش الشعبي، من موقع عملهم بمناطق البترول في مارس الماضي. وذهب معدو بيان الجيش الشعبي إلى الادعاء بأن الأسرى السبعة تمكنوا من الهرب بعد أن ساعدهم حارسهم الليلي على الهروب، وأن محاولات عديدة جرت من قبل للتفاوض مع الجيش الشعبي لإطلاق هؤلاء الأسرى.
بالله عليك تأمل ما حمله هذا البيان من تضليل لا يفوت على أحد، عندما حاول تبخيس دور الأجهزة الأمنية في تحرير هؤلاء الأسرى، ودوننا عمليات كثيرة قامت بها الأجهزة الأمنية حررت خلالها عدداً من المختطفين الذين اختطفتهم حركات التمرد أو عصابات النهب سواء كانوا أجانب أو مواطنين سودانيين.. فكيف تفشل هذه الأجهزة في عملية مثل التي جرت مؤخراً في جنوب كردفان – منطقة جلد – والولاية كلها أصبحت مثل كف اليد في العين الحكومية (!)
تلك (واحدة).. أما الثانية فهي حول زعم الجيش الشعبي لتحرير السودان (شمال) بأن السلطات أجرت عدة محاولات للتفاوض معه لإطلاق سراح هؤلاء الأسرى، فتأمل أكرمك الله، كيف تطلب السلطات الرسمية التفاوض لإطلاق سراح أسرى مقابل فدية بعيداً عن وسطاء ومنظمات هي أقرب للجيش الشعبي، ومقاتليه، ولا يعرف بذلك أحد.
الآن جاءت الضربة ضربتين واللطمة لطمتين الأولى هي انكشاف أمر الكذب البواح، والثانية هي نجاح الأجهزة الأمنية في اختراق كل سياجات التأمين داخل منطقة وجود الجيش الشعبي لتحرير السودان، وتسللها إلى سجونه السرية وتحرير الأسرى ووصولهم إلى الخرطوم، وسط دهشة بل صدمة جعلت قيادات التمرد تهرف بما لا تعرف، وتتعلم أيضاً أن طالب الموت توهب له الحياة دائماً.. وأن الخوف لا يمنع الموت، لكنه يمنع الحياة.