الاقتصاد السوداني في كف (دولار).. هل ثمة حل؟
خبير اقتصادي يدعو إلى تقليل (دورنة) الاقتصاد:
تقرير – محمد إبراهيم الحاج
تقول الطرفة إن أحد الأشخاص ذهب إلى المتجر صباحاً، وسأل البائع عن سعر سلعة وعندما علم أنها تضاعفت عن سعر أمس رد عاجلاً برد ساخر (يعني ما ننوم ولا شنو)، وربما أن ذات ظروف الطرفة القديمة تجول بأذهان السودانيين في الوقت الحالي، فلا تكاد شمس يوم جديد تشرق حتى يفاجأ الناس بسعر صرف سوقي جديد للدولار مقابل العملة المحلية، ولا يكاد الناس يستوعبون هذا السعر الجديد حتى يفاجئون في اليوم التالي بسعر أكبر من السعر الحالي، حتى حار الجميع في مراقبته وتعاملوا مع تلك الزيادات في الدولار الذي يتحكم في كثير من أسعار السلع الاستهلاكية كأمر واقع لا مفر منه، في ظرف أيام بسيطة سجل الدولار ارتفاعاً كبيراً.. ربما يكون خلال كتابة هذا التقرير سعراً يختلف عن السعر الذي سوف يكون عليه عند وصول الصحيفة للقارئ الكريم، وقد يكون وصل سعر صرف الدولار إلى 15 مقابل العملة المحلية (الجنيه)، وهو ما جعل كثير من المراقبين يعتقدون أنه من أعلى وتيرات الارتفاع التي حدثت في البلاد خلال العقود السابقة، ولأنه ليس ثمة مؤشر على استقرار في الوقت الحالي، فإن الوضع الآن يتطلب كثيراً من الدراسة وكثيراً من التأني لمواجهة المد المتزايد للدولار.
آثار ارتفاع الدولار
في حالة ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه، فإن أسعار الواردات ترتفع بشكل كبير مما يؤدي إلى حدوث خلل في ميزان المدفوعات وحدوث خلل في الموازنة العامة، الأمر الذي قد يدفع وزارة المالية إلى فرض ضرائب جديدة مما يزيد من الأعباء على الاستثمارات وعلى أفراد القطاع العائلي بسبب ارتفاع أسعار السلع المستوردة وارتفاع أسعار السلع والمنتجات المستوردة، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج والخدمات، إلى جانب ضعف قدرة الشركات الوطنية على المنافسة الخارجية، كما يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة بسبب توقف بعض الشركات عن الإنتاج، ويؤدي ارتفاع الدولار إلى زيادة القيمة الحقيقية للديون، الأمر الذي تعجز معه الدولة عن سداد هذه الديون، إلى جانب زيادة عجز الموازنة العامة للدولة واتجاه المدخرين لشراء الدولار، حيث يتجه الأفراد إلى تحويل أموالهم من الجنيه السوداني إلى الدولار ما يؤدي إلى ضعف الاقتصاد السوداني ومع ارتفاع الدولار تضعف الثقة في الاقتصاد السوداني، فتقل الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الدولة وتحويلات العاملين بالخارج، كما يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم بسبب ارتفاع أسعار المواد الخام وتراجع دعم الحكومة لبعض السلع بسبب عدم قدرتها على سد العجز في الموازنة العامة نتيجة ارتفاع فاتورة الواردات، وانخفاض سعر الجنيه السوداني مقابل العملة الأجنبية سوف يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج المحلي الذي تعتمد مدخلاته على المواد المستوردة وارتفاع تكلفة المعيشة بالنسبة لأفراد القطاع العائلي وارتفاع أسعار الواردات من السلع الاستهلاكية خصوصاً السلع التي ليس لها بديل محلي.
المضاربون يتحكمون في السعر..
الاهتمام المتعاظم من كافة القطاعات الاقتصادية والشرائح البسيطة بارتفاع سعر صرف الدولار هو أمر بديهي لما يحدثه ارتفاع الدولار من أثر كبير في قطاعات واسعة من الاقتصاد السوداني، لكن لماذا ارتفع الدولار هذا الارتفاع الجنوني خلال أيام قليلة، فبحسب الخبير الاقتصادي “د. بابكر محمد توم” الذي تحدث لـ(المجهر) أمس، فإن المضاربين بالدولار هم من يتسببون في الارتفاع، مبيناً أنهم يسعون إلى إحداث ندرة في الدولار حتى يرتفع سعره ومن ثم يستفيدون من فرق السعر، مؤكداً أن بنك السودان يستطيع مكافحة المضاربين بطرح العملة الأجنبية وزيادة عرضها، إلا أن عدداً من المضاربين أنفسهم يدافعون بقولهم إن ارتفاع أسعار الدولار بسبب زيادة الطلب، مشيراً إلى أن سياسات بنك السودان، المتعلقة باشتراطات فتح الاعتمادات التي يصفونها بالمعقدة، تدفع المستثمرين والتجار إلى الاستعانة بالسوق الموازي لتوفير العملات الصعبة.
ورغم أن عدد المضاربين الكبار بحسب مصادر (المجهر) ليس كبيراً ولا يتعدى الخمسة والعشرين، إلا أنهم يضخون ملايين الدولارات في السوق يومياً، وفي حال أمسكوا عن ذلك من الممكن أن تحدث ندرة شديدة في الدولار ويبلغ رقماً خرافياً، يؤدي لفقدان الحكومة السيطرة عليه.
هل من حل؟
والسؤال الذي يبلغ ذروته الآن هو هل تفلح إجراءات الحكومة أو موازناتها في كبح جماح التضخم وتخفيف الضائقة المعيشية وتنفذ إلى جوهر الأزمة التي قد تؤثر سلباً على كل مستويات المعيشة بالبلاد؟، وما هي الإجراءات السريعة والعاجلة على المدى القصير التي قد تجنب البلاد المزيد من التدهور الاقتصادي واستفحال الضائقة المعيشية؟ يرى الخبير الاقتصادي “بابكر محمد توم” أنه على بنك السودان أن يتدخل بصورة عاجلة لإيقاف التدهور المريع للعملة المحلية، وطالبه بضخ الدولار وهو الأمر الذي يؤدي إلى زيادة العرض، ومن ثم يساهم في استقرار سعر الصرف حالياً، وعلى المدى الطويل، قال “محمد توم”: إننا نحتاج الآن إلى مزيد من دعم الصادرات وتقليل الواردات، وفي حال انخفضت الواردات وزادت الصادرات فسوف يؤدي ذلك إلى حدوث إصلاح في الميزان التجاري، ودعا “محمد توم” في حديثه لـ(المجهر) أمس إلى أهمية توفير مدخلات الإنتاج للمزارعين وتحديث وسائل الإنتاج، وأضاف: كل البرامج تتكلم عن إحلال الواردات، ويجب أن نزيد إنتاجنا ونزيد الصادرات.
ويعتقد المحلل الاقتصادي “علي الحاج” أنه لكي يعود للجنيه قوته وتأثيره يجب تشجيع القطاع الخاص المنتج في الزراعة والصناعة، وتوفير كافة الشروط التي تزيد من قدرته التنافسية، وعلى نحو خاص في إنتاج السلع التي تلبي الاحتياجات الأساسية للمواطن من غذاء وكساء، وتمكينه من إنتاج هذه السلع بتكلفة أقل، وأن تشمل الإجراءات الهادفة التي تشجيعه على تقييد استيراد السلع والخدمات المماثلة والبديلة للإنتاج المحلي، وتوفير المحروقات والطاقة الكهربائية بأسعار تمكن المنتجين من خفض تكاليف الإنتاج وتحقيق وفورات. وكذلك خفض الضرائب ومنع الازدواج الضريبي في المركز والولايات والمحليات المفروضة على المنتجين، وخلق البيئة الاستثمارية الملائمة للمستثمرين وإعادة الاعتبار للقطاع التعاوني في دائرتي الإنتاج والاستهلاك في مواقع العمل والسكن، وفي المدن والقرى وتوسيع القاعدة الإنتاجية والاهتمام بترقية الإنتاج المحلي يضمن خلق المزيد من فرص الاستخدام، وخفض معدلات البطالة، التي تغذي تدهور الأوضاع المعيشية وتدهور القيم والسلوك وانتشار ظاهرة التسول وتعاطي المخدرات والجرائم بأنواعها المختلفة. وتعزيز هذا التوجه يقتضي الحد من تدفق الأيدي العاملة الأجنبية وحماية الأيدي العاملة السودانية وتدريبها وترقية مهاراتها، وختم “د. بابكر محمد توم” حديثه بتأكيده أنه حتى (ست الشاي) الآن سوف ترفع سعر (كباية الشاي) تأثراً بالأجواء العامة التي سوف يخلفها ارتفاع الدولار، لافتاً إلى أن الشعب السوداني قبل نحو 20 عاماً لم يكن يهتم بمتابعة سعر الدولار لأن كثيراً من السلع التي كان يستهلكها كانت تصنع محلياً، مجدداً التأكيد على أهمية الاهتمام بإنتاج السلع الاستهلاكية محلياً وتقليل الاعتماد على ما وصفها بـ(دورنة) الاقتصاد _ في إشارة منه إلى تجنب الاعتماد على الدولار في جلب السلع المستوردة، قاطعاً بأن الحل الأبدي والطبيعي هو الاعتماد على الإنتاج المحلي وترقية الصناعات المحلية.