ما بعد الإعلان الرسمي باندحار التمرد في كل ولايات دارفور
* القوات المسلحة توجه جهدها لتطهير النيل الأزرق وجنوب كردفان من بقايا التمرد
* العميد (م) صلاح كرار: الانتصارات العسكرية تمهد طريق السلام
الخرطوم ـــ محمد جمال قندول
نهاية التمرد بدارفور.. هكذا مهرت القوات المسلحة بيانها الذي نشر أمس الأول (الأربعاء) بعدد من الصحف، وأجهزة الإعلام الأخرى، مؤكدة بسط سيطرتها الكاملة على منطقة (سرونق) آخر معاقل التمرد للمتمرد “عبد الواحد محمد نور”، بجبل مرة.
ويبدو أن القوات المسلحة تمضي فعلياً إلى القضاء على التمرد بصورة نهائية غير مكترثة في سبيل أداء واجبها الوطني، بالمفاوضات المتعثرة بين المتمردين والحكومة بـ”أديس أبابا”، والتي أفضت إلى الفشل، مثل كل جولات المفاوضات السابقة، إذ أن المتمردين لم يريدوا من المفاوضات غير غطاء لكسب الوقت، وليس وسيلة لتحقيق السلام ، لذلك فإن القوات المسلحة حملت على عاتقها مسؤولية تحقيق السلام على الأرض وبسط الأمن، من خلال القضاء على ما تبقى من بؤر التمرد، وبالفعل تجرعت الحركات المسلحة الكثير من مرارات الهزائم القاسية، بكل معارك دارفور، طيلة الفترة الماضية، والتي كانت محصلتها إعلان خلو دارفور من التمرد ونهايته العسكرية، ليتوجه – من ثم – جهد القوات المسلحة نحو منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان لتطهيرها من بقايا من التمرد.
*بيان القوات المسلحة
وكان الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة العميد دكتور “أحمد خليفة أحمد الشامي” قد أعلن في بيان رسمي أن التمرد قد اندحر وخرج يجرجر أذيال الخيبة والانكسار، وانتهى عهد المتاجرة بدارفور، في وقت كشف فيه أن القوات تعمل الآن وفق خطة محكمة على جبهات القتال في النيل الأزرق وجنوب كردفان، بثبات وقوة عزيمة.
مشيراً إلى أن القوات المسلحة ظلت تعمل وفق ما فرضه عليها الواجب والدستور، وتواصل تقدمها عبر كافة المحاور والجبهات لكسر شوكة التمرد، ودحره وقد قيض الله لها وبفضله تطهير منطقة جبل مرة بصورة كاملة من دنس التمرد، واستطاعت بسط سيطرتها الكاملة على منطقة (سرونق) آخر معاقل حركة “عبد الواحد” المتمردة.
وأضاف “الشامي” خلال البيان أن حركات التمرد المرتزقة ظلت ترفض باستمرار خيار السلام الذي دعت له الحكومة عبر كافة المنابر، وذلك لارتباطها بالأجندة الأجنبية التي لا تستطيع أن تنفك عنها، والتي تسعى دائماً لزعزعة الأمن والاستقرار بالبلاد، إلا أننا نؤكد أن التمرد قد اندحر وخرج يجرجر أذيال الخيبة والانكسار وانتهى عهد المتاجرة بدارفور بعد أن فقد الوطن الكثير بحماقة التمرد، ونعلن بذلك انتهاء التمرد والحركات المرتزقة بكل ولايات دارفور الخمس بعد هذه المعركة الفاصلة.
*استغلال الانتصارات الأخيرة
العميد (م) والخبير الأمني والقيادي بالحركة الإسلامية “صلاح كرار” قال لـ(المجهر) إن القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى بسطت سيطرتها في إطار عملها بواجبها بالدفاع عن السودان وكل ما هو مهدد لها، وأضاف في حديثه ينبغي أن نستفيد من الانتصارات الأخيرة بعمل كبير يحقق السلام، مشيراً إلى أن العمليات العسكرية لطالما أثبت تاريخهاأنها لا تحسم القضايا السياسية الكبرى، وزاد لا ينبغي أن نكتفي بأن التمرد قد انتهى، ويجب البحث عن السلام خاصة وأن الانتصارات العسكرية تجعل من التفاوض سهلاً وتجعل ما هو غير ممكن بالماضي ممكناً.
أما الخبير السياسي د.”صلاح الدومة” فيرى أن التمرد قضي عليه نهائياً بدارفور، والحركات المسلحة فقدت قوتها الأساسية، وذلك لعدة أسباب أهمها فقد الدعم الليبي على أيام “القذافي”، بالإضافة إلى فقد الدعم من الجنوب الذي يعاني من ويلات الحرب الأهلية بين “سلفا كير” و”رياك مشار”، مما عقد وضعية هذه الحركات التي تعتمد على التمويل الخارجي، إلى جانب عدم مساندة المجتمع الدولي لخيار الحرب، وتأييده للتفاوض وما يتمخض عنه من اتفاق مع الحركات والتي توصلت بموجبه لمقايضات مع نظام “الخرطوم”.
*تضييق الخناق على التمرد
في الوقت ذاته سخرت الحكومة من عزم مجلس الأمن الدولي عقد جلسة استماع مرتقبة لمجلس الأمن حول الأوضاع في دارفور، وقالت إنه كلما ضاق الخناق على حركات التمرد، كانت هناك صيحات أعلى وارتفع صوت المساندين للتمرد من قوى المجتمع الدولي.
وقال وزير الدولة بالخارجية “كمال إسماعيل” في تصريحات صحفية أمس الأول (الأربعاء)، إن الحكومة قد تعودت على تحركات مجلس الأمن، والمنظمات الداعمة للتمرد خاصة في دارفور
ومن المقرر – في هذا السياق – أن تدلي المتحدثة السابقة باسم “اليوناميد”، “عائشة البصري”، بشهادتها أمام أعضاء الكونغرس الأمريكي في وقت متأخر من ليل (الأربعاء) بتوقيت “الخرطوم” في جلسة مفتوحة للجمهور.
وقال إسماعيل إن “المجلس دائماً عنده جلسات استماع لمختلف القضايا، وقد تعودنا أنه كلما ضاق الخناق على حركات التمرد، كانت هناك صيحات أعلى وارتفع صوت الذين يعارضون، وهذا شيء معتاد من المنظمات غير الرسمية، ومحاولتها أن تخلق زخماً كلما تعرضت حركات التمرد لضغوط عسكرية في البلاد.
وأكد الوزير استعداد الحكومة ممثلة في بعثتها في مجلس الأمن، للرد على أي اتهامات، وقال “نحن مستعدون تماماً وبعثتنا على دراية بكل التفاصيل”، وأشار إلى أن التجارب علمتنا كيف نتعامل مع مثل هذه التظاهرات الإعلامية.
وبحسب خبراء فإن دارفور باتت آمنة، وذلك لعدة أسباب أبرزها ضعف دولة الجنوب، وعدم اكتراثها وضعف قدرتها في الوقت الراهن على الاستمرار في دعم للحركات المسلحة في ظل الظروف الاقتصادية القاهرة التي تعيشها الجنوب حالياً جراء الحرب الشرسة ما بين رئيس دولة الجنوب “سلفا كير” والمعارض “رياك مشار”، بالإضافة إلى تشتت الحركات المسلحة وتحولها إلى حركات ارتزاق بعدد من الدول، منها ليبيا والجنوب.
وأشار الخبراء إلى أن الحركات المسلحة فقدت مصداقيتها حتى عند المجتمع الدولي، وباتت غير جاذبة لعدة عوامل، منها عدم سعيها للسلام، والارتزاق من الحرب، وهو ما رجح خيار الانضمام للسلام لعدد من الحركات المسلحة التي وقعت على ميثاق اتفاقية “الدوحة”.
ومن المتوقع أن ينعكس اندحار التمرد في دارفور على أوضاع التمرد في جنوب كردفان والنيل الأزرق عسكرياً ومعنوياً، مما يعجل بهزيمته في المعارك القادمة، في وقت يعزز فيه هذا الانتصار مسيرة السلام في دارفور والتي ستشهد خلال الفترة القادمة عودة النازحين واللاجئين، إلى جانب ما تبقى من فلول الحركات للالتحاق بمسيرة السلام الذي أصبح حقيقة واقعة.