رأي

بعد.. ومسافة

 كل شيء ممكن!!
مصطفى أبو العزائم
انتويت الكتابة عن تطورات قضية جامعة الخرطوم، وهل تم عرضها للبيع، أم أن في الأمر شبهات تحاول أن تدفع بها بعض القوى المعارضة للحكومة، حتى تنال منها إن لم يكن في مقتل، فعلى الأقل بـ(إصابة دامية)، وصورة شوهاء للقرار ومتخذيه، مستندين إلى قرارات مشابهة ومعيبة مثل بيع الخطوط الجوية السودانية، وسكك حديد السودان، ومشروع الجزيرة، إما البيع الكلي أو الجزئي، بما يجعل أمر بيع مباني جامعة الخرطوم محتملاً ومتوقعاً، وإن كان غير مقبول، لما تمثله جامعة الخرطوم من رمزية علمية وثقافية وسياسية واجتماعية سامقة في جغرافية الوطن وتاريخه.
انتويت الكتابة عن هذا الموضوع الخطير، ورأيت أن تكون أولى خطواتي هي الرجوع إلى مكتبتي الخاصة، وأرشيفي الشخصي للتزود منهما بما يعين على الكتابة عن كلية “غردون التذكارية” التي أصبحت كلية “الخرطوم الجامعية”، ثم أضحت بعد الاستقلال “جامعة الخرطوم”، وهي بلا شك أم الجامعات السودانية بلا منازل أو منافس، ورأيت اجتناب الانفعال العاطفي قدر المستطاع، وتنكّب طريق الحق حتى وإن طال المسير فيه، وبدأت بنقطة أولى وجوهرية، وهي أن جامعة الخرطوم اليوم، ليست هي تلك الكلية الجامعية التي كان عدد طلابها وطالباتها لا يتجاوز المئات عقب الاستقلال، كما أنها ما عادت ذلك الصرح التعليمي محدد القبول محدود الاستيعاب مثلما كانت قبل عقود قريبة، وأنها لم تعد مفرخة النخب الوحيدة الآن، وأن مشروع نقل الكليات من الخرطوم قد بدأ بالفعل منذ عدة سنوات، وتم إنشاء كليات حديثة خارج المحيط القديم للجامعة، وأصبحت الزراعة مع البيطرة مع الإنتاج الحيواني في شمبات، بينما نشأت التربية في أم درمان، حيث احتضنتها مباني معهد المعلمين العالي في شارع الوادي شمال حي ود نوباوي العريق.
إذن ومن خلال النظرة الموضوعية للأمر، فإن الكثير من كليات الجامعة الآن لم تعد لديها القدرة الاستيعابية المتزايدة عاماً بعد عام للطلاب والطالبات، وهذا قطعاً يتطلب نقل بعض تلك الكليات إلى مناطق أخرى، تتوسع فيها المنشآت، ويتم فيها تحديث المباني بما يتواءم ويتلاءم مع متطلبات الدراسة في هذا العصر، على أن تبقى الكليات التي تتسع للدارسين والدارسات، دون أن يؤدي ذلك إلى (إخلاء) مباني الجامعة وكلياتها وداخلياتها، (وهجرها) لتصبح أثراً بعد عين أو أن تكون جزءاً من منظومة الآثار التي ستصبح (فرجة) للعالمين!
البيان الغامض، والتصريحات الأكثر غموضاً حول بيع مباني جامعة الخرطوم، هي التي فتحت الباب أمام كل الاحتمالات، فربما كان هناك بيع، وربما لا.. وقد يكون هناك تأجير وقد لا يكون.. وهكذا سيظل الجدل قائماً ونيرانه مستعرة، وتأجيج كل ذلك وارد وقائم بالنفخ على النار بأفواه الحزبيين والمعارضين وأصحاب الأجندة الخاصة، والحكومة في عقلها الجمعي لا تقدر المخاطر الناتجة عن الصمت الذي يثير الريب والشكوك في النفوس، بينما هي تنشغل بقضايا محسومة أو شبه محسومة تشكل إضافة لها في رصيدها السياسي مثل استفتاء دارفور الإداري، ونفرة ولاية الجزيرة، بينما صمتها المريب حول بعض القضايا الخطيرة يخصم كل يوم من رصيدها الشيء الكثير.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية