بعد.. ومسافة
الخدْر العقلي اللذيذ..!
مصطفى أبو العزائم
رحم الله أستاذنا الكبير، الراحل المقيم “عبد الرحيم إمام التهامي”، مدير إدارة الامتحانات السابق، وأحد أكفأ معلمي مادة التاريخ في المدارس الثانوية، وقد تلقينا المعارف والمعلومات التاريخية على يديه في مدرسة أم درمان الأهلية الثانوية خلال سبعينيات القرن الماضي، إلى جانب أساتذة كرام ضمتهم شعبة التاريخ، كان من بينهم أستاذ الأساتيذ “عمر حسن الطيب هاشم” والأستاذ– السفير لاحقاً– “عثمان الدرديري” مدير مكتب السيد النائب الأول السابق، فقد كانوا يعملون على تغذية نفوسنا وعقولنا بجرعات وطنية من خلال الدرس العام، وكان أستاذنا “عبد الرحيم إمام”– رحمه الله– منحازاً بشكل واضح إلى الدولة المهدية، متحمساً للدفاع عنها في معركتها الأخيرة بـ”كرري” أمام جحافل جيش اللورد “كتشنر” حتى أنه اشتبك مع أحد زملائنا الطلاب، الذي قال بصوت عالٍ: (الحمد لله) وذلك بعد أن قال أستاذنا “عبد الرحيم إمام” إن قوة السلاح الناري والأسلحة الحديثة هي التي انتصرت على الشجاعة والبسالة وإرادة الرجال، وتلك حملة روج لها الإعلام والصحافة الإنجليزية آنذاك.
صديقنا وزميلنا ذاك دافع عن وجهة نظره بأنه لولا زوال الدولة المهدية لكان السودانيون حتى يومنا ذاك يلبسون (المُرقع)– قالها هكذا– ويعانون من فرض الضرائب والحكم المستبد، ولبقي فوق رؤوسهم شبح سجن “الساير” محذراً من أي فعل سياسي.
رحم الله أستاذنا “عبد الرحيم” الذي توفي قبل أيام في مساء (الثلاثاء) الثاني والعشرين من شهر مارس الماضي، بقريته (النوبة) في الريف الشمالي لمحلية كرري، التي لم يفارقها في كل الظروف، حتى إبان فترة مرضه الطويلة التي امتدت لسنوات، وكان الجميع يعزي بعضهم بعضاً، فالفقد كبير وجلل.
تذكرت الراحل المقيم، وتذكرت شقيقه الأصغر الفريق شرطة “أحمد إمام التهامي”، رئيس لجنة الأمن والدفاع الوطني بالمجلس الوطني– والشيء بالشيء يُذكر- وهو يهاتفني قبل أيام قليلة من وفاة الأستاذ “عبد الرحيم إمام”، مشيداً بمقال نشرناه في هذا المكان عن الإعلام والأمن، أشرنا فيه إلى أن العالم المتقدم الآن أخذ يعد الإعلام كواحد من عناصر قوى الدولة الحديثة، وأن الوعي لدى الصحفيين والكُتّاب أضحى اليوم أشد ضرورة من ذي قبل.. وقد قال السيد الفريق في محادثته تلك، إنهم أشادوا بذلك المقال على مستوى اللجنة، وحدث تفاكر مع رئيس لجنة الشباب والرياضة والثقافة والإعلام والسياحة، السيد “عمر سليمان آدم”، لعقد ندوة تؤكد أهمية الوعي في استخدام الوسائط الإعلامية، وأهمية وعي العاملين في تلك الوسائط ومعرفتهم بالخطوط الحمراء التي يجب على الصحفي أو الكاتب ألا يتجاوزها، والتي يجب على الإعلاميين في الوسائط المختلفة ألا يتجاوزوها، وأن يتعاملوا معها بوعي وحذر دون تجاهل.
بالأمس، وصلتني دعوة كريمة من المجلس الوطني للحضور والمشاركة في ورشة عمل تنظمها لجنة الشباب والرياضة والثقافة والإعلام بالمجلس الوطني، بالتنسيق مع لجنة الأمن والدفاع الوطني بعنوان (الإعلام والأمن.. ممارسة إعلامية راشدة) في الحادية عشرة من صبيحة يوم غد (الأربعاء) الثالث عشر من أبريل الحالي، بالقاعدة الخضراء في المجلس الوطني.
موضوع الورشة يكفيك عنوانه، فقد أصبح للإعلام في عصرنا هذا دور مهم في حياة الشعوب، وأصبح ذات الإعلام وسيلة خطيرة من وسائل الحرب الحديثة، وظهرت نظريات التضليل الإعلامي من خلال الخبر والتعليق والسينما والفن والأدب وغيرها مما يمكن أن نسميه مكونات القوى الناعمة، وذلك لتشكيل نسق ثقافي وقيمي جديد في الوسط المستهدف بذلك التغيير، وأصبح الإعلام رغم اختلاف وتعدد الآراء ووجهات النظر بين العلماء على المستوى الإستراتيجي، نظريات قوى الدولة الشاملة، أصبح عنصراً مهماً من العناصر التي يجب أن تشملها قوى الدولة الحديثة.
نحن في حاجة ملحة الآن لعدة ورش عمل لا ورشة، ولعدة ندوات لا ندوة واحدة نقف عندها على أهمية ودور الإعلام في الدولة السودانية الحديثة، ونحتاج إلى إعادة نظر وتجديد لكثير من مناهج ومقررات الإعلام في الجامعات، لضمان تماسك الدولة ووحدتها ودور الإعلام في ذلك، حتى لا تتفكك أمام أعيننا بأسلحة إعلام خارجية.. ونحن ننظر للتغيير الذي يتم ولا نملك أن نفعل أمامه شيئاً، تغيير يستخدم فيه الخصوم أسلحة الخدر العقلي، والمنطق الواهي اللذيذ.