بعد.. ومسافة
الوقوع في حبائل الشيطان!
مصطفى أبو العزائم
الإبداع دائماً يوصف بأنه أمر خارق للعادة، وكل تميز في أنواع الفنون، يوصف– في الغالب– بأنه جنون.. وهناك من يعكس الآية، فيقول إن الجنون فنون.. لأن المصاب بمرض عقلي، قد يأتي بما لم يأت به الأوائل، وفي الذاكرة العربية شخصية “بهلول المجنون” الذي عاصر الخليفة العباسي “هارون الرشيد” واتصف مع جنونه ذاك بـ(الحكمة).. وربما لذلك جاءت مقولة (خذوا الحكمة من أفواه المجانين).
بالأمس كتبنا عن السحر والسحرة وعلاقة الجن بالسحرة، وهي علاقة لازمة ليصبح الساحر ساحراً.
تقليت على بريدي الإلكتروني يوم أمس خبراً من موقع صحيفة (صوت الصومال) الإلكترونية عنوانه: (متعافٍ صومالي من الجنون، يروي تجربته، ويقول: هكذا تتخلصون من المرض)، والخبر يتضمن قصة المواطن الصومالي “أحمد نور يوسف” صاحب التجربة الطويلة مع المرض العقلي (الجنون) لعدة سنوات استمرت من العام 1982م، وحتى العام 2006م، وقد خضع للمعالجات الطبية والشرعية على أيدي علماء الصومال، وودع المرض نهائياً بعد خضوعه للفحص الطبي على يد طبيب صومالي داخل عيادة خاصة لعلاج الأمراض العقلية في العاصمة “مقديشو”.
المتعافي الصومالي لم يشر إلى أسباب إصابته بالمرض، وإن كان قد ذكر تعرضه لعدة حوادث اعتداءات في سنوات الفوضى بالصومال، وتهديدات بالقتل، كما تعرض لإحراق ظهره من قبل لصوص عهد الفوضى.
العالم غير المرئي لنا، لا نستطيع أن نقول عنه شيئاً مؤكداً، وهو عالم غامض نؤمن بما ورد حوله في القرآن الكريم، وهناك اعتقاد شبه راسخ لدى الناس بأن المريض العقلي أو النفسي متلبس بالجن، أي يسكنه جن أو شيطان، وواقع تحت تأثير السحر أو العين أو الحسد، لذلك يلجأ أهل المريض دائماً إلى الشيوخ والمعالجين الروحانيين أكثر من لجوئهم إلى الأطباء النفسانيين، ويعود ذلك إلى أن الاعتقاد في الأرواح الشريرة قديم، منذ عهود الإنسان الأولى، ولأن الإنسان عدو ما يجهل، فإنه يخشى الظلام والصحارى غير المأهولة، ويتردد كثيراً في الدخول إلى الأماكن المهجورة، ونجد أمثلة عديدة لهذا الخوف المتمكن من النفوس في تراث وثقافة الحضارات القديمة، سواء كان ذلك عند الهندوس أو قدماء المصريين، أو حتى في الحضارات الرومانية والإغريقية وحضارة ما بين النهرين، والحضارة السودانية القديمة، وكانت ذات تلك الحضارات تبحث في طقوس طرد تلك الأرواح الشريرة، إما بالصلوات الخاصة أو بالقرابين والمياه المقدسة.. أو بالحفلات الماجنة مثل الزار.
للفلاسفة آراء واضحة في هذا الموضوع، إذ إن “هومر” زعم أنه تحدث مع الشيطان، بينما وصف “سقراط” و”أفلاطون” أن الجنون ما هو إلا الوقوع في حبائل الشيطان.